مؤتمر الكراهية في وارسو
بقلم: إريك مارغوليس
ترجمة: نشوى الرازحي- سبأ:
مدينة وارسو، في بولندا، ليست مكاناً ممتعًا للزيارة في شهر فبراير، ولكنها المكان الذي أقامت فيه الولايات المتحدة الأميركية مؤتمراً مناهضاً لإيران اجتمع فيه 60 دولة، لم يجلب سوى السخرية والازدراء من الأوروبيين والكثير ممن في الشرق الأوسط.
وكان الهدف من هذه الممارسة الساخرة هو إرساء الأساس الدبلوماسي للتحالف المناهض لإيران ليكون بمثابة ورقة تين للهجوم المرتقب على إيران الذي خطط له الرئيس دونالد ترامب وحليفه المقرب، بنيامين نتنياهو الإسرائيلي.
السؤال الحقيقي هو من الذي يدعو لإطلاق النار في مؤتمر وارسو ، ترامب أم نتنياهو؟ ما ظهر للكثيرين هو أن الذيل الإسرائيلي يهتز للكلب الأمريكي مرة أخرى.
ويعود الفضل في ذلك إلى قوة الإنجيليين الأمريكيين الذين ولدوا من جديد، المخدوعين بالاعتقاد الذي يقول أن إسرائيل الكبرى هي جزء أساسي من المجيء الثاني للمسيح.
وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة فوكس نيوز هذا الأسبوع أن ربع هؤلاء الأشخاص الموقرين يعتقدون أن الله استدعى دونالد ترامب ليصبح رئيساً. قد يكون هذا أكثر من عدد الأمريكيين الذين يعتقدون أن ألفيس ما زال على قيد الحياة. دليل آخر على أن الجمهوريين أصبحوا إلى حد كبير حزباً لاهوتياً.
ضم الفرسان المسيحيين الثلاثة من اليمين الجمهوري ونائب الرئيس مايك بنس ومستشار الأمن جون بولتون ، ووزير الدولة مايك بومبيو (الذي يقول أنه يُبقي الكتاب المقدس مفتوحاً على مكتبه) أصواتهم جميعا في اجتماع وارسو لاستخدام القوة ضد إيران لكونها “الراعي للإرهاب” وخطر على السلام والاستقرار العالميين.
وأعلن نتنياهو الذي كان متفرداً على الإطلاق، والذي تمتلك دولته على الأقل 100 سلاح نووي، أن إيران، التي لا تملك أسلحة نووية وقوات عسكرية ضعيفة، كانت تخطط “لمحرقة ثانية” لإسرائيل.
حتى أن نتنياهو الذي كان متحمسا للغاية قد كتب في تغريدة قبل انعقاد مؤتمر وارسو أنه كان يستعد لحرب مع إيران. وأُجبر على التراجع إلغاء التغريدة. لكنه حضر إلى جوار ممثل من اليمن الذي مزقته الحرب، وكان ذلك الممثل عميلاً وأداة بيد السعوديون والإماراتيون وكان موضع سخرية لأن العدوان على اليمن قد كلف حتى الآن مئات الآلاف من الأرواح وتسبب في سقوط البلد في مستنقع المجاعة الجماعية والأوبئة.
وكان مؤخراً، قد صوت مجلس النواب الأميركي من أجل إنهاء دعم بلادهم للحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في أفقر دولة في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يرفض مجلس الشيوخ، الذي لا يزال يسيطر عليه الصليبيين الجمهوريون، اقتراح مجلس النواب الحساس.
كما شاركت أكبر دولة عربية في الشرق الأوسط في مؤتمر وارسو، مصر، الدولة التي تم فيها مؤخراً تمديد حكم الديكتاتور العسكري، المشير السيسي، إلى العام 2034.
كان السيسي مدعوماً بالمال السعودي الذي أطاح بحكومة مصر الديمقراطية الأولى في التاريخ، فقتل الآلاف وقام باعتقال آخرين.
في صفعة وجهت لواشنطن، رفض القادة الأوروبيون وفرنسا وألمانيا وقيادة الاتحاد الأوروبي المشاركة في مؤتمر وارسو للكراهية ضد إيران أو في أحس الأحوال أرسلوا ممثلين غير مهمين.
ومن عجيب المفارقات هنا أن تصبح إيران التي هي ضحية لهجمات إرهابية هي التي ينادي شعب ترامب لمكافحة إرهابها.
أسفر هجوم شنته جماعة “جيش العدل” السنية ومقرها باكستان، والتي تعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عن مقتل 27 جندياً وإصابة عدد مماثل. و كانت إيران هدفاً للهجمات المستمرة من قبل مجموعات مرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وغيرها من التوابع الإقليمية الأمريكية منذ ثورتها عام 1979.
حتى أن محامي ترامب، رودي جولياني، هو واحد من أفراد جماعة ضغط ذات الباع الطويل في الجماعة الإيرانية الماركسية المتطرفة. والتي صنفتها الحكومة الأمريكية على أنها “جماعة إرهابية”.
كما كان من المفترض أن يمهد مؤتمر وارسو المسرح لخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتم إصدار الخطة الكاملة في أبريل المقبل، بعد الانتخابات الإسرائيلية مباشرة، من قبل صهر جاريد كوشنر. ومن المحتمل أن تتكون تلك الخطة من محاولة شراء مطالبات الأراضي الفلسطينية بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين وبعض الأموال النقدية من السعوديين. وستقابل الدول العربية العميلة في المنطقة ذلك التصرف بالتصفيق المُفعم.
لم ينتج عن مؤتمر وارسو أي نتائج واضحة ولم يعمل إلا على زيادة النفور من الولايات المتحدة. تسير أوروبا قدما بآلية مالية تسمح بالتجارة مع إيران التي تتحايل على العقوبات الأمريكية. تقارير المخابرات الأمريكية نفسها تقول أن إيران لا تعمل في الأسلحة النووية، كما ترغب أوروبا في التجارة مع إيران.
لقد عانت الحملة الأمريكية المناهضة لإيران من ضربة أخرى. هذا بعد أن ألحقت واشنطن أضراراً بالغة بالعلاقات مع الصين وكندا بشأن اعتقال ابنة مؤسس شركة هواوي في فانكوفر بسبب اتهامات تم تداولها مع إيران. معظم من هم من غير الأمريكيين ينظرون إلى هذا على أنه غضب. لكن يبدو أن الصليبيين في وقت لاحق ممن هم حول ترامب لا يهتمون بأنهم يدمرون سمعة أمريكا ويتسببون في خلق فوضى في سياستها الخارجية.
مجلة “كونترا مجازين” الألمانية