خبير في شؤون اليمن يدعو أوروبا للتحرك لإنهاء الكارثة الإنسانية في اليمن

بقلم: كارولينا دروتن(صحيفة “دي فيلت” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

كان ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها. والذي شغل في وقت سابق منصب وزير الخارجية البريطاني، في زيارة لليمن في سبتمبر الماضي وشكَّل انطباع عن ما يجري هناك. وتحدث لصحيفة “دي فيلت” عما يجب على ألمانيا وأوروبا القيام به للمساعدة في حل الصراع الدائر في اليمن.

دي فيلت: الحرب الأهلية في اليمن مستمرة منذ أربع سنوات. وفي ديسمبر 2018، جرت محادثات السلام لأول مرة. اتفقت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة ذات الأهمية الإستراتيجية. فهل سيكون كل شيء على ما يرام الآن؟

ديفيد ميليباند: استمرت الهدنة أربعة أسابيع فقط، وهي الآن على وشك الانهيار. وكانت الأوضاع في الأسبوع الأول أفضل بكثير من الأسبوع الرابع. لا يزال إطلاق النار مستمراً. كانت الأطراف المتصارعة قد وافقت على سحب قواتها من الحديدة. وهذا الأمر لم يحدث بعد. والآن يتهم كلا الطرفين بعضهما البعض بعدم الوفاء بالتزاماتهما التي دمرت ذلك القدر البسيط من الثقة. ولذلك، إذا فشلت الهدنة، سيصبح العنف أسوأ من ذي قبل.

دي فيلت: ما الذي يجب أن يحدث لمنع حدوث ذلك؟

ميليباند: اليمن بحاجة الآن إلى التزام دولي بناء ومُجدي. أما عما إذا كان وقف إطلاق النار سيستمر فهذا لا يعتمد فقط على الأطراف المتصارعة، وإنما يعتمد أيضاً على المؤيدين لها. وإيران هي أكبر راعي لجماعة الحوثيين. يجب على الإيرانيين التأكد من أن الحوثيين يقومون بواجبهم في الاتفاق. وهذا ما يجب أن تطرحه أوروبا بشكل واضح.

دي فيلت: لدى إيران مصالحها الخاصة في المنطقة. فكيف بإمكان أوروبا أن تؤثر عليها؟

ميليباند: يجب على الأوروبيين أن يوضحوا لإيران أن الكارثة الإنسانية ستزيد من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة. ولا أحد لديه مصلحة في ذلك. سعت إيران من خلال حربها ضد السعودية في الأرض اليمنية المحايدة للمملكة إلى تحقيق هيمنة سياسية في منطقة شبة الجزيرة العربية، وعليها الآن أن تنظر بعين الاعتبار لمعاناة اليمنيين وعدم استقرار جنوب الجزيرة العربية.

دي فيلت: في يوم الخميس، أنشأت كل من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا آلية مالية للدفع مع إيران. وهم بذلك يريدون تجاوز العقوبات الأمريكية. هل يجب على أوروبا استخدام هذا كوسيلة ضغط؟

ميليباند: كان الاتحاد الأوروبي جزءاً من الاتفاقية النووية الإيرانية واحتفظ بجزئه من الاتفاق – في رأيي على نحو صحيح. لكن على الأوروبيين الآن أن يستخدموا هذه العلاقة مع إيران للتأكيد على موقفهم تجاه حرب اليمن والتعبير عن خطورة الوضع. فهناك 14 مليون شخصاً معرضون لخطر المجاعة.

دي فيلت: لقد كنت في اليمن في سبتمبر من العام 2018. كيف وجدت البلد؟

ميليباند : إنه في وضع صادم. من المخيف رؤية الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في المراكز الصحية. صحيح أن الحياة تدب في المدن، لكن يمكنك أن تلمس وبوضوح الخوف وعدم الثقة عند الناس. العديد من الأطباء والمعلمين والممرضات ما عادوا يحصلون على رواتبهم. لقد رأيت أطفالاً في الحادية عشرة من العمر يحملون الكلاشينكوف على أكتافهم. حالة النازحين داخل البلاد سيئة على نحو خاص. كما يشعر الناس بأنهم محاصرون لأن التطورات السياسية خارجة عن سيطرتهم. ويشعرون بأن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم.

دي فيلت: ما المسؤولية التي تتحملها السعودية؟ فهناك تحالف عسكري تحت قيادة المملكة يشن الغارات الجوية على اليمن منذ العام 2015.

ميليباند: إستراتيجية الحرب التي يقودها التحالف بقيادة السعودية تسببت في خلق المعاناة وعدم الاستقرار. وأنا أرحب بمشاركة السعوديين والإمارات العربية المتحدة في محادثات السلام. لكن يتعين على كلا البلدين أن تُدركا أن التخلي عن خطة السلام سيكون بمثابة كارثة مطلقة.

دي فيلت: ما زالت بريطانيا تزود المملكة بالسلاح. فهل يتعين عليها أن توقف صادرات الأسلحة؟

ميليباند: نعم. جميع الأسلحة التي تستخدمها السعودية لقمع سكانها أو لشن الهجمات الخارجية تتعارض مع القانون البريطاني. وأي شيء يدعم إستراتيجية الحرب خاطئ من وجهة نظري.

دي فيلت: لقد لفتت عملية اغتيال جمال خاشقجي في أكتوبر من العام الماضي الاهتمام الدولي إلى اليمن. وتشير الأدلة إلى أن الصحفي السعودي قد اغتيل على يد أتباع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ونتيجة لذلك، استنكرت العديد من الدول والمنظمات التدخل السعودي في الحرب اليمنية. فهل شكل ذلك الأمر مساعدة للبلد؟

ميليباند: لقد غيرت قضية خاشقجي بشكل جوهري طريقة النظر إلى الحرب في أمريكا. ومن المتوقع أن يصوت الكونغرس الأمريكي الآن على ما إذا كان ينبغي تقييد الدعم للتحالف العسكري بقيادة السعودية. سيكون هناك قرار في الأسابيع القليلة القادمة. ومن المفارقات المريرة بالنسبة لشعب اليمن أن الحديث عن وفاة شخص واحد أكثر من الحديث عن معاناة الملايين من الناس. هناك قضية مشتركة بين قضية خاشقجي والحرب في اليمن: إنها الإفلات من العقاب. علينا أن نحارب سياسة الإفلات من العقاب هذه.

دي فيلت: لكن ترامب أوضح أن العلاقات التجارية مع المملكة العربية السعودية أكثر أهمية بالنسبة له من معاناة الشعب اليمني؟

ميليباند: لقد عبر عن نفسه بوضوح شديد. وأنا في رأيي ، لا ينبغي استخدام العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية كترخيص، ولكن لأغراض إنسانية وسياسية. لهذا السبب من المهم جداً أن يمارس الكونغرس ضغوطه.

دي فيلت: بصرف النظر عن الصراع الحالي، اليمن لديه تاريخ دموي. لماذا هذا البلد ضعيف للغاية؟

ميليباند: اليمن بلد يفتقر إلى الهياكل السياسية التي تسمح لكل الجماعات عرقية بالمشاركة في السلطة. بعد الاستقلال، تم تقسيم اليمن لأول مرة إلى دولتين وتم جمع شملته فيما بعد. لكن نظام الحكم لم يعكس أبداً المصالح الجغرافية والدينية والجماعية المختلفة. الصراع الحالي هو أفضل مثال على ذلك. حتى أولئك الذين يقاتلون إلى جانب الحكومة منقسمون. ليس هناك أتباع لهادي وهناك انفصاليين. بالإضافة إلى جماعات متطرفة مختلفة. أضف إلى ذلك أن كل من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية قد بسطا نفوذهما في شرقي البلاد. وكلمة “برميل البارود” هي أقرب وصف لحال البلد.

دي فيلت: برأيك، من أكثر المستفيدين من هذه الحرب؟

ميليباند: هناك اقتصاد حرب. يستفيد بعض السكان المحليين من التضييق على الصادرات إلى البلاد ويعملون على رفع الأسعار. كما أنه لا شك أن موقف إيران السياسي في اليمن أقوى مما كان عليه قبل أربع سنوات. الآن، قد تعتقد الحكومة الإيرانية أنها حققت مصلحة سياسية. ولكن الثمن الذي يدفعه اليمنيون باهض على نحو لا يمكن تصوره.

دي فيلت: تمتلك ألمانيا حالياً مقعًدا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فكيف يمكنها من خلال هذا المقعد أن تساهم في إيجاد حل للصراع في اليمن؟

ميليباند: ألمانيا دولة تدعو بصورة متزايدة للنظام المتعدد الأطراف وإلى تطبيق القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي. وتتمتع ألمانيا بنفوذ اقتصادي وسياسي. إننا نرحب بحصولها على مقعد في مجلس الأمن في الوقت الحالي ونريد لألمانيا أن تستخدم موقفها على النحو الأمثل. والوحدة الأوروبية مهمة بالطبع. ومع ذلك، يجب ألا يخشى الألمان التحدث بوضوح عن الوضع في اليمن. وكلما تحدثت بوضوح أكثر كلما كان ذلك أفضل.