السياسية:

في الوقت الحالي، فتحت الصين التي تستعد لقيادة العالم في العقود القادمة، حساباتها على جميع المناطق الاستراتيجية في العالم من أجل تحقيق خططها الكبرى. وبعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية من أجل تعزيز العلاقات الثنائية، أصبحت اليمن هذه الأيام مكانًا لحركة الدبلوماسية الصينية. وتحاول الصين، التي كان لها موقف شبه محايد تجاه التطورات في اليمن في السنوات الثماني الماضية، أن تلعب دورًا في هذا البلد الآن بعد أن فتحت القوى العظمى أعينها على الأزمة في اليمن.
وفي هذا الصدد، أفادت وسائل إعلام يمنية بزيارة وفد صيني إلى عدن الأسبوع الماضي لبحث مجالات تعزيز العلاقات. وفي الأيام الماضية تحدث “حسن الحيد” رئيس منظمة المنطقة الحرة في عدن مع “شاو تشينغ” القائم بأعمال السفارة الصينية في اليمن حول التعاون المشترك بين البلدين وخاصة في المجال التجاري.

وتمت في هذا الاجتماع مناقشة العديد من الجوانب المتعلقة بتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين وكيفية تقديم الدعم اللازم لتحسين البيئة الاستثمارية في المنطقة الحرة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين ميناء عدن لنقل الحاويات.
وأكد رئيس منظمة المنطقة الحرة في عدن على أهمية دور الصين في تقديم الدعم اللازم لمختلف القضايا وكذلك المساعدة في العديد من المجالات الاقتصادية والإنسانية.
وكان التعاون المشترك في زيادة الاستثمار في المنطقة الحرة في مختلف المشاريع الصناعية والتجارية والتخزينية من الموضوعات الأخرى التي نوقشت في هذه الاجتماعات.

وحسب مدير عام خدمات الاستثمار بالمنطقة الحرة في عدن، فإن أهم المشاريع لتطوير المنطقة الحرة تتعلق بالمساعدة في استيعاب المزيد من الحاويات التجارية. ووفقًا لمسؤولي المنطقة الحرة في عدن، فإن الصين ستساعد في تطوير النظام الأمني ​​للمنطقة الحرة وإجراء التحديثات اللازمة والتدريب المتعلق بعمليات فحص الحاويات من خلال جهاز الأشعة السينية.
كما ذكر القائم بالأعمال في السفارة الصينية أن الصين تواصل التعاون مع اليمن والعديد من الدول العربية، لأن الصين استثمرت 26 مليار دولار في العديد من الدول العربية، ومن المتوقع أن يزداد التبادل التجاري بين بكين والعرب ويصل إلى 400 مليار دولار في عام 2027.

ويأتي حضور مسؤولين صينيين في عدن بعد اجتماع بين رئيس هذا البلد وقادة عرب إقليميين عُقد في الرياض الشهر الماضي، ونوقشت سبل تطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف. وكان الوجود الصيني الأخير في جنوب اليمن، عندما تم تقسيم اليمن إلى دولتين، شمالي وجنوبي، في السبعينيات وكان لديها علاقات مع حكومة الجنوب التي كان يسيطر عليها الشيوعيون، والتي كانت حجر الزاوية في العلاقات الأيديولوجية والسياسية بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، يتمتع سكان الجنوب بنظرة جيدة نسبيًا للصين، وتحاول الصين استخدام العلاقات السابقة لتعزيز مكانتها في هذه المنطقة.

أهداف الصين في اليمن

تعتبر المناطق الجنوبية من اليمن مهمة للتجارة البحرية لبكين لقربها من بحر عمان والبحر الأحمر الذي يعتبر حلقة الوصل بين الشرق والغرب. ومنذ عام 2012، تحت قيادة شي جين بينغ، وضعت الصين مشروع “حزام واحد وطريق واحد” على رأس أولويات سياستها الخارجية وتحاول تنفيذ هذه الخطة الطموحة.
وبالنظر إلى أن جزءًا من طريق الحرير الجديد يمر عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، فإن هناك حاجة لشبكات النقل البحري والسكك الحديدية الكبيرة لنقل البضائع من الصين إلى أوروبا وإفريقيا في أقصر وقت وبأقل تكلفة.
وستلعب اليمن الواقعة بالقرب من القرن الإفريقي دورًا مهمًا في نقل البضائع الصينية إلى القارة السوداء. إن أي عقبات في طريق الحرير ستجعل من الصعب تحقيق هذه الخطة الكبرى، ويجب على جميع الدول المهتمة أن تلعب دورها الأفضل في هذا الممر العالمي.

ونظراً لضعف اليمن من حيث البنية التحتية للمواصلات وليس لديه القدرة على بناء معدات حديثة وتطوير الموانئ، تحاول الصين استغلال هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في جنوب اليمن بحجة تطوير البنية التحتية الاقتصادية. كما أكد صالح المحجي، مدير عام مشروع المنطقة الحرة في عدن، على أهداف الصين في عدن وقال: “الصين مستعدة لإنشاء عدد من المشاريع عالية الجودة في المنطقة الحرة، مثل مشروع السكك الحديدية، وتطوير الحاويات في المنطقة الحرة، وإنشاء منطقة لوجستية للتبادلات التجارية”. بطبيعة الحال، فإن توجه الصين لتعزيز التعاون مع اليمن لا يقتصر فقط على الجنوب وعدن، وفي رحلته الأخيرة، زار الوفد الصيني أيضًا محافظتي تعز والحديدة، الخاضعتين لسيطرة صنعاء، ما يدل على رغبة بكين لتقوية العلاقات مع “أنصار الله”.

تأمين طريق التجارة البحرية

نظرًا لأن 80 ٪ من التجارة العالمية تتم عبر الطرق البحرية، فإن الطرق التي تلعب دورًا مهمًا في هذه التجارة مهمة جدًا للقوى العظمى، وقد فهمت الصين، باعتبارها القطب الاقتصادي الثاني في العالم، هذا جيدًا، ويعد مضيق باب المندب من أهم المعابر البحرية في العالم التي تحاول أمريكا والصين السيطرة عليها، وأي قوة يمكنها السيطرة على هذه المنطقة الحيوية ستتفوق على المنافسين الآخرين في التفاعلات التجارية العالمية، وهذا هو أنها قضية بالنسبة للصين، وهي ذات أهمية مزدوجة.

ولقد عززت أمريكا مؤخرًا نفوذها في البحر الأحمر وباب المندب من أجل زيادة أمن حلفائها العرب والصهيونيين ضد تهديدات أنصار الله اليمنية. لذلك، اختارت الصين، التي تحاول أن تصبح منافسا لواشنطن في الخليج الفارسي، باب المندب لخطط أعمالها.
وفي هذا الصدد، أعلنت بعض المصادر أنه في اللقاء بين قادة بكين والرياض بحث الجانبان إقامة تحالف عسكري جديد لضمان الأمن البحري في باب المندب. وحسب موقع “مطبطات” الإخباري السعودي، اقترحت السعودية أن يضم هذا التحالف مصر والأردن والدول الأفريقية المتاخمة لباب المندب بقيادة الصين. كما تم بحث امن المنطقة البحرية من باب المندب الى قناة السويس على هامش الاجتماع بين رئيس الصين ورئيس مجلس الرئاسة اليمني “العليمي”.

إن السعودية، التي تنقل معظم صادراتها النفطية إلى أوروبا وإفريقيا عبر البحر الأحمر، قلقة من هجمات أنصار الله في باب المندب وتخطط لتحسين أمنها البحري مع وجود الصين. ومن أجل ضمان أمن طريق الحرير الجديد، تحركت الصين للمشاركة في أمن هذا الطريق البحري السريع من أجل منع قطع الطريق التجاري لبضائعها.

جذب رأس المال والتكنولوجيا من الصين

بينما يتطلع مجلس الوزراء اليمني الجنوبي إلى جذب الاستثمارات الصينية والتكنولوجيا لتطوير المناطق الحرة وموانئ الحاويات والبنية التحتية لتصدير النفط والغاز، فإن وجود شركات من الدول المعتدية وحلفائها الغربيين في هذه المناطق خلال السنوات التي مرت منذ الحرب لم ترافقه الاتفاقيات والمشاريع التي تم التوقيع عليها في اليمن ولا تزال هذه الدولة تدفع الثمن، مثل عقد مشروع الغاز الطبيعي المسال مع شركة توتال الفرنسية. ولقد أدى إهمال شركة موانئ دبي في تشغيل وتطوير وإدارة ميناء عدن إلى إلغاء العقد معها، كما تكبد اليمن خسائر فادحة بسبب عقد مشروع الغاز الطبيعي المسال مع شركة توتال الفرنسية.

وفي الإعلان الأخير عن استعداد شركة توتال الفرنسية لإعادة تصدير الغاز اليمني المسال وفق الآليات السابقة، تم تحديد السعر بنحو 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهذا حسب الاقتصاديين فضيحة وجريمة بحق اليمن، بسبب تغييرات واسعة في هذا الأمر، حيث يتم تداول السوق الدولية بسعر حوالي 60 دولارًا لمليون وحدة حرارية من الغاز المسال.

نظرًا لحقيقة أن جنوب اليمن يحتوي على العديد من موارد النفط والغاز وأن هذه المنطقة الاستراتيجية خارجة عن سيطرة أنصار الله، فإن الجهات الفاعلة خارج المنطقة جشعة لاحتياطيات الطاقة هذه من أجل استخدامها لتلبية بعض احتياجاتهم، لذلك فإن حكومة عدن في ظل ظروف عدم الرضا العام عن وجود مشاكل اقتصادية ومعيشية، تأمل أن يكون وجود الشركات الصينية في هذا المجال مثمرًا في تحسين الظروف الاقتصادية للمنطقة.

إن الغرض من جهود الصين للاستثمار في اليمن والتواصل مع مختلف الفئات في هذا البلد هو أن بكين تنظر إلى اليمن كبوابة لدخول البحر الأحمر وتعزيز نفوذها في غرب آسيا، ولهذا السبب من المتوقع أن تعمق الصين وجودها في اليمن. لكن بسبب الحرب وعدم الاستقرار السائد في اليمن، فإن أي استثمار أجنبي في البنية التحتية سيكون بلا جدوى في الوضع الحالي.
لأن أنصار الله، بصفتها الضامن لأمن ووحدة أراضي اليمن، تعهدت بأنه طالما أن صنعاء لا تشارك في استخراج منتجات الطاقة في المناطق الجنوبية، فإنها لن تسمح بالاستيلاء على أصول هذا البلد من قبل التحالف السعودي وحلفائه، وهجماته على ناقلات النفط السعودية في ميناء الضبه شاهدا على ذلك. لذلك، فإن دخول الصينيين إلى هذه المنطقة غير المستقرة لا يمكن أن يوفر مصالح هذه القوة الناشئة، ويجب على سلطات بكين أن تأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار طالما استمرت الحرب وانعدم الأمن في اليمن، فإن أي مشروع اقتصادي سيفشل وسيفشل ممر الحزام والطريق، وسيتحقق هذا الطريق عندما ينعم اليمن كواحد من أطراف هذا المشروع بالاستقرار والأمن. لذلك، فإن تفعيل المسار الدبلوماسي لإنهاء الحرب هو الخيار الأول والأكثر فاعلية الذي يجب أن توليه الصين الأولوية في سياستها الخارجية.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع