بقلم: بيل تيرو( صحيفة: الإندبندنت البريطانية, ترجمة: أنيسة معيض- سبأ)

يمارس الضغط على كلا من لندن وواشنطن من اجل وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أن ظهر تقرير جديد يدين اسلحتهم التي استخدمت في 27 غارة جوية غير قانونية أدت إلى مقتل أكثر من 200 شخص في اليمن.

كشف هذا التقرير جديد أن قنابل بريطانية وأمريكية تسببت في قتل وتشويه قرابة 1000 مدني بينهم أكثر من 120 طفلاً في اليمن منذ بدء الحرب على اليمن.

وأثارت النتائج دعوات جديدة لكلا البلدين لوقف مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للسعودية والإمارات اللتين تستخدما السلاح في صراع مدمر مازال دائراً منذ أربع سنوات حتى الان.

وفي التقرير المؤلف من 128 صفحة، الصادر عن الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان والتي مقرها أمريكا ومجموعة الرصد اليمنية مواطنة، تم التحقيق في 27 غارة جوية غير قانونية تم شنها على اليمن من قبل التحالف الخليجي بين أبريل 2015 وأبريل 2018.

ووجدوا أنه في كل واحدة من هذه الطلعات، استخدمت أسلحة أمريكية أو بريطانية، مما أسفر عن مقتل 203 شخص على الأقل وإصابة ما يقرب من 750 شخص وأكثر من 120 طفلاً، وما لا يقل عن 56 امرأة، من بين القتلى والجرحى.

كانت هذه الضربات الـ 27 هي الحوادث الوحيدة التي تمكن الباحثون من جمع أدلة كافية حولها – إن الحصار المضروب على اليمن يجعل الدخول إليه غاية في الصعوبة. لكن منظمة مواطنة وجدت أنه في عام 2018 وحده كان هناك 128 غارة جوية غير قانونية.

وقد كشف التقرير لأول مرة عن استخدام أسلحة بريطانية الصنع في خمس غارات جوية على الأقل تبدو غير مشروعة في اليمن، وضرب كلية مجتمع، وعدد من المتاجر المدنية ومستودع، مما أدى إلى وفاة أحد المدنيين وإصابة طفل.

يأتي ذلك بعد أسابيع فقط من إعلان لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس اللوردات أن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، التي بلغت 4.7 مليار جنيه إسترليني منذ بدء الحرب في اليمن، تسببت في “خسائر كبيرة في صفوف المدنيين”، ومن المحتمل أن تكون غير قانونية.

وتنقل الصحيفة عن روهان ناغرا، من الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان، والتي شاركت في كتابة التقرير قولها “يبين هذا التقرير وجود نمط من الغارات الجوية غير القانونية على ما يبدو استخدمت فيها قوات التحالف الأسلحة الغربية. إنه دليل على أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تلعبان دوراً في القتل والدمار الذي يحدث في اليمن الان.

وأضافت: ” هناك جدل يدور الآن في المملكة المتحدة حول” خطر “استخدام أسلحة المملكة المتحدة في ضربات جوية غير مشروعة … ويوضح هذا التقرير أن الأمر لم يعد يتعلق بالمخاطر، بل لقد تم بالفعل استخدام الأسلحة البريطانية بشكل متكرر. كما أن الشركتان التي أنتجت هذه الأسلحة، وهي “رايثيون – وجي إي سي ماركوني ديناميكس”، متورطتان أيضاً.

وأضافت: بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية حملة قصف على اليمن في مارس 2015 لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي حليفهم الذي طرد من السلطة على أيدي جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

وبعد مرور خمس سنوات لا يوجد ما يشير إلى نهاية للصراع الذي أودى بحياة أكثر من 60 ألف شخص ودفع 14 مليون شخص إلى حافة المجاعة. وقد توجه وزير الخارجية جيريمي هانت إلى المنطقة الأسبوع الماضي في محاولة لإنقاذ أحدث خطة للسلام للأمم المتحدة.

اتهم خبراء الأمم المتحدة جميع الأطراف بما في ذلك الحوثيين بارتكاب جرائم حرب محتملة. مشيرين إلى انه قد تم مهاجمة التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة بسبب غاراته الجوية، التي وبحسب الأمم المتحدة استهدفت، الأسواق، وصالات العزاء ، وحفلات الزفاف، والمعتقلات، وقوارب مدنية، وحتى أنها لم تستثني المستشفيات. ولقد نفى التحالف العربي مرارا الاتهامات وارتكابه لأية أخطاء.

لم يورد تقرير يوم الأربعاء بالتفصيل فقط تورط المملكة المتحدة والولايات المتحدة على المرجح، بل أظهر أيضاً أن عدد الهجمات الجوية غير القانونية المحتملة في تزايد فعلياً.

وقد وثّقت منظمة مواطنة حقيقة 128 غارة جوية غير قانونية في عام 2018 أدت إلى مقتل 418 مدنياً على الأقل، من بينهم 181 طفلاً.

وتُعد تلك زيادة بما يقرب من 90 هجوماً غير قانوني نفذه التحالف، وثقتها مواطنة في عام 2017، والتي أودت بحياة أكثر من 350 مدنياً، من بينهم 161 طفلاً و 45 امرأة.

إن الحملة ضد تجارة الأسلحة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي تمثل تحدياً في الوقت الحالي لقرار المملكة المتحدة بمواصلة ترخيص بيع المعدات العسكرية إلى المملكة السعودية، اطلعت على تقرير يوم الأربعاء ” الأكثر شمولاً حتى الآن”.

وقال أندرو سميث من حملة ضد تجارة الاسلحة لصحيفة الاندبندنت: “إن ذلك يبين حجم الدمار الذي لحق بالشعب في اليمن”.

وقالت السيدة ناغرا إن التقرير، الذي يحث على الوقف الفوري لمبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات العربية المتحدة، يضيف دليلاً إضافياً لدعم قضية الأسلحة لحملة ضد تجارة السلاح بالإضافة إلى دعمه لتقرير مجلس اللوردات.

وأضافت: ” ان المحكمة العليا بالغة في حقيقة محدودية وصول منظمات حقوق الإنسان الى الحقائق في اليمن إلا أن هذا التقرير تم إعداده باستخدام الأبحاث التي جمعتها منظمة يمنية لديها 70 موظفاً في جميع أنحاء البلاد الذين قاموا بزيارة المواقع التي تم قصفها وقاموا بتصوير ما أسفر عنه القصف وقاموا بالتحليل  للهجمات حال حدوثها.

وأضافت قائلة: “إنه قدم دعماً إضافياً لتقرير اللجنة الحالية لمجلس اللوردات الذي خلص إلى أن عمليات تصدير الاسلحة البريطانية هي بالفعل يعد مخالفا للقانون”.

منذ اندلاع الحرب في اليمن في عام 2015، قامت المملكة المتحدة بترخيص مبيعات بقيمة 4.7 مليار جنيه استرليني من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وما قيمته حوالي 585 مليون جنيه إسترليني إلى الإمارات العربية المتحدة، وفقا لحملة ضد تجارة الاسلحة.

من جهة اخرى، لقد كانت كلا من السعودية والإمارات من بين أكبر مستوردي الأسلحة الأمريكية.

في العامين الماضيين فقط، نفذت الولايات المتحدة عقود بيع اسلحة بما قيمته 27.9 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية، وفقا لوزارة الخارجية.

كما قدمت الولايات المتحدة  المعلومات الإستخباراتية والتدريب. وكانت حتى (نوفمبر) 2018، تزود بالوقود طائرات التحالف التي تقوده السعودية.

وتؤكد الأدلة الجديدة التي أبرزها التقرير المزيد من الضغوط على كلا الادارتين التي تواجه مطالب متزايدة من مجالسها التشريعية بالتخلي عن العلاقات العسكرية مع دول الخليج.

لقد واجهت خلال الأسابيع القليلة الماضية في المملكة المتحدة، تيريزا ماي دعوات فرض حظر على مبيعات الأسلحة في أعقاب تقرير مجلس اللوردات.

في غضون ذلك، وفي الولايات المتحدة، أصدر مجلس النواب قراراً تاريخيًا الشهر الماضي لإلغاء الدعم العسكري الأمريكي للحملة في اليمن. ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ على قرار مواز في الشهر المقبل. وقد هددت إدارة ترامب بالفعل باستخدام حق النقض لإحباط جهود الكونغرس.

وفي يوم الأربعاء، دافعت وزارة التجارة الدولية البريطانية عن مبيعات الأسلحة البريطانية، قائلة لـ “إندبندنت” إن الحكومة تأخذ على عاتقها مسؤولية التصدير “بجدية بالغة”.

وقال متحدث باسم الوزارة: “نحن ندير واحدة من أقوى أنظمة مراقبة الصادرات في العالم، ونبقي صادراتنا الدفاعية إلى المملكة العربية السعودية تحت المراجعة الدقيقة والمستمرة”.

” يتم تقييم جميع طلبات تراخيص التصدير على أساس كل حالة على حدة وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي الموحدة ومعايير ترخيص تصدير الأسلحة الوطنية، مع مراعاة جميع العوامل ذات الصلة في وقت تقديم الطلب”. وقد رفضت وزارة الخارجية التعليق مباشرة على التقرير.

لكن مسؤولا في وزارة الخارجية الأمريكية قال للصحيفة بأنه تم تقييم كل المبيعات الدفاعية الأمريكية المقترحة لتفحص قضايا مثل ” الأمن الإقليمي، ومنع انتشار الأسلحة، والاهتمامات المتعلقة بحقوق الإنسان”.

وقال المسؤول: ” اتخذت الولايات المتحدة عدداً من الإجراءات لمساعدة التحالف بقيادة السعودية في دعم الحكومة اليمنية والدفاع عن الأراضي السعودية ، مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، بما في ذلك: التدريب، وتوفير أسلحة متطورة، وتقديم المشورة للجيش السعودي لمساعدتهم في تحديد عمليات الاستهداف.

ومع ذلك، فقد كشف تقرير يوم الأربعاء أن العديد من الهجمات نفذت على اهداف بعيدة كل البعد عن أي هدف عسكري محتمل، في حين تسببت غارت اخرى في إلحاق اضرار بالمدنيين يفوق بشكل كبير أي فائدة عسكرية محتملة.

وقال التقرير يبدو أن قوات التحالف لم تتخذ الاحتياطات الكافية لتقليل الأضرار بالمدنيين، على النحو المطلوب في القانون الإنساني الدولي.

ويشير التقرير إلى أن من بين الهجمات التي قام التقرير بالتحقيق فيها غارة وقعت في أبريل 2018 على محافظة حجة في شمال اليمن، استخدمت فيها قنبلة من صنع أمريكي من طراز جي بي يو 12 بيفواي 2 الموجهة بالليزر، أطلقت على حفل زفاف، قتلت 21 شخصا، وجرحت 97 آخرين، بينهم 60 طفلا.

” تناثر الدم  في كل مكان. ونقلت الصحيفة عن أم العريس أمينة الشهب، التي تبلغ من العمر50 عاما، قولها إن الأصابع والأشلاء تطايرت في كل الاتجاهات.

وأضافت: ” كانت أعضاء  القتلى على الأشجار والصخور وحاول الناس جمع أكبر عدد من هذه الاعضاء بينما الأعضاء المتبقية كانت تؤكل من قبل الكلاب.

ومن بين الهجمات التي استخدمت أسلحة المملكة المتحدة، كان هناك هجومان في محافظة صنعاء تم فيها شن سلسلة من الغارات استخدمت فيها الذخائر الموجهة بدقة عالية من أسلحة “ذكية”. وقال التقرير إن أحد الغارات استهدفت مصنع سيراميك ردفان، مما أسفر عن مقتل شخص وجرح طفل في سبتمبر 2015، وقصف آخر استهدف كلية المجتمع، أيضًا في منطقة صنعاء، في يناير 2016 مما أدى إلى تدمير المبنى.

وفي كلتا الحالتين، قال شهود عيان إنه لم تكن هناك أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة. وقال التقرير إنه على ما يبدو أن الهجمات كانت عشوائية.

يقول غالب أحمد السواري، الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، مدير عام المصنع ان القصف الذي تعرض له المصنع في سبتمبر 2015: ” قد خلف سبعمائة عامل عاطلين عن العمل … لقد فقدنا كل شيء في غمضة عين”.

دعا لويد راسل مويل، عضو البرلمان في حزب العمل، الموجود في لجنة تصدير الأسلحة البرلمانية في المملكة المتحدة، إلى تعليق فوري لمبيعات الأسلحة إلى الرياض.

وقال لصحيفة “الإندبندنت”: “إن حكومة المملكة المتحدة تقدم الأولوية لعقودها التجارية الخاصة مع المملكة العربية السعودية لتوفير الطائرات والقنابل والصيانة على واجبها في الالتزام بقانون المملكة المتحدة الذي يحظر صراحة مبيعات الأسلحة للدول التي قد تنتهك القانون الدولي الإنساني”.

من جهته، قال النائب المحافظ أندرو ميتشل: ” إذا أظهرت هذه التحقيقات خروقات للقانون الدولي وقواعد الحرب، فيجب محاسبة المسؤولين على ذلك أياً كانوا “.

اتهمت حملة ضد تجارة أسلحة حكومة المملكة المتحدة بتسهيل عملية تلك ” الجرائم” والتمكين لها.

وقال السيد سميث من حملة ضد تجارة السلاح: “لقد قضى جيريمي هانت الأسبوع الماضي في الدعوة لحل للصراع. وأفضل شيء يستطيع أن يفعله هو أن يوقف بيع الأسلحة للتحالف الذي تقوده السعودية، وينهي تواطؤ الحكومة البريطانية في الأزمة”.