الكاريكاتور في اليمن: إبداع يتواصل في زمن الحرب
السياسية- متابعات:
محمد الخيواني
من نقوش النصر المرسومة على جدران القصور السبئية، وصولاً إلى شكل “عثتر” المحاكية للطبيعة اليمنية، ومن النحت على الحجر إلى التشكيل على الورق، رسم الفنان اليمني، ولا يزال، لوحات فنية وجمالية، تختزل في أشكالها المتنوعة أفكاراً معينة، تعبّر عن قصص وحكايات، في شكل بسيط وسهل، تحتاج إلى كتبٍ ومجلّداتٍ لا حصر لها من أجل التعبير عنها، لتصبح بذلك أرشيفاً تاريخياً، ومنصة إعلام تخاطب العالم بلغتها السهلة والمعبِّرة. هذا الفن لم تمنع الحرب على اليمن وجود من يبدعونه.
وككل موهبة أخرى، تولد موهبة الرسم مع الإنسان، لذا فإن اكتشافها يظل رهينة الشخص الذي أودع الله فيه هذه الموهبة، بغضّ النظر عن المرحلة العمرية التي جرى اكتشافها فيه.
يقول شاكر مراد سيف العمر، ابن محافظة تعز ذو الـ16 عاماً، في حديثه لـ”الميادين الثقافية”: “في بداية مشواري، وأنا في المرحلة الابتدائية، ولم أكن قد تجاوزت الـ10 من عمري، لاحظ والدي أنّني أستطيع التلوين بشكلٍ جيدٍ، وأن أرسم بعض الشخصيات الكرتونية التي تكون متشابهة تماماً مع الأصل، فبدأ بتشجيعي وتوفير متطلبات الرسم لي كبداية، وأصبح ذلك منطلق بدايتي إلى اليوم”.
من جهته، يحكي رسام الكاريكاتير في صحيفة “الثورة” الرسمية، عدنان محمد المحاقري، لـ”الميادين الثفافية”، عن بداياته بقوله: “بدأت رسم الكاريكاتير في سن مبكّرة جداً، وذلك بسبب انجذابي إلى رسوم الكاريكاتور في الصحف والمجلات وتقليدي لها، ونَمَت معي هذه الموهبة في مراحلي الدراسية اللاحقة، وكنت أستفيد منها في النشاطات المدرسية، مثل مجلات الحائط الكاريكاتورية الساخرة، وحاولت بعد ذلك الاطلاع على بعض الكتب التي تتحّدث عن رسوم الكاريكاتير”.
ويضيف أنّ “الجميع كانوا يظنون أنّ رسوماتي كانت منقولةً من صحيفة أو مجلة، أي أنّها كانت قص ولصق، وكانت تتناول الطالب والمذاكرة والأستاذ في الفصل”.
يستوحي الرسام الساخر فكرته من بعض المواضيع المنشورة في الصحف، ومن الواقع المعاش المحيط به، كما يستلهم بعض المواضيع من وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المتابعة والاطلاع والقراءة.
“ريشتي سلاحي”: الفن وسيلة لفضح العدوان
ردّاً على من يتّهم بعض الفنانين بتوظيف فن الرسم، والكاريكاتور تحديداً، كسلاحٍ يتمّ توجيهه ضد من يعارض أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، ومن يعتبرون أنّ ذلك يمثّل خروجاً صريحاً عن الفن، وابتعاداً واضحاً عن جمالياته، يوضح رسام الكاريكاتير وقصص الأطفال ومخرج الرسوم المتحركة، كمال شرف، أنّ “الكاريكاتير فن صادم وجريء، وفي أحيان كثيرة وقح وشديد لا يرحم، فهو عمل صحفي وكيان شعبوي، دوره التوعية والفضح والإيضاح، وكشف التناقضات، وإبراز المشكلة، واختزال اللحظة في لقطة، وهذه كلّها أشياء فيها الكثير من القبح، ويحاول الكاريكاتير تقديمها بشكلٍّ فنّي”.
ويتابع شرف “نستطيع القول إنّ الكاريكاتير فن صحفي شعبوي، بسيط وعميق في اللحظة نفسها، يصرخ في وجهك بقسوة وجرأة، وربما بهدوء، ليقول لك الكثير باختصار، وبطريقة فنية جاذبة، لها جمالها الخاص”.
ويرى شرف أيضاً أنّه مهما كان عمل الرسام قاسياً بالنسبة إلى معارضيه، فهو يظلّ عملاً منطلقاً من رؤية حقيقية وواقعية. أما حين يعبّر الرسام عن مشكلته الشخصية، أو يشنّ هجوماً شخصياً خالياً من أي دافع أخلاقي، فهو “مجرّد بلطجي بريشة فنية”. ومع ذلك فهو يعترف بفشله أحياناً، على الرغم من حرصه الشديد على أن يكون فناناً ذا قيمة أخلاقية.
ويشاركه في هذا الرأي الرسام صالح لقمان، الذي يقول إنّ ما يجري من توظيفٍ للفن في حالة الحرب المستمرة منذ سنوات على اليمن “ليس توظيفاً، بل تعبيراً عن مواقف مناهِضة للعدوان على الوطن، وريشتي سلاحي في هذه المواجهة”.
“من العراقيل صنعنا المستحيل”
يكمل الرسام كمال شرف حديثه عن مسيرته الفنية، بالقول: “في البداية كنت شاباً صغيراً غير ناضج، يتأثّر كثيراً بالنقد ويتألّم منه، لأنّي لم أكن أمتلك فكراً ناضجاً. ثم كبرت وحاولت أن أكابر وألغي أي أثرٍ للنقد عليّ. ومع مرور السنوات نضجت، وعرفت أن الاستفادة من النقد الجيد أمر مهم، وهو بمثابة منحة مجانية هامة لا بُدّ من استثمارها. مع الإشارة إلى أنّ هناك نقد بلا معنى، عليك أن تتحاشاه لأنّه لا يُقدّم ولا يؤخّر، وهو ردة فعل طبيعية لمن يخالفك الرأي”.
ويبيّن شرف أنّ “أهم نجاح حققته في مسيرة حياتي تمثّل بجعل فني سلاحاً ضد المعتدين، وفاضحاً لهم ولممارساتهم، وقد تطوّرت أدواتي ونضجت أفكاري كثيراً، فحتى الحرب لها إيجابيات، فهي بيئة محفِّزة للمقاومة والعمل، لمن يتملك إيماناً وعقيدة وقضية يؤمن بها”.
ويعلّق شرف على تحدّي التكنولوجيا وشحّ الإمكانيات بالقول: “منذ زمن كانت هناك الورقة والقلم الرصاص، وثم أقلام الحبر، أما الآن فأرسم باللوح الرقمي عبر الكمبيوتر، وهو يصنع بيئة رقمية مشابهة للأدوات القديمة، يتمّ العمل عليها بنفس القواعد الفنية التي يعمل عليها الفنان لسنوات”.
أما الرسام الشاب شاكر مراد سيف العمر، فيوضح أنّه يستخدم “ألوان خشبية نوع “الذكي”، لعدم توفّر “فابر كاستل” أو أي نوع من الماركات العالمية المعروفة في اليمن، وبسبب غلائها أيضاً. كما أستخدم الألوان الزيتية والأكريليك، وهو ما جعل الكثير ممّن أخبرتهم بذلك وشاهدوا عملي لا يصدّقون جودة ما أقوم برسمه من خلال هذه المواد البسيطة، وهو ما دفعهم إلى مطالبتي برسم شيءٍ يوثّقونه مباشرة على الهواء عبر صفحتي، وطبعاً قمت بتلبية الطلب رغم أنّي لا أملك أدوات تصوير وطاولة للرسم، وهذا هو سر شعوري دائماً بالاعتزاز بنفسي وثقتي بها”.
- المصدر: الميادين نت
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع