صالح القزويني *

أنا متأكد أن هذا العنوان يغضب البعض بل يستفزهم خاصة أولئك الذين راهنوا على هذه الاحتجاجات وروجوا لفكرة أنها ستقضي على النظام القائم.

وقبل أن أستعرض عوامل الفشل التي تستبطنها، أود الاشارة إلى أن احتجاجات اندلعت وكانت أشد من الاحتجاجات الحالية وأوسع منها بعشرات الأضعاف ورغم ذلك لم تسقط النظام الإيراني، ومن بينها الاحتجاجات التي وقعت عام 2009، وكانت بدايتها هي اعتراض رئيس الوزراء الايراني الأسبق مير حسين موسوي على نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز محمود أحمدي نجاد فيها.

فهذه الاحتجاجات شارك فيها مئات الآلاف وتعاطف معها ملايين الإيرانيين، بل وصلت مدياتها إلى انشقاق في السلطات الحاكمة بما فيها وزارة الأمن، بل لا تزال تشظياتها يشعر بها الإيرانيون، ولكن مع ذلك لم تطيح النظام الحاكم.

أتوقع أن البعض سيقول إن أدوات قمع النظام فتاكة إلى درجة أنها تستطيع السيطرة على هذه الاحتجاجات وإنهائها، ولكن هذا رد من لا يعرف إيران والشعب الإيراني والنظام الحاكم، ولا يريد أن يتعب نفسه في دراسة الأسباب الحقيقية لانتهاء تلك الاحتجاجات فيسارع بإطلاق هذا السبب على انتهائها.

ولا أنفي أن السلطات الأمنية اعتقلت المئات من المحتجين والقضاء أصدر أحكاما على بعضهم، ولكن لم يكن هذا السبب الرئيسي في انتهاء احتجاجات عام 2009، بل هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى انتهائها من بينها قوة إقناع النظام للمحتجين، حتى بلغ الأمر بالكثير من قيادات المحتجين والذين كانوا قيادات في القوى السياسية أعلنوا عن خطأ تصوراتهم وتقديراتهم، وخاصة تقديراتهم بوقوع تزوير في الانتخابات.

إذا كان هذا حال احتجاجات 2009 فما بالكم بالاحتجاجات الحالية والتي لا تبلغ عشر الاحتجاجات السابقة، وفضلا عن حجم الاحتجاجات الحالية وسعتها فإنها تستبطن عوامل فشلها، وعوامل الفشل هي:

أولا: ليس من الواضح ما الذي يطالب به المحتجون، وما هي الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، فاذا كانوا اعترضوا على وفاة مهسا أميني فمن المفترض أن يطالبوا السلطات بتقديم تقرير حول أسباب الوفاة، وإذا كانوا لديهم اعتراض على وجود شرطة الآداب فمن المفترض أن يطالبوا بحلها، وإذا كانوا يعترضون على قانون ارتداء الحجاب فمن المفترض أن يطالبوا بإلغائه.

إن المطالبة بإسقاط النظام أو إطلاق شعارات ضد المرشد الأعلى أو الاساءة للمقدسات واحراق المساجد والحسينيات والمواكب، واضرام النار برجال الشرطة والاعتداء على امرأة محجبة وانتزاع حجابها وتدمير الأموال العامة، كلها تدلل على أن المحتجين لم يحددوا أهدافهم.

ثانيا: لجوء الكثير من المحتجين إلى العنف وأعمال الشغب والتخريب يفشل أي حركة تغيير، ويعطي الذريعة الكاملة للسلطات الحاكمة باحتواء الاحتجاجات والسيطرة عليها وإنهائها.

لقد وقعت الكثير من الاحتجاجات منذ تولي رئيسي للسلطة وإلى هذا اليوم، ولكن بما أنها بقيت في اطارها السلمي فقد حققت مطالبها، كاحتجاجات المعلمين والمتقاعدين والاصفهانيين على قضية مياه نهر “زاينده”ن والخرم آباديين على قضية المياه أيضا، لذلك فان لجوء الاحتجاجات الحالية إلى أعمال الشغب يعجل في فشلها والقضاء عليها.

ثالثا: عدم اتساع الاحتجاجات وانحسارها على شريحة ومناطق محددة يبرهن على أنها لا تتمتع بشعبية واسعة، بل أن بعض المطالبات كخلع الحجاب لا تحظى بدعم وتأييد ملايين الإيرانيين، ولذلك خرجت مظاهرات مليونية في كافة المدن الإيرانية أمس الأول لتعلن عن رفضها لتلك الدعوات.

رابعا: عدم وجود قيادات للاحتجاجات بل امتنعت معظم القوى السياسية الفاعلة والتي تتمتع بشعبية واسعة، من تقديم الدعم لها، والأسوأ من ذلك تبّني بعض القوى المسلحة المعروفة بتنفيذ عمليات ارهابية في إيران كجماعة كوملة، هذه الاحتجاجات وتعلن تقديمها الدعم لها، مما يوحي أن هذه الحركة الاحتجاجية ماضية قدما في إراقة الدماء والتخريب والتدمير.

مع لجوء الاحتجاجات إلى أعمال الشغب والتخريب لم يعد بوسع أحد ليتجرأ ويتبنى قيادتها والمضي قدما في تحقيق أهدافها، لذلك علينا القول إن هذه الحركة ستواصل التخبط والفوضى وتعدد اتخاذ القرارات وبمقدار ما تواصل فوضويتها فإنها تضعف تدريجيا حتى تنتهي.

الشيء الوحيد الذي ستخلفه هذه الحركة هو المزيد من الخسائر في الأموال العامة، والمزيد من الضحايا، والمزيد من ضغط بعض الدول على الحكومة الايرانية لتتراجع عن مواقفها وثوابتها، ومن المستبعد أن تتراجع الحكومة عن مواقفها.

صحيح أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد ليست بالمستوى الطموح ولكن كان ينبغي منح المزيد من الفرصة لحكومة رئيسي ليتم التأكد من انه قادر على حل مشاكل البلاد أو غير قادر.

المصدر: رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع