السياسية:

مركز البحوث والمعلومات

 

في ظل حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العالم والمنطقة، لم يكن غريباً أن تتصاعد الرسائل المتبادلة ما بين مختلف الأطراف، وكان من الواضح أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى من خلال إجراء المناورات العسكرية المختلفة إلى إرسال عدد من الرسائل، وفي مقدمتها أن طهران في حالة استعداد دائم لمواجهة الأخطار المحتملة.

والمتابع للوضع العسكري المتصاعد في أكثر من جغرافيا على مستوى العالم يستطيع إدراك أن إجراء المناورات العسكرية يعكس إلى حدٍ كبير حالة التوتر القائمة، ولنا في الصراع الحاليّ داخل الأراضي الأوكرانية وما يحدث من تدخلات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال الدعم غير المسبوق للقوات الأوكرانية في مختلف المجالات وفي مقدمتها المجال العسكري وبمختلف أنواع الأسلحة الحديثة، إضافة إلى تصاعد التوتر في الشرق الآسيوي (بحر الصين الجنوبي وبحر اليابان) ، يدرك جيداً أن البقاء في حالة تأهب وعلى مختلف المستويات ضرورة لا بد منها في سبيل تطوير التخطيط والتنفيذ والسيطرة والتعاون بين مختلف فروع القوات( البرية والجوية والبحرية) وبما يساهم في المحصلة النهائية على الارتقاء بالأداء وتعزيز المهارات القتالية الميدانية وتنفيد المهام المتنوعة في الزمان والمكان المحددين.

وبالتالي فإن الحديث عن توقيت المناورات “سلماً أو حرباً” له أهمية كبرى لكونها ترتبط بالوضع القائم على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج، والشرق الأوسط لم يكن استثناء خلال السنوات القليلة الماضية، ولنا في الحروب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا خير شاهد على أن الضرورة تفرض البقاء في حالة استنفار دائم لمواجهة المخاطر المتصاعدة، ولا سيما بعد التقارب الكبير بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني بعد “اتفاقيات أبراهام في سبتمبر 2020، وتطبيع كلاً من الإمارات والبحرين علاقاتهما بصورة كاملة مع دولة الاحتلال.

ولا بد من القول أن الهدف من المناورات العسكرية الإيرانية وحسب ما تعلنه طهران، هو مواجهة الاستعراضات العسكرية من قبل الأطراف الأخرى – ولنا في المناورات التي تجريها الولايات المتحدة مع عدد من دول المنطقة وبمشاركة الكيان الصهيوني خير دليل – على أن إجراء المناورات من قبل إيران لم يكن سوى رد طبيعي ومباشر لتلك الاستفزازات، خاصة مع استمرار حالة الجمود الحاصل في مفاوضات فيينا ما بين الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي من أجل العودة إلى العمل بالاتفاق النووي المبرم في 2015، ومع غياب انفراجه قريبة كانت المناورات العسكرية بمثابة رسائل لا يمكن أن تخطئها العين.

وفي السطور التالية سوف نستعرض أبرز المناورات العسكرية الإيرانية خلال الأشهر الماضية، والبداية كانت مناورة”فاتحو خيبر” في أكتوبر 2021 وكانت المناطق الشمالية الغربية في إيران والقريبة من الحدود مع دول أذربيجان وأرمينيا مسرحاً للمناورة، وحسب ما تم إعلانه فقد شارك في المناورة ” قوات برية وجوية ووحدات مدرعة ومدفعية وطائرات مسيرة ووحدات الحرب الإلكترونية”، وشملت المناورة تنفيذ عملية إنزال بالطائرات المروحية، إلى جانب اختبار طرازين من سلاح مضاد للدروع، وتضمنت مناورة “فاتحو خيبر” الكشف لأول مرة عن طائرات مسيرة هجومية دقيقة بعيدة المدى.

وكان من الواضح أن مناورة “فاتحو خيبر” اعتبرت بمثابة رسالة مباشرة للجار الأذربيجاني، الذي استطاع السيطرة على إقليم “قره باغ”، المتنازع عليه مع أرمينيا، بعد معارك شرسة استمرت أسابيع وبدعم مباشر من قبل تركيا،

ولهذا كانت مناورة “فاتحو خيبر” رداً على تلك التطورات المتسارعة، وهو ما تبين بوضوح من خلال إعلان كيومرث حيدري قائد القوات البرية الإيرانية “أن إيران حساسة تجاه تغير الحدود الرسمية لدول هذه المنطقة وترى ذلك غير مقبول”، ولم تخفِ طهران أكثر من مرة عن رفضها التام للتواجد الصهيوني بالقرب من المنطقة، وبأنها لن تتسامح مع تواجد الكيان الصهيوني بالقرب من حدودها وستتخذ ما تراه ضروريا لأمنها،

وفي هذا السياق أكد حيدري “أن تواجد “إسرائيل” واحتمال انتشار مقاتلين من تنظيم الدولة وجماعات إرهابية في دول المنطقة منذ الحرب في قره باغ، يزيد من أهمية المناورات، وأن طهران لن تتساهل مع أي تواجد “إسرائيلي” أو تواجد جماعات إرهابية قرب حدودها”.

ومع بداية شهر نوفمبر 2021 كانت إيران مع موعد تدشين مناورة “ذو الفقار1400” بالقرب من سواحل مكران جنوب شرق البلاد وعلى مساحة واسعة شملت مضيق هرمز وبحر عُمان والأطراف الشمالية من المحيط الهندي، وبمشاركة وحدات المشاة والمدرعات والقوة البحرية والوحدات الميكانيكية والسفن البحرية والغواصات و ومنظومات الدفاع الجوي وبدعم مقاتلات تابعة للقوات الجوية الإيرانية.

وأقيمت المناورة على عدة مراحل: الأولى: كانت استطلاعية ،فيما كانت المرحلة الثانية: استخبارية ،والمرحلة الثالثة والأخيرة: قتالية، وخلال المناورة أطلقت عمليات واسعة لجمع المعلومات الإلكترونية والمشفرة من القوات الهجومية عبر أجهزة التنصت وتحديد الاتجاه لوحدات التكتيك والسواحل، وذلك من خلال الطائرات , أنواع متعددة من المسيرات ” أبابيل ثلاثة الإستكشافية، وبصير وصادق ومهاجر وسيمرغ”.

وشملت مناورة “ذو الفقار1400” التي امتدت على مدى ثلاثة أيام ، تنفيذ أفراد البحرية ومغاوير من القوة البرية، عملية إنزال مشتركة على مواقع افتراضية للعدو، وحسب القائمين على المناورة فقد كان التركيز في جانب من التدريبات على عامل المباغتة وسرعة الهجوم والسيطرة والتدرب على الحرب الالكترونية، إضافة إلى تنفيذ العملية المشتركة بواسطة هجوم القوات المحمولة جواً من قبل مشاة البحرية ومغاوير القوة البرية على سواحل العدو”، وخلال المناورة أطلقت صواريخ من نوع كروز “قادر وقدير ونصر، وطوربيدات من غواصات طارق وغدير” على أهداف مختلفة تحت الماء

وأشار قائد القوة البحرية للجيش الإيراني الأدميرال شهرام إيراني خلال تصريحات لوسائل الاعلام الإيرانية قوله “إن أهمية هذه المناورات تكمن في التنسيق بين القوات المشاركة واستخدام المعدات التي حصلنا عليها، وتحديثها واختبار فاعليتها في الميدان ونقل التجارب للشباب والتدرب على خطط مختلفة حسب الظروف التي تمر بها المنطقة”

وفي سياق الرسائل المراد إرسالها من خلال المناورة، أشار عدد من المراقبين إلى أن إيران سعت إلى التأكيد أنها في حالة جهوزية تامة لا سيما أن المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، لم تسفر عن بوادر لحلحلة الخلافات، إضافة إلى أن المناورة تزامنت مع تصاعد التوترات في مياه الخليج وإصرار الولايات المتحدة التواجد العسكري وفرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة ككل.

وبعد أسابيع قليلة من ختام مناورة “ذو الفقار1400” كانت إيران مع اطلاق مناورة أخرى حملت اسم “الرسول الأعظم17” رداً على تصاعد التهديدات العسكرية الصهيونية بشن ضربات على المنشآت النووية والعسكرية في الداخل الإيراني، وأقيمت المناورة في جنوب البلاد (مياه الخليج ومضيق هرمز، وثلاث محافظات إيرانية جنوبية) وشملت المناورة إطلاق عدد من الصواريخ البالستية في وقت واحد من منصات مختلفة.

ويرى عدد من المراقبين، أن مناورة “الرسول الأعظم17” حملت معادلة جديدة مفادها التهديد الصريح باستهداف منشآت نووية “إسرائيلية” من خلال استخدام مجسمات تحاكي منشآت نووية كمفاعل “ديمونة” وبأنها تحت مرمى الصواريخ الإيرانية البالستية، وبأن الصاع سوف يرد صاعين في حال تجرأ الكيان الصهيوني وفكر بأن يستهدف المنشآت الإيرانية.

وفي هذا السياق أكد رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، محمد باقري، بقوله “تم التخطيط لهذه المناورات مسبقا، لكن التهديدات العديدة والجوفاء للمسؤولين “الإسرائيليين ” في الأيام الأخيرة أدت الى إجراء هذه المناورات في الوقت الحالي”، وأضاف “انطلقت أنواع مختلفة من الصواريخ بشكل متزامن ودقيق من اتجاهات مختلفة ولكن نحو هدف محدد، ودمرت الهدف المحدد بشكل كامل من مسافة بعيدة.. الـ 16 صاروخًا التي أصابت الهدف في وقت واحد هي جزء صغير من مئات الصواريخ القادرة على تدمير أي هدف للجهة التي تفكر بهاجمة إيران”.

ويرى عدد من الخبراء أن مناورة الرسول الاعظم 17، كانت مناورة تختلف عن ما سبقها من حيث اشتراك العديد من منظومات الاسلحة الجديدة، إضافة إلى التفاعل المشترك بين سلاح الصواريخ من جهة وسلاح الطائرات المسيرة من جهة أخرى، ودمج الحرب السيبرانیة والحرب الالكترونية واختبار المنظومة للقوات الدفاعية الايرانية.

وفي العام 2022 برزت المناورات العسكرية الإيرانية بصورة مغايرة عن سابقاتها من المناورات من حيث المشاركين والنطاق الجغرافي، حيث شاركت كلاً من الصين وروسيا إلى جانب إيران في مناورة بحرية مشتركة بشعار “معا من أجل الأمن والسلام” وعلى مساحة تقارب سبعة عشر ألف كيلومتر شمالي المحيط الهندي وخليج عُمان، وفي نطاق يمتد من مضيق هرمز بالمياه الخليجية، وباب المندب بخليج عدن، ومضيق مالاكا جنوب شرق آسيا.

وحسب المتحدث بإسم المناورة الأدميرال الإيراني “مصطفى تاج الدين” شاركت وحدات جوية من القوة البحرية و14 قطعة بحرية من الجانب الإيراني إلى جانب قطعتين بحريتان من الصين وثلاثة قطع بحرية من الأسطول الروسي من طراد “فارياغ” الصاروخي وسفينة “أدميرال تريبوتس” المضادة للغواصات وناقلة “بوريس بوتوما” البحرية وشملت المناورة تدريبات متنوعة بما فيها محاكاة لقرصنة سفينتين “خطفهما قراصنة في المياه الدولية” وبأن وحدات بحرية وجوية من الدول الثلاث حررت السفينتين.

وحسب العديد من الخبراء فإن المناورة المشتركة ما بين “إيران وروسيا والصين”جاءت لتضع حداً للعبث الغربي بالمنطقة ولضمان الملاحة البحرية في المحيط الهندي”، وبأن أهمية المناورات تتعاظم كونها تأتي على مساحة بالغة الأهمية كون جزء كبير من التجارة العالمية يمر عبر منطقة المناورة.

وفي أغسطس 2022 أجرى الجيش الإيراني وعلى مدى يومين مناورات للطائرات المسيرة وصفت بالأكبر في تاريخ البلد، وبمشاركة 150 طائرة بدون طيار، وشملت المناورة مشاركة مختلف الوحدات العسكرية وعلى مختلف الجغرافيا الإيرانية .

وفي أكتوبر من نفس العام أطلق الحرس الثوي الإيراني مناورة عسكرية كبيرة في منطقة “أراس” بمحافظة آذربيجان الإيرانية وبالقرب من الحدود مع أذربيجان، تضمنت وللمرة الأولى نشر جسور مؤقتة عائمة لتدريب القوات والمركبات العسكرية على التنقل عبر العقبات المائية.

وخلال أيام المناورة الثلاثة، كان من الواضح أن هناك زيادة ملحوظة في عدد الأسلحة والأفراد المشاركين في مناورة “إيران القوية”، من خلال حجم قوات المدفعية الصاروخية والراجمات المشاركة في المناورة، وكشف القائمين على المناورة مشاركة “راجمات صواريخ فتح الباليستية ذو 2 – 3 – 6 قاذفات، والتي يتجاوز مدى كل صاروخ تطلقه الـ 100 كم”، والمشاركة بهكذا نوعيات تعد رسالة “حسب المراقبين” بأن القوات العسكرية الإيرانية على أتم الاستعداد والجهوزية، لتنفيذ ما يطلب منها من مهام، في حال كانت هناك محاولات لإحداث تغييرات جيوبوليتيكة بالقرب من حدودها مع أرمينيا وأذربيجان.

يشار إلى أن المناورة جاءت في أعقاب مواجهات محدودة ما بين أرمينيا وأذربيجان في سبتمبر 2022 حاولت من خلاله القوات الأذرية السيطرة على ممر “زانجيزور” الذي يقع على الحدود الإيرانية الأرمينية، ويربط بين جمهورية أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان التابع لها، والمتمتع بالحكم الذاتي داخل أرمينيا، وهو ما لا يمكن أن تتقبله طهران وتعتبره مؤامرة دولية لتطويقها جغرافياً من الجهة الشمالية الشرقية.

ووفق البرنامج السنوي لتدريبات الجيش الإيراني بهدف تعزيز الجاهزية القتالية ودعم الأمن في المنطقة، ومع ختام العام 2022 بدأ الجيش الإيراني تدريباته الاعتيادية السنوية المنتظمة والهادفة إلى تحسين قوته الدفاعية وتعزيز الجاهزية القتالية واختبار الأسلحة.

وتحت عنوان “ذو الفقار 1401” وفي الموقع المحدد للمناورة “المنطقة الساحلية لخليج عمان جنوبي شرقي البلاد وشرق مضيق هرمز إلى شمالي المحيط الهندي، كانت مشاركة قوات متنوعة من البحرية والجوية والبرية إلى جانب قوات الكوماندوز إضافة إلى غواصات بحرية متنوعة.

 

  • سبأ