بعد ما يقرب من مرور شهرين على توقيع اتفاق ستوكهولم, خبت نجم تفاؤل العديد من المراقبين الدوليين جراء ارتفاع معدل الانتهاكات التي يرتكبها طرفي الصراع في اليمن.

بقلم: جولي كيبي(صحيفة “lorientlejour” اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية, ترجمة أسماء بجاش- سبأ)

تبادل خالد اليماني وزير الخارجية اليمني مع محمد عبد السلام، كبير مفاوضي وفد جماعة الحوثي، التحية، في الرابع عشر من ديسمبر المنصرم,, بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.

صورة قوية تصدرت المشهد السياسي اليمني, بعد أن سطر 14 من ديسمبر الماضي, نهاية اسبوع من المفاوضات المريرة, والذي نتج عنه توقيع اتفاق بين الاطراف المتناحرة في الصراع اليمني الذي احتضنته العاصمة السويدية ستوكهولم في قلعة ريمبو, تحت مظلة الامم المتحدة.

ومما يدعو للدهشة, فقد توصلت الأطراف التي مارس عليها  المجتمع الدولي العديد من الضغوطات إلى توقيع اتفاق تضمن عدة نقاط من أجل وقف إطلاق النار “الفوري” في مدينة الحديدة.

كما اتفق طرفي الصراع على انسحاب المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة من مدينة الحديدة وموانئها: ميناء الحديدة, والصليف ورأس عيسى، بالإضافة إلى “اتفاق متبادل” في مدينة تعز والآلية التنفيذية على تفعيل ملف تبادل الأسرى.

بعد ما يقرب من شهرين على توقيع اتفاق السويد، بدأ تفاؤل بعض المراقبين الدوليين في النفاذ, بعد تراكم الانتهاكات التي يرتكبها طرفي الصراع بالرغم من الهدنة التي وصفت بالهشة.

تحظى مدينة الحديدة بموقعِ استراتيجي هام نظراً لكونها مطلة على البحر الأحمر، بالإضافة إلى كونها نقطة رئيسية في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، والحاصل اليوم, يعاني 20 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي, وذلك وفقاً لما اشارت اليه هيئة الأمم المتحدة.

فمنذ اواخر مارس من العام 2015, يعيش اليمن حالة حرب مدمرة, حيث يدور رحى هذه الحرب بين المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يتلقى الدعم بدوره من قبل قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من توقيع اتفاق ستوكهولم، لا تزال العمليات القتالية والنزاعات مستمرة حول إدارة المدينة وموانئها بين القوات الحكومية والمتمردين, فكلا الطرفين لا يزالون متواجدون في المدينة، متجاهلين الموعد النهائي للانسحاب من المدينة والذي كان محدد في 7 من يناير المنصرم.

ترى المحلل السياسي من المؤسسة العربية فاطمة عبد الناصر أنه وبشكل عام يُعتقد أن الاتفاق المتفاوض عليه من قبل الأمم المتحدة والذي وقع في ستوكهولم قد وعد بأكثر مما يمكن أن يقدمه, إذ أنه من الواضح جداً أن المتمردون الحوثيون قد قبلوا تلك التنازلات على الورق فقط, فهم لن يعملوا على تنفيذ مخرجات الاتفاق, كما أكدت رفضهم إقامة ممرات إنسانية بين العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة وتسليم الميناء لسلطات خفر السواحل في المدينة.

رفض خطة الامم المتحدة:

تتهم الأطراف الموقعة على اتفاق السويد بعضها البعض بعدم الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاق السويد, وبالتالي اصبح من الواضح أن هذه الهدنة كانت أشبه بالخيار التكتيكي بالنسبة لهم، مما قد يسمح بتوفير الوقت لاتخاذ القرار الاستراتيجي.

في 31 من يناير المنصرم, بعث اليمن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة برسالة إلى مجلس الأمن الدولي اتهمت فيها المتمردين الحوثيين بانتهاك وقف إطلاق النار 970 مره منذ 18 ديسمبر, في حين يتم تداول أرقام مختلفة في الصحافة الإقليمية.

وفي مقابلة اجرتها الصحيفة مع الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمختص في الشأن اليمني ومنطقة شبه الجزيرة العربية، آدم بارون، أشار إلى أنه في اتفاق مثل اتفاق ستوكهولم، من المتوقع حدوث الانتهاكات, وحتى لو كانت العمليات القتالية تمضي قدماً في أستنزف طرفي الصراع، وهذا لا يغير من حقيقة أن مستوى الثقة لا يزال منخفضا جدا، وأن هناك العديد من الحوافز لمواصلة المعارك, كما أن الحقيقة التي تتجلى امامنا اليوم تظهر أن الصراع أصبح بمثابة بيئة خصبة وسوق مربحة لمختلف أمراء الحرب والمُتتجِرين بها.

واسترسلت حديثها, في أن كلا الطرفين يختبران بعضهما البعض وينتظران أن يكسر الطرف الآخر وينتهك الاتفاق, ولسوء الحظ فان النتائج المترتبة على انتهاكات وقف اطلاق النار غير واضحة ولا يبدو أن لدى الامم المتحدة القدرة الكاملة على الرصد والمراقبة بدقة.

وفي مواجهة تزايد حدة المصادمات التي شهدتها مدينة الحديدة خلال الأسابيع الأخيرة، اجتمعت الاطراف المتحاربة مطلع هذا الشهر على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة قرب ميناء الحديدة لإيجاد أرضية مشتركة.

ومن جانبها, قالت الأمم المتحدة في بيان له إن “أطراف الصراع اصبحت اليوم أكثر استعدادا للاتفاق على شروط المرحلة الأولى من إعادة الانتشار, مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أسابيع”.

ووفقاً لمصادر حكومية يمنية، فقد رفض وفد جماعة الحوثي خطة إعادة نشر القوات التابعة للأمم المتحدة التي اقترحها الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، الرئيس السابق للبعثة المراقبة الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي وصلت إلى مدينة الحديدة في ديسمبر الماضي، والان تم استبدال الجنرال كاميرت بالجنرال الدنماركي مايكل لوليسجارد.

بينما أفادت مصادر دبلوماسية أنه في الأسابيع الأخيرة نشب خلاف بين الجنرال كاميرت والمتمردين الحوثيين، بالإضافة إلى فريق مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث, وقد يشير صول الجنرال لولسغارد إلى بداية جديدة في مسار المفاوضات بين الاطراف المتحاربة في اليمن.

وفيما يخص ملف تبادل الاسرى, اشار المبعوث الاممي إلى اليمن أن وفود جماعة الحوثي التقى مع وفد الحكومة في العاصمة عمان لمواصلة المناقشات, في حين من المتوقع أن يتم الانتهاء من القائمة خلال الاجتماع.

إيصال المساعدات الإنسانية:

أشارت ايزابيل موسار- كارلسن المدير الإقليمي لمنظمة مكافحة الجوع إلى أنه بالرغم من هشاشة الهدنة في مدينة الحديدة التي تشهد ما أن يجن الليل عمليات اطلاق نار بصورة متقطعة, وبالرغم من كل ذلك إلا أن الوضع قد تحسن في المدينة, حيث مر الفريق بفترات كان الوضع الامني فيها معقد للغاية, حيث تم تقيد عمليات وصول فرق الاغاثة والمساعدات الإنسانية إلى المناطق المستهدفة, ولكن الان تمكنت هذه الفرق من الوصول والقيام بعملها في الميدان, بيد أن عمليات السفر والتنقل لا تزال خاضعة للعديد من القيود والتراخيص من أجل الوصول إلى المدينة الساحلية.

وبعد مرور ستة أشهر من الانتظار، تمكن برنامج الأغذية العالمي في نهاية المطاف من إيصال المساعدات الغذائية في منتصف يناير المنصرم إلى السكان في المناطق التي كان من الصعب الوصول إليها في محافظة الحديدة.

ومع ذلك, فان استمرار الاشتباكات بين الفينة والأخرى بين القوات الموالية للحكومة والمتمردين الحوثيين، لا تزال تلقي بظلالها على عمل المنظمات الإنسانية, كما لا يزال من الصعب الوصول إلى مخزون القمح الهائل، بالرغم من كون صوامع الغلال ومطاحن البحر الاحمر اصبحت في يد القوات الموالية للحكومة اليمنية والمدعومة من قبل دول التحالف, وذلك بعد أن تمكنت من تطهير المنطقة المحيطة بالمطاحن في نوفمبر الماضي قبل بدء سريان الهدنة التي تم التوقيع عليها في 18 من ديسمبر, وبحسب ما ذكرته قوات التحالف العربي والمنظمات غير الحكومية, فإن المنطقة المؤدية إلى المطاحن قد تم تلغيمها بشكل كبير من قبل المتمردين الحوثيين.

صوامع غلال مطاحن البحر الأحمر

ومن جانبه, قال منسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في اليمن ومكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيانها الصادر أواخر يناير الماضي, أن حريق التهم اثنتين من صوامع الغلال في مطاحن البحر الاحمر وعلى ما يبدو كان الحريق ناجم عن تعرض صوامع الغلال لقصف بمدافع الهاون.

وفي اكتوبر الماضي, اشار هيرفي فيرهوسيل المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي, أن إيصال المواد الغذائية يعتبر بمثابة الهدف الاسمى والنقطة الاهم الذي تسعى إلى تحقيقيه المنظمات غير الحكومية, كما تطرق إلى أن تكلفة المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 33% خلال عام واحد.