لماذا يعتقد الجميع أن الركود قادم في عام 2023؟
السياسية ـ وكالات:
توقع الاقتصاديون منذ أشهر حدوث ركود، ولا يزالون يتوقعون ذلك حتى الآن، ويرى معظمهم أنه سيبدأ في أوائل العام المقبل، وسواء كان الركود المتوقع عميقاً أو ضحلاً، طويلاً أو قصيراً، فهو مطروح للنقاش، لكن هناك إجماعاً على أن العالم سيمر بفترة من الانكماش.
من جانبه، قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتكس” لـشبكة “سي أن بي سي”، “تاريخياً، عندما يكون لديك تضخم مرتفع، ويقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لقمع التضخم، فإن هذا يؤدي إلى انكماش أو ركود. وهذا يحدث دائماً، سيناريو الإنهاك الكلاسيكي الذي يؤدي إلى الركود”.
وأضاف، “لقد رأينا هذه القصة من قبل، فعندما يرتفع التضخم ويستجيب بنك الاحتياطي الفيدرالي عن طريق رفع أسعار الفائدة، فإن الاقتصاد في النهاية يخضع لسيطرة أسعار الفائدة المرتفعة”.
زاندي ينتمي إلى أقلية من الاقتصاديين الذين يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه تجنب الركود عن طريق رفع أسعار الفائدة لفترة كافية لتجنب سحق النمو، لكنه قال إن التوقعات كبيرة بأن الاقتصاد سيصاب بالإغماء. وأضاف، “لا يتحدث الرؤساء التنفيذيون أبداً عن فترات الركود، واليوم الرؤساء التنفيذيون يقولون وقعنا في الركود. كل شخص في التلفاز يردد كلمة ركود، وكل اقتصادي يقول ركود، لم أرَ شيئاً كهذا من قبل”.
“الفيدرالي الأميركي” والتباطؤ الاقتصادي
من المفارقات أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يعمل على تباطؤ الاقتصاد، بعد أن جاء لإنقاذ آخر فترتين من فترات الانكماش الاقتصادي، حيث ساعد البنك المركزي على تحفيز الإقراض من خلال خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، وعزز سيولة السوق من خلال إضافة تريليونات الدولارات من الأصول إلى ميزانيته العمومية. وهو الآن بصدد فك هذه الميزانية العمومية، وقد رفعت أسعار الفائدة بسرعة من الصفر في مارس (آذار) إلى نطاق من 4.25 في المئة إلى 4.5 في المئة هذا الشهر، لكن في فترتي الركود الأخيرتين، لم يكن صانعو السياسة بحاجة إلى القلق في شأن تأثير التضخم المرتفع على القوة الشرائية للمستهلكين أو الشركات، والتسلل عبر الاقتصاد من خلال سلسلة التوريد وارتفاع الأجور.
واليوم، يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي معركة جادة مع التضخم، ويتوقع زيادات إضافية في أسعار الفائدة، تصل إلى نحو 5.1 في المئة بحلول أوائل العام المقبل، ويتوقع الاقتصاديون أن يحافظ على تلك المعدلات المرتفعة للسيطرة على التضخم.
10 أشهر من تراجع سوق العقار
أثرت معدلات الفائدة المرتفعة بالفعل على سوق الإسكان، حيث انخفضت مبيعات المنازل بنسبة 35.4 في المئة عن العام الماضي في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو الشهر العاشر على التوالي من التراجع، فيما يقترب معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً من سبعة في المئة، في حين كان التضخم الاستهلاكي لا يزال يسير بمعدل سنوي 7.1 في المئة في نوفمبر.
يقول توم سيمونز، اقتصادي سوق المال في “جيفريز”، “سيكون هذا ركوداً كلاسيكياً”. وأضاف، “الآلية التي سنراها تعمل في بداية العام المقبل ستكون عبر رؤية بعض الضغط الهامشي على أرباح الشركات، وبمجرد أن يبدأ ذلك في التماسك، سيتخذون خطوات لخفض نفقاتهم، وأول ما سنراه هو تقليل عدد الموظفين بحلول منتصف العام المقبل، وعندها سنشهد تباطؤاً للنمو الاقتصادي بشكل كبير، كما سينخفض التضخم أيضاً”. ويعتبر الركود هو انعدام نمو الاقتصاد لربعين أو أكثر.
ويدرس المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة (NBER)، وهو الحكم في حالات الركود، مدى عمق التباطؤ، ومدى انتشاره ومدة استمراره، وقد يعلن المكتب حدوث ركود. فعلى سبيل المثال، كان الانكماش الوبائي في عام 2020 مفاجئاً وحاداً للغاية مع تأثير واسع النطاق لدرجة أنه تم تحديده على أنه ركود على رغم أنه كان قصيراً للغاية.
ركود قصير وضحل
من جانبها، قالت ديان سونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة” كي بي أم جي”، إحدى أكبر أربع شركات محاسبة في العالم، أمل أن يكون الركود قصيراً وضحلاً، وألا يكون أبدياً”. وأضافت، “النبأ السار هو أننا قادرون على التعافي منه بسرعة. لدينا ميزانيات جيدة، ويمكنك الحصول على رد على معدلات الفائدة المنخفضة بمجرد أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في التيسير، إن حالات الركود التي يسببها بنك الاحتياطي الفيدرالي ليست بسوء الركود في الميزانية العمومية”. وتظهر أحدث التوقعات الاقتصادية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن الاقتصاد سينمو بمعدل 0.5 في المئة في عام 2023.
وقالت سونك، “سيكون لدينا ركود واحد لمدة نصف عام، لأن الاحتياطي الفيدرالي يحاول إنشاء ركود واحد”. وأضافت، “عندما تقول إن النمو سيكون صفراً، وإن معدل البطالة سيرتفع، فهذا يعني الركود، حتى لو لم يعلنه بنك الاحتياطي الفيدرالي”. وأشارت إلى توقعات البنك المركزي الأميركي أن ترتفع البطالة العام المقبل إلى 4.6 في المئة من 3.7 في المئة الحالية.
صانعو السياسة وأسعار الفائدة
ومن غير الواضح إلى متى سيتمكن صانعو السياسة من الاحتفاظ بأسعار الفائدة عند مستويات عالية، حيث يتوقع المتداولون في سوق العقود الآجلة أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة بحلول نهاية عام 2023. وفي توقعاته الخاصة، يظهر البنك المركزي تخفيضات في أسعار الفائدة بدءاً من عام 2024. وتعتقد سونك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتعين عليه التراجع عن معدلات أعلى في مرحلة ما بسبب الركود، لكن سيمونز يتوقع أن يستمر الركود حتى نهاية عام 2024 في فترة ارتفاع الأسعار. وقال سيمونز، “من الواضح أن السوق تعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيعكس مساره فيما يتعلق بالمعدلات مع تراجع التضخم”. وأضاف، “ما لا يتم تقديره هو أن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى هذا من أجل الحفاظ على صدقيته على المدى الطويل فيما يتعلق بالتضخم”.
وأشار سيمونز إلى أن الركودين الأخيرين حدثا بعد الصدمات، فآخر ركود حصل بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وانهار النظام المالي، حيث أصبح من المستحيل اقتراض الأموال على رغم انخفاض أسعار الفائدة، وتباطأ تدفق الائتمان كثيراً، وتحطمت أسواق الرهن العقاري. وأضاف، “عانت الأسواق المالية عدوى المشتقات، والتي تم إنشاؤها مالياً، ولم يكن الأمر يتعلق بسياسة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، ولكن السوق أغلقت بسبب نقص السيولة والثقة، ولا أعتقد أن هذا هو الحاصل اليوم”. في حين قالت سونك إن هذا الركود كان أطول مما بدا في الماضي، مضيفة، “بدأت الأزمة المالية العالمية في يناير (كانون الثاني) 2008، وامتدت لعام ونصف العام”. ومررنا بعام لم ندرك فيه تطورات الأحداث، ثم جاء الركود الوبائي لمدة قصيرة، مارس وأبريل (نيسان) 2020″.
احتمالات حدوث ركود
لا تزال احتمالية حدوث ركود تلوح في الأفق لبعض الوقت، فقد فشل الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن في إبطاء التوظيف وتهدئة الاقتصاد من خلال سوق العمل، لكن إعلانات التسريح تتصاعد. ويرى بعض الاقتصاديين احتمال حدوث انخفاض في التوظيف العام المقبل.
ويقول ثال زاندي، “في بداية العام، كنا نحصل على 600 ألف [وظيفة جديدة] شهرياً، والآن نحصل على نحو 250 ألف وظيفة”. وأضاف، “أعتقد أننا سنرى 100 ألف وظيفة، والعام المقبل سيذهب الرقم بشكل أساسي إلى الصفر، هذا ليس كافياً للتسبب في ركود، ولكنه كافٍ لتهدئة سوق العمل”، متوقعاً رؤية انخفاض في التوظيف العام المقبل.
وأشار إلى أن “المفارقة هنا أن الجميع يتوقع ركوداً، وذلك قد يغير سلوكهم، ويمكن أن يهدأ الاقتصاد، ولن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التشديد بقدر ما يعيد ضبط الاقتصاد”.
وأضاف زاندي، “لم تكن أعباء خدمة الدين أقل من أي وقت مضى، والأسر لديها حمولة كبيرة من السيولة، والشركات لديها ميزانيات جيدة، وهوامش ربح متجددة، لكنها تقترب من مستويات قياسية، لم يكن النظام المصرفي في يوم من الأيام على القدر نفسه من رأس المال أو السيولة، وكل ولاية أميركية لديها صندوق للأوقات الصعبة (لليوم الممطر)”، كما أن سوق الإسكان عادة ما يكون مبالغاً فيها عند الدخول في ركود، في حين تبدو أسس الاقتصاد قوية”، لكن سونك ترى أن صانعي السياسة لن يتخلوا عن محاربة التضخم. وأضافت، “الاحتياطي الفيدرالي متشدد، ومن الصعب حدوث تراجع سلس للنمو، وهذا يعني تدخلات أكثر لبنك الاحتياطي الفيدرالي”.