يعكف صناع القرار في منظومة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على إيصال أسلحة أمريكية الصنع إلى متناول يد مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية , وذلك في ظل ابرام اتفاقيات سرية.

 

بقلم: جولي كيبي

(صحيفة “lorientlejour” اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية, ترجمة : أسماء بجاش- سبأ)

فساد ، وعمليات نقل للأسلحة ومصالحات ظرفية مؤقتة … كل هذا يخيم على الحرب المتأججة في اليمن ، إذ أن جميع الخيارات متاحة في محاولة لكسب الحرب على أرض الواقع أمام الخصم الأيدلوجي.

بثت قناة “CNN” الأمريكية, الاسبوع الماضي تحقيقاً مفصلاً, اشارت من خلاله بأصابع الاتهام لقوات التحالف العربي المنضوي تحت راية الرياض و أبو ظبي , بنقل الاسلحة الأمريكية إلى بعض المليشيات اليمنية و لفرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

حيث أشار الخبراء من على الشاشة الصغيرة للقناة , أن هذه الطريقة تهدف إلى “شراء ولاء الميليشيات أو القبائل , بالإضافة إلى تعزيز العناصر المسلحة المختارة والتأثير على المشهد السياسي المعقد ” في اليمن.

ومن بين الصور المقدمة من صحفيين ميدانيين متخصصين أشار إليها التقرير , صور لمركبات مدرعة مضادة للكمائن والألغام , تم إرسالها إلى دولة الامارات ضمن الصفقة المرسلة من بومونت  من ولاية تكساس الأمريكية , والتي تم التقاطها في منطقة ليست ببعيدة من ميناء مدينة الحديدة , حيث تحمل هذه المركبات شعار لواء العمالقة , الاسم الذي يطلق على الميليشيات اليمنية التي تتألف في معظمها من المقاتلين السلفيين.

وبعد بث التقرير , نشرت وكالة الانباء السعودية “واس”, نفي قوات التحالف العربي على لسان المتحدث الرسمي لها العقيد “تركي المالكي” وبشدة تلك الاتهامات , وأكد على التزام دول التحالف العربي بمواجهة الاستيلاء غير القانوني على السلطة في اليمن , والذي يكمن في التمرد الحوثي , بالإضافة إلى الضرب بيد من حديد في مواجهة الجماعات الإرهابية الأخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش وكذلك ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

أطلق التحالف العربي في أواخر مارس من العام 2015, الحملة العسكرية في اليمن لدعم القوات الموالية للحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران.

تتمحور العناصر التي تطرقت اليها القناة الأمريكية في وجود مشكلة مزدوجة لقادة التحالف العربي : الروابط القائمة مع تنظيم القاعدة من جهة ، ونقل الأسلحة من دولة حليفة – الولايات المتحدة الأمريكية – إلى منظمة إرهابية من جهة أخرى.

بالإضافة إلى دعم التحالف المناهض للتمرد الحوثي ، تشن الإدارة الأمريكية حرباً ضروس ضد الجماعات الجهادية في اليمن ، والتي تتضمن إرسال قوات برية خاصة لتقديم المشورة للمقاتلين المحليين في قتالهم ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في حين تصاعدت وتيرة الغارات الجوية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومع ذلك , لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم من خلالها تسليط الضوء على وجود أدلة تشير إلى الطبيعة الغامضة للعلاقات أو الروابط التي تجمع بين قوات التحالف والمليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة في وسائل الإعلام المختلفة.

وفي 6 أغسطس من العام 2018، كشفت وكالة أسوشيتد برس بالفعل عن وجود اتفاقات سرية بين مقاتلي تنظيم القاعدة وصناع القرار في دول التحالف العربي , إذ لم تتردد قوات التحالف العربي في التفاوض مع مقاتلي تنظيم القاعدة على مغادرتهم للمدن الاستراتيجية , حيث عرضت عليهم السماح لهم بالخروج مصطحبين معهم أجهزتهم ومعداتهم , كما عرضت عليهم الانضمام إلى صفوفها.

ووفقا لتحقيقات الوكالة , فقد انسحب متشددي تنظيم القاعدة في العام 2016 من مدينة المكلا الساحلية ، التي نصبها التنظيم الارهابي عاصمة للإمارة الإسلامية , كما تم الانسحاب من محافظتي أبين وشبوة مقابل تعويضات مالية , بالإضافة إلى دمج بعض المقاتلين في مجموعة الحزام الأمني في مدينة عدن بدعم من أبو ظبي , وفي المقابل , تم نفي هذه الاتهامات وبشدة من قبل قادة التحالف العربي.

هدف مشترك:

يكمن الهدف المشترك وراء هذه العلاقات الغامضة التي تربط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع قوات التحالف العربي في محاربة التمرد الحوثي .

وفي تصريح للصحيفة , أشارت إليزابيث كيندال, الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أكسفورد إلى أنه عندما خاض التحالف العربي بقيادة الرياض الحرب في اليمن لأول مرة في العام 2015, وجد نفسه يقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في بعض الجبهات.

فهذا التعاون لم يكن مخطط له أو انه لم يكن تعاون نشط , فالأمر جاء على خلفية مشاركتهم في محاربة عدو مشترك “الحركة الحوثية” وهدف مشترك , يكمن في رفض ما ينظر إليه على أنه نفوذ إيراني.

واليوم , أصبحت طهران في مرمى الرياض وأبو ظبي , اللتان تسعيان إلى إحباط التوسع الإيراني في جميع ارجاء المنطقة ، فهم يرون في التمرد الحوثي بأنه بمثابة الذراع الإيراني في اليمن.

بالنسبة إلى تنظيم القاعدة ، فإن حامل أيديولوجية الجهاد السلفي يتبلور حول القتال ضد المتمردين الحوثيين بهدف الهيمنة الإقليمية على السلطة بين التيار السني والتيار الشيعي.

ينتمي الحوثيون للطائفة الزيدية ، أحدى فروع المذهب الشيعي, بيدا أن الجماعة الحوثية لا تمتثل لولاية الفقيه التي تدعو إليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ساعد القتال ضد التمرد الحوثي والضعف والوهن الذي اثقل كاهل الحكومة اليمنية , تنظيم القاعدة في الحصول على زخم على الأرض , وذلك من خلال توطيد العلاقات مع زعماء القبائل المحليين.

تشكل هذه الفرع التابع لتنظيم القاعدة في الخليج في العام 2009 , حيث بدأ في الصعود والارتقاء بشكل هائلاً في العام 2015 , واليوم يضم التنظيم في طياته ما بين 6 ألاف إلى 7 آلاف مقاتل , وذلك وفقاً للأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة.

يعتبر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أخطر فروع المنظمة الإرهابية ، حيث لطالما كان هو العقل المدبر للعديد من الهجمات التي شهدتها المنطقة وخارجها , بما في ذلك الهجوم المميت الذي استهدف صحيفة تشارلي إيبدو مطلع العام 2015.

كان إطلاق التحالف الموالي للرئيس هادي في اليمن في العام  2015 , قد سمح بإنشاء مساحة عملية مثالية للمنظمة الإرهابية , حيث أشار مايكل هورتون، الباحث في مؤسسة جيمس تاون، في مقال بعنوان “مكافحة الحرب الطويلة : تطور القاعدة في شبه الجزيرة العربية ” في العدد الصادر في يناير من العام 2017 من مجلة ” “CTC Sentinel  التابعة لمركز مكافحة الإرهاب في مدينة ويست بوينت, نيويورك.

لقد تصرف تنظيم القاعدة بشكل حاسم وجدي لملئ الفراغ الذي خلفه تفكيك القوات المسلحة اليمنية وهياكلها الحكومية المحدودة , وعلى الرغم من أن التنظيم لم يعد إقليمي بشكل صريح ، إلا أن نفوذ التنظيم ونطاقه العملي يمتدان إلى جزء كبير من الجنوب اليمني.

كما تمكن التنظيم من الوقوف ضد الجهاديين في تنظيم الدولة الإسلامية الذين حاولوا تقديم أنفسهم كبديل لتنظيم القاعدة , في الوقت الذي كانوا يستحلون فيها جميع أنحاء المنطقة.

ولكن تنظيم الدولة الإسلامية بدأ يفقد زخمه منذ العام 2016 في اليمن ، إذ أنه لم يبني ذات الاستراتيجية التي يميل منافسها إلى التدخل في النسيج الاجتماعي المحلي للحفاظ على الأراضي التي تحت قبضته.

انتشار على ارض الواقع:

إن القيمة التي يمثلها تنظيم القاعدة على ارض الميدان صبت في مصب قوات التحالف العربي من وجهة النظر العسكرية ، ولكن الوضع يعبر عن تناقضات سياسية.

كما اشارت إليزابيث كيندال أنه عندما استمرت الحرب , ازداد قوة ونفوذ تنظيم القاعدة ، وبالتالي بدأ التحالف في التركيز على النضال النشط ضد التنظيم , وبالتالي , أنشأت دولة الإمارات ميليشيات محلية في المناطق الجنوبية ، ليس فقط لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية , ولكن أيضا لتخريب التنظيم من خلال جذب المجاهدين الحاليين وضمهم إلى ميليشياتها الخاصة , وهذا يدل على وجود العديد من الجنود المشاة على ارض الميدان.

وفي مواجهة الانتقادات ، ذكرت الرياض وأبو ظبي مراراً وتكراراً أن الهدف الذي يسعيان إلى تحقيقه يكمن في قضية مكافحة الإرهاب.

وبعد وقت قصير من كشف وكالة اسوشييتد برس عن وجود اتفاقات سرية بين مقاتلي تنظيم القاعدة وصناع القرار في دول التحالف العربي ، أشار قائد إماراتي لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية إن تنظيم القاعدة بدأ بتقلص وسينتهي عما قريب , حيث تم حرمانهم من معاقلهم ومصادر تمويلهم ومن بؤر تجنيدهم , كما عمد التحالف العربي على ملاحقة هذه الجماعات بلا هوادة ، بفضل القوات اليمنية البالغ قوامها 30 الف مقاتل , وذلك بعد أن تلقت التدريب وتجهيز لمواجهة تلك الميليشيات , فالمعركة ضد جهادي تنظيم القاعدة لن تتغير وسنظل في اليمن حتى يندحر تنظيم القاعدة.

استرسلت إليزابيث كيندال حديثها , حيث قالت : “ففي الوقت الذي يبدو فيه التحالف العربي متعاون مع تنظيم القاعدة فرع اليمن ، فإن الأمر يتعلق في حقيقة الأمر بالاستعانة بمصادر خارجية له , بالإضافة إلى تشجيع المتعاونين المحتملين “.

كل هذه العناصر تثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل الصراع الدائر في اليمن ، في حين تختلف العلاقات بين مختلف الجهات الفاعلة على الأرض وبين أجندتها المتشعبة.

يسعى تنظيم القاعدة إلى تعزيز روابطه مع القبائل المحلية , وذلك من خلال تقديم نفسها كحصن منيع ضد التمرد الحوثي من أجل تعزيز قاعدته على الارض.

من جانبها , تسعى الرياض للخروج من هذه الحرب التي تعثرت فيها منذ ما يقرب من أربع سنوات , كما أنها الآن تواجه ضغوطًات دولية مكثفة منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي.

وتستمر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في دق ناقوس الخطر , وذلك نظراً للتكلفة البشرية للصراع والتي تدنوا من أكثر من 50 ألف حالة وفاة وفقاً للتقديرات الأكثر تشاؤماً.

تمتلك أبو ظبي نفوذا وتأثيراً على المناطق الجنوبية , حيث تقوم بتدريب وتمويل الفصائل المختلفة ، كما تسعى بحسب روايات المحللين السياسيين إلى تشجيع خطة الانفصال على الرغم من أن أهدافها لا تزال غير واضحة الملامح.

وفي الأخير , استخلصت إليزابيث كيندال , الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أكسفورد حديثها إلى أن السؤال الحقيقي الآن يكمن في “إلى أي مدى ستكون الميليشيات المدعومة من الإمارات مخلصة لقوات التحالف العربي وما سيحدث لهؤلاء الرجال المدربون جيداً والمسلحون بعد الحرب , ففي وقت لاحق من الممكن أن البعض منهم سينظم إلى تنظيم القاعدة فرع اليمن ؟”.