السياسية:

بينما مثل الطيران دوماً الذراع الطويلة للجيوش وقوتها الضاربة التي تلعب الدور الحاسم في المعارك منذ الحرب العالمية الأولى، فإن حرب أوكرانيا تثير تساؤلات حول مستقبل القوات الجوية في العالم، في ظل نجاح المضادات الأرضية في إيقاع خسائر كبيرة في طائرات الطرفين، مما أدى إلى تهميش لافت لدور القوات الجوية في الحرب.

وكان ضعف أداء القوات الجوية الروسية، لغزاً مثيراً للدهشة منذ بداية حرب أوكرانيا، في ظل تفوق القوات الجوية الروسية الساحق على القوات الجوية الأوكرانية.

إليك مقارنة بين القوات الجوية للبلدين
يفترض أن روسيا تتمتع بتفوق جوي ساحق، حيث لديها نحو 1200 طائرات مقاتلة ثابتة الجناحين (بعض التقديرات تصل بها إلى 1511 طائرة مقاتلة) العديد منها جديد نسبياً والباقي تم تحديثه على نطاق واسع، إضافة لأسطول ضخم من الطائرات المروحية.

في المقابل، تمتلك أوكرانيا ما يقرب من 110 طائرات حربية عاملة من الحقبة السوفييتية.

بينما ركز الغرب على فشل القوات الجوية الروسية في الحرب الأوكرانية، فإن الواقع يشير إلى أن الدفاعات الجوية الروسية، أسقطت العديد من الطائرات الأوكرانية، وأن الحرب تثير تساؤلات حول مستقبل القوات الجوية برمتها، وهل المشكلة لدى الروس أو الأوكرانيين أو الطائرات السوفييتية الأصل، أم أن الاستخدام الكفؤ للدفاعات الجوية من شأنه تحييد الطيران في حروب المستقبل؟

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى القتال الجوي الأكثر طولاً منذ عقود، وفي الأغلب منذ الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات.

والآن بعد نحو سبعة أشهر من المعارك تستمر المقاتلات الأوكرانية والروسية في خوض المواجهات، ومعظمها باستخدام صواريخ بعيدة المدى، في حين أن الطيران لكلا الجانبين لا يزال نشطاً على ارتفاعات منخفضة بالقرب من خط المواجهة.

ولكن بعد خسائر فادحة في بداية الحرب، لم يعد أي من الجانبين على استعداد للتوغل في عمق المجال الجوي للعدو، وسط ادعاء كل جانب إيقاع خسائر كبيرة في الطرف الآخر، حسبما ورد في تقرير لموقع 1945 العسكري الأمريكي.

ما هي خسائر الطرفين في الطائرات؟
في 30 أغسطس/آب 2022، زعمت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش الروسي أسقط 278 طائرة مقاتلة ثابتة الجناحين أوكرانية، أي أكثر من ضعف ما كان يعمل في سلاح الجو الأوكراني قبل الحرب. كما أن مزاعم كييف بإسقاط 234 طائرة روسية لا تتمتع بالمصداقية، حسب وصف تقرير موقع 1945 الأمريكي.

ومع ذلك، فإن الخسائر فادحة، حيث تم تأكيد خسارة ما لا يقل عن 49 طائرة حربية روسية حتى 30 أغسطس/آب، و37 طائرة أوكرانية. الأرقام الحقيقية أعلى بالتأكيد. لكن غالبية عمليات التحقق تتم في عملية الإسقاط بواسطة الدفاعات الجوية الأرضية، في حين أنه لم يتضح بدقة عدد الطائرات لدى الجانبين التي أسقطت في قتال جوي.

وحسب موسوعة المعرفة المشاعية ويكيبيديا، خسر كل من الجانبين 145 طائرة بما في ذلك الطائرات المروحية (الهليكوبتر) والمسيرة، وكان أكبر الخسائر لدى الجانبين في طائرة الدعم الجوي القريب سوخوي 25 التي تطير بأقل من سرعة الصوت.

الروس أخفقوا في تحييد طيران أوكرانيا ودفاعها الجوي
وبصفة عامة، فإن أداء القوات الجوية الروسية خالف التوقعات منذ بداية الحرب، فقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، توقعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية هجوماً عنيفاً من جانب موسكو من شأنه أن يحشد بسرعة، القوة الجوية الروسية الهائلة، للسيطرة على سماء أوكرانيا.

لكن منذ بداية الحرب بدا المسؤولون الروس حذرين في توظيف القوات الجوية، لدرجة أن المسؤولين الأمريكيين لا يستطيعون تفسير دوافع سلوك روسيا الذي يتجنب المخاطرة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.

ومن المحتمل أن يكون أداء القوات الجوية الروسية الضعيف واحداً من أهم العوامل وراء تعثر الحملة العسكرية في أوكرانيا، حسب تقييم المخابرات العسكرية البريطانية.

قارن الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية أداء الطيران الروسي في أوكرانيا بتركيز الجيش الأمريكي على تحقيق التفوق الجوي في بداية أي حرب، مشيراً على وجه التحديد إلى العمليات الجوية الأمريكية ضد العراق عام 1991 خلال حرب الخليج الأولى.

مستقبل القوات الجوية

يعتقد أن نجاح الأوكرانيين في توظيف آلاف الصواريخ المحمولة على الكتف، التي حصلوا عليها من الغرب (وخاصة نظام ستينغر الأمريكي الشهير) وتلك التي ورثوها من الاتحاد السوفييتي، إضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي متوسطة المدى مثل أنظمة جيبارد الألمانية الصنع وأنظمة Buks متوسطة المدى و Strelas قصيرة المدى، في إجبار المقاتلات الروسية على الطيران بعيداً، مما قلل من فاعليتها خاصة في دعم القوات البرية، وفي هذه الارتفاعات العالية تحاول أنظمة إس 300 التي ورثوها عن الاتحاد السوفييتي وكذلك تلك التي حصلوها عليها من دول أوروبا الشرقية الأعضاء بالناتو، لتجعل حياة الطيارين الروس صعبة.

الأوكرانيون لم يستغلوا تراجع القوات الجوية الروسية
ولكن بينما تمت الإشادة غربياً، بدينامكية الأوكرانيين في توظيف أنظمة الدفاع الجوي المختلفة، فإنه لا يتم التركيز على حقيقة أن الطائرات الأوكرانية تراجع دورها، وأنها لم تستغل الغياب النسبي للطائرات الروسية للعمل في المجال الجوي الأوكراني، الأمر الذي يؤشر إلى أننا أمام تراجع عام للطائرات الحربية مقابل صعود تأثير الدفاعات الجوية بمستوياتها المختلفة.

ولم يظهر دور كبير للطيران الأوكراني في النجاحات التي تحققت في إقليم خاركييف في الشمال الشرقي أو دونتيسك في الشرق أو خيرسون في الجنوب مؤخراً.

من المحتمل أن تكون معظم عمليات الإسقاط الجوي التي نفذتها المقاتلات الروسية أو جميعها قد تم باستخدام مقاتلات Su-35 ذات المقعد الواحد أو شبيهتها ذات المقعدين Su-30SM Flankers، والتي تم تكليفها بمهام التفوق الجوي.

لم يتم نشر طائرات MiG-29 الروسية في أوكرانيا، على الرغم من أن مقاتلات MiG-31 الاعتراضية ومقاتلات Su-27SM Flanker تلعب دوراً محدوداً، ومعظمها دفاعي، فقد زعمت وسائل الإعلام الروسية أن طائرة MiG-31 سجلت أول عملية قتل من هذا النوع في 28 أبريل/نيسان عندما أسقطت طائرة أوكرانية Su-24، لكنها لم تقدم أدلة.

وبينما تم الاحتفاء بقوة بدور الصواريخ المحمولة على الكتف الغربية التي يشغلها الأوكرانيون، فإن روسيا تقول إن أنظمة الدفاع Igla و Verba تصطاد ما يقرب من 33% من الطائرات المقاتلة الأوكرانية.

وأشاد جنرال روسي كبير بفاعلية أنظمة الدفاع الجوي المحمولة Igla-S و Verba Man-Portable (MANPADS) في نزاع أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.

وقال القائد العام للقوات البرية الروسية، أوليج ساليوكوف، في مقابلة مع الصحيفة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية Krasnaya Zvezda، إن ثلث الطائرات المقاتلة الأوكرانية المدمرة تم إسقاطها باستخدام Igla-S و Verba MANPADS.

وأضاف ساليوكوف: “في حالة الظهور المفاجئ لأهداف جوية على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة للغاية، أثبتت Igla و Verba MANPADS أنها جيدة”.

بالإضافة إلى ذلك، أكد ساليوكوف دور أنظمة الدفاع الجوي المتوسطة والقصيرة المدى، والتي قال إنها ضرورية لتغطية القوات البرية الروسية خلال العملية الخاصة الجارية في أوكرانيا.

على وجه الخصوص، أظهرت أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات الحديثة S-300V4 و Buk-M2 (M3) و Tor-M2 M2U أكبر فاعلية، وفقاً لساليوكوف.

يتم استخدام Igla-S و Verba MANPADS ضد الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والدوارة منخفضة التحليق، والطائرات المسيرة، وصواريخ كروز التي تحلق على مدى يتراوح من 500 إلى 6000 متر وعلى ارتفاع 10 إلى 3500 كيلومتر.

تهديد منظومات الدفاع الجوي المحمولة يمثل مشكلة للطرفين
حتى الآن يعتقد أن منظومات الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS) كانت مسؤولة عن معظم عمليات إسقاط الطائرات المقاتلة الأوكرانية والروسية.

إذ تعتمد كييف بدورها بشكل كبير على منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى حد كبير في استراتيجيتها لمنع الطائرات من الطائرات المقاتلة الروسية.

الجدير بالذكر أن نظام Igla-S MANPADS ذا الأصل السوفييتي يستخدم أيضاً من قبل الجيش الأوكراني، كما لوحظ في أواخر سبتمبر/أيلول 2022 عندما أسقطت قوات العمليات الخاصة الأوكرانية (SSO) طائرة Su-34 باستخدام Igla MANPADS.

واعترف طيار مقاتل روسي متقاعد بفاعلية منظومات الدفاع الجوي المحمولة الأوكرانية، حيث قال الطيار المتقاعد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته في مقابلة مع موقع EurAsian Times: “لقد أصيبت معظم طائرات Su-35 و Su-24 و Su-34 أثناء تحليقها على ارتفاعات منخفضة”.

مستقبل القوات الجوية

منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط، تم تزويد القوات الأوكرانية بآلاف من منظومات الدفاع الجوي المحمولة من مختلف الأنواع من عدة بلدان، مع المزيد في طريقها. على سبيل المثال، التزمت حكومة الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بأكثر من 1400 نظام ستينغر المضاد للطائرات.

ومع ذلك، فإن منظومات الدفاع الجوي المحمولة هذه ستصبح عديمة الفائدة بدون أنظمة الدفاع الجوي المتوسطة إلى المرتفعة اللازمة لخلق الفرص للاشتباك مع طائرات العدو على ارتفاعات منخفضة.

وأجبرت الدفاعات الجوية الأوكرانية المتوسطة والطويلة المدى المنتشرة، مثل S-300 الطويل المدى وBuk-M1 المتوسط (وكلاهما سوفييتي الصنع)، الطائرات المقاتلة الروسية على الطيران على ارتفاعات أقل من 4500 متر، لتصبح في نطاق أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف.

لذلك تقول أوكرانيا إنها تحتاج لمزيد من صواريخ أرض-جو عالية المستوى لتحقيق التفوق الجوي على موسكو أو على الأقل حرمان موسكو من تحقيقه.

فمن الصعب تدمير أنظمة الدفاع الجوي العالية مثل (S-300 و Buk-M1)، حتى بطائرات شبحية من الجيل الخامس وأساليب طيران أفضل، حتى بالنسبة لقوات الناتو الجوية، حسبما قال قائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، الجنرال جيمس هيكر.

خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا قبل عدة أسابيع، كان أحد أكبر طلبات أوكرانيا هو الحصول على صواريخ إضافية من طراز S-300 و Buk-M1.

وتضاؤل ​​مخزون أوكرانيا من صواريخ S-300 السوفييتية الصنع، وغيره من الأنظمة الدفاعية طويلة المدى​​، مما قد يمثل مشكلة كبيرة للجيش الأوكراني، ولذا سبق أن طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المساعدة من الكونغرس الأمريكي الحصول على المزيد من أنظمة S-300.

يبدو أن أوكرانيا فقدت حوالي 24 قاذفة S-300 وست مركبات إطلاق Buk-M1 بعد أكثر من سبعة أشهر من الحرب، وفقاً للأرقام التي جمعتها مدونة التتبع العسكرية Oryx استناداً إلى التأكيدات المرئية، وقد يكون العدد الفعلي للخسائر أعلى.

وتخسر أوكرانيا قاذفات S-300 بمعدل ثلاثة أو أربعة على الأقل في الأسبوع، وفقاً لموقع EurAsian Times.

روسيا لديها مخزون كبير من S -300 لدرجة أنها تستخدمه في القصف البري
من ناحية أخرى، تمتلك روسيا مخزوناً هائلاً من صواريخ S-300 SAM التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، والتي نشرتها في أوكرانيا بأعداد كبيرة، لدرجة أن الجيش الروسي يستخدم صواريخ S-300 لشن هجمات برية.

تقدر المديرية العامة للاستخبارات في وزارة الدفاع الأوكرانية أن روسيا لا يزال لديها حوالي 7000 صاروخ قديم متبقٍّ، والتي يمكن أن تستمر لمدة ثلاث سنوات أخرى إذا تم إطلاقها بالمعدل الحالي الذي تسجله في أوكرانيا.

وفقاً للقوات المسلحة الأوكرانية، أطلقت روسيا حتى الآن أكثر من 500 صاروخ من هذا القبيل في أوكرانيا.

تمثل صواريخ سام المستخدمة في الهجمات الأرضية تحدياً أكبر للدفاعات الجوية الأوكرانية؛ لأنها يمكن أن توجه وتطير بصواريخ كروز متعرجة. أيضاً، نظراً لأن قاذفات هذه الصواريخ عادةً ما تكون قريبة جداً من الأهداف، فليس هناك سوى القليل من الوقت للدفاع الجوي للرد عليها.

وتوظف المسيّرات الإيرانية لاستنزاف مخزون الصواريخ الأوكرانية
علاوة على ذلك، ابتكر الجيش الروسي مؤخراً طريقة أخرى للتعامل مع أنظمة SAM عالية المستوى الأوكرانية، عبر توظيف الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع.

توفر الطائرات المسيرة الإيرانية لروسيا بديلاً فعالاً من حيث التكلفة لطائراتها الثمينة والمكلفة وصواريخها الباليستية.

يمكن للجيش الروسي استخدام الطائرات بدون طيار في المناطق التي لا تستطيع طائراته المأهولة العمل فيها بسبب وجود مخاطر كبيرة.

أيضاً إذا تم استخدامها بأعداد كبيرة، يمكن لطائرات كاميكازي (انتحارية) مثل طائرة شاهد -136 الإيرانية الصنع أن تستنزف الدفاعات الجوية الأوكرانية، ولا سيما مخزونها النفيس من صواريخ سام المضادة للطائرات.

كييف ردت بالدمج بين الأنظمة السوفييتية والغربية
يبدو أن الجيش الأوكراني قد وجد طريقة للتغلب على مشكلته المتمثلة في تقليص مخزونات سام.

تشير التقارير الأخيرة الواردة من أوكرانيا إلى أن القوات الأوكرانية تستخدم صواريخها للدفاع الجوي قصيرة المدى من طراز 9K33 Osa من الحقبة السوفييتية، جنباً إلى جنب مع أنظمة مدفعية الدفاع الجوي Gepard المقدمة من ألمانيا.

ونظام Osa AK هو نظام صاروخي أرض جو تكتيكي قصير المدى وقصير المدى مع رادارات الاشتباك والتوجيه الكهروضوئي. يبلغ مداها 14 كيلومتراً وارتفاعها حوالي 13 كيلومتراً.

في حين أن Gepard عبارة عن هيكل دبابة مناسب لجميع الأحوال الجوية ومجهز بمدفعين أوتوماتيكيين مقاس 35 ملم، يمكن لكل منهما إطلاق النار بمعدل 550 طلقة في الدقيقة بمدى يتراوح من 100 إلى 4000 متر، بالإضافة إلى ذلك، لديها أيضاً رادارات يمكنهما تحديد الهدف على مسافة تصل إلى 15 كيلومتراً.

يقال إن نظامي الأسلحة يكملان بعضهما البعض. وفقاً لـ David Axe، المعلق العسكري الأمريكي، يمكن استخدام Osa في الهجوم الأول، بينما نظام Gepard الألماني يلاحق الطائرات الناجية من الهجوم الأول.

لماذا يفضل الجانبان المسيرات؟
أدت هذه المخاطر التي تتعرض لها طائرات الجانبين، إلى نكوصهما الواضح عن التوسع في استخدام الطائرات الحربية، وخاصة أن الطائرات المسيرة تقدم بديلاً أقل تكلفة وأقل عرضة للكشف بالرادارات، لأن المسيرات مصنوعة عادة من مواد غير معدنية ومحركاتها كهربائية أو صغيرة؛ مما يقلل بصمتها الرادارية والحرارية.

كما أن وقوع الطائرات المسيرة لا يؤدي إلى خسائر بشرية مقارنة بالطائرات المأهولة في وقت يعد فيه الطيارون أثمن عنصر بشري لأي جيش.

الدافع وراء لجوء الدولتين لتقليل استخدام الطائرات المأهولة أيضاً، أن استبدال المقاتلات عملية ليست مكلفة فقط، بل تستغرق وقتاً طويلاً، وكذلك إيجاد طيارين بدلاء، يجعل ذلك أي مذبحة كبيرة للطائرات أمراً غير مقبول.

خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، اضطرت إسرائيل للامتناع عن قصف القوات المصرية وهي تعبر قناة السويس، رغم ما في ذلك من خطر على قواتها في سيناء، لأن حائط الصواريخ المصري المنصوب خلف القناة (الذي كان من صنع سوفييتي)، ألحق بسلاح طيرانها خسائر كبيرة، مما هدد بتدميره إذا واصلت طائرات إسرائيل العمل في المنطقة ذاتها.

ولم توقف إسرائيل التقدم المصري في سيناء، إلا بعد تطوير الجيش المصري للهجوم، وتقدمت في قلب سيناء لتقليل الضغط الإسرائيلي على الجيش السوري، وعندها خرجت القوات البرية المصرية من مظلة الدفاع الجوي الثابتة الموجودة عند القناة، مما أدى إلى تعرضها لتدمير كبير، من القوات الجوية الإسرائيلية.

وفي معارك تالية، في الجولان بعد ذلك بسنوات، اضطرت إسرائيل لوقف تحليق طائراتها الحربية بسبب استخدام الجيش السوري المكثف لأنظمة الدفاع الجوي ضد مقاتلاتها.

ولذلك تقوم عقيدة الجيش الأمريكي على تحقيق التفوق الجوي أولاً قبل تقدم القوات، عبر تدمير طائرات العدو ودفاعاته الجوية، وقد يتم ذلك في المراحل الأكثر صعوبة بواسطة أنظمة صواريخ كروز والطائرات الشبحية (مثلما فعلت أمريكا بطائرات إف 117 الشبحية في حربيها ضد العراق عام 1991 و2003).

ولكن في الحرب الحالية لم يفعل الروس ذلك، كما أن أوكرانيا أسقطت العديد من صواريخ كروز الروسية، وطائرة موسكو الشبحية الوحيدة سوخوي 57 لم تدخل الخدمة بشكل كامل وقيل إنها استخدمت فقط لتنفيذ هجمات صاروخية بعيدة المدى

وتعترف الدول الغربية بأن الطائرات الروسية تتميز بقدرات عالية في مجال المناورة، رغم الشكوك في قدرات راداراتها وأنظمتها الإلكترونية مقارنة بنظيراتها الغربية.

ولكن تراجع أداء القوات الجوية الأوكرانية وعدم استغلالها لمحنة القوات الجوية الروسية يؤشر إلى أن المشكلة قد لا تكون فقط في الطائرات الروسية الصنع وفي التقنيات الروسية أو في قدرات الطيارين الروس أو خطط موسكو، ولكن لأن الاستخدام الفعال والواسع النطاق والمتداخل لأنظمة الدفاع الجوي يمكن أن يشكل ثورة في عالم الحروب ويقلل من دور الطائرات المأهولة فيها، وهو أمر يجب أن يقلق منه الغرب، الذي يعتمد على القوات الجوية في عقيدته العسكرية أكثر بقدر كبير من الروس.

المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع