هل توقفت توربينات توليد الكهرباء من سد النهضة؟
السياسية: أحمد عبد الحكيم *
بموازاة الزخم الدبلوماسي الذي أعادته القاهرة لأروقة الأمم المتحدة في دورة الانعقاد الحالية للجمعية العامة، حول ملف سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل، بعد أشهر من الجمود وتبادل الاتهامات في شأن الملء الثالث، ثار جدل في الأوساط المصرية بعد أن كشفت صور فضائية التقطت حديثاً عن احتمالات توقف عمل التوربينات التي أقامتها أديس أبابا لتوليد الطاقة الكهربائية من السد.
وبينما رجح بعضهم أن تكون التوربينات قد توقفت عن العمل لأسباب فنية، منها شدة الفيضان وكثرة الرواسب والشوائب من بقايا النباتات والأشجار التي تعوق حركة التشغيل وكذلك الطمي، مع عدم وجود شبكة قوية لدى إثيوبيا لنقل التيار الكهربائي، استبعد آخرون هذه الفرضية التي تتنافى مع طبيعة السد وبنائه وبحيرته الضخمة بمساحة 500 كم مربع والمصممة على عدم تأثر عمل التوربينات بالطمي لمدة لا تقل عن 50 عاماً.
جدل حول توقف التوربينات
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي قال إن الصور الحديثة التي التقطت أخيراً للسد تؤكد توقف تشغيل التوربينات، بعكس الرواية الإثيوبية التي تشدد على أنها تعمل على تشغيل بقية التوربينات والاستعداد للملء الرابع، موضحاً في حديثه لـ”اندبندنت عربية” أن مقياس الدمازين على الحدود السودانية – الإثيوبية سجل الأربعاء 21 سبتمبر (أيلول) تصريفاً غير مسبوق من مياه سد النهضة خلال العامين الأخيرين، إذ وصل إلى 614 مليون م3 بزيادة قدرها 108 ملايين م3 عن اليوم نفسه العام الماضي.
وأوضح شراقي أن اختفاء الدوامات خلف السد، بحسب ما أظهرته الصور الفضائية الأخيرة، يدل على توقف عمل التوربينات، وترجح احتمالات تعطلها وحاجتها إلى الصيانة في ظل استمرار ترسب الطمي لا سيما مع تسجل ارتفاعات كبيرة في كمية الأمطار على الهضبة الإثيوبية في شهر سبتمبر الحالي، بنسبة تتجاوز 42 في المئة عن مثيلتها في السنوات السابقة.
وبحسب شراقي فإن من بين الأسباب الأخرى التي قادت إلى احتمالات توقف التوربينات، هو عدم انتهاء أديس أبابا بعد من أعمال بناء شبكة النقل الكهربائي الخاصة بالسد، معتبراً أن إعلان الحكومة الإثيوبية خلال العام الحالي تركيب التروبينين الأول في فبراير (شباط) والثاني في أغسطس (آب) كان بهدف تحقيق “مكاسب وأهداف سياسية وليس تقنية”، وأرجع استمرار تأزم ملف سد النهضة بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان لغياب “الشفافية والمعلومات الصحيحة حول عمليات البناء والتشغيل من قبل أديس أبابا”.
وفي أغسطس الماضي أعلنت السلطات الإثيوبية الانتهاء من أعمال الملء الثالث لسد النهضة، فضلاً عن تركيب التوربين الثاني الخاص بتوليد الكهرباء، بعد أن تم تركيب الأول في فبراير. وفي أغسطس كذلك أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حينها أن مستوى ارتفاع السد وصل إلى 600 متر، داعياً كلاً من مصر والسودان إلى مواصلة المفاوضات، ومشدداً على أن بلاده “تبني السد لتوليد الطاقة بحيث تتمكن من إخراج شعبها من الظلام”.
في المقابل ووفق حديث نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة لـ”اندبندنت عربية”، فقد استبعد تعطل أو توقف عمل التوربينات في سد النهضة لعدد من الأسباب من بينها، “تصميم السد وبحيرته الضخمة بمساحة 500 كم مربع، فضلاً عن تصميم التوربينات بشكل لا يتأثر بفكرة ترسب الطمي لسنوات بعيدة”، مضيفاً “يترسب الطمي في مدخل بحيرة التخزين بعيداً جداً عن جسم السد الأسمنتي المركب عليه التوربينات، إذ يحمل النيل الأزرق سنوياً نحو 136 مليون طن من الطمي ونتيجة لسرعة المياه المحملة بالطمي والقادمة إلى بحيرة السد فإنها تصطدم بالمياه الراكدة والساكنة المخزنة في البحيرة بما يحدث انخفاضاً مفاجئاً في سرعة تيار المياه فترسب ما بها من طمي بسبب الدوامات الناتجة من الانخفاض المفاجئ لسرعة المياه”.
وتابع نور الدين “الدليل على ذلك أن مصر تستقبل سنوياً نحو 192 مليون طن من الطمي الذي يأتي من أنهار النيل الأزرق (75 في المئة) ومن عطبرة (22 في المئة) ومن السوبات (ثلاثة في المئة)، وهي أكثر كثيراً مما يستقبله السد الإثيوبي ومع ذلك لم تؤثر نهائياً في توربينات السد العالي وعملها، لأنها تترسب في الجزء الأول من البحيرة ومدخلها في الأراضي السودانية”.
وذكر نور الدين “لا شك أن استمرار عمل التوربينات هو في صالح دولتي المصب، إذ تعني بالأساس استمرار تدفق المياه إلى المجرى خلف السد، في طريقها إلى مصر والسودان”، مضيفاً أن “الاستدلال على توقف عمل التوربينات بعدم وجود دوامات مياه هو استدلال ضعيف لا يمكن القطع به، فالتوربينات لا تعمل بالأساس على مدار 24 ساعة في اليوم وهناك ساعات توقف طبيعية لها، وهناك احتمال لالتقاط الصور الحديثة في وقت التوقف”.
زخم دبلوماسي بالأمم المتحدة
في الأثناء طغى ملف سد النهضة على اجتماعات وزير الخارجية المصري سامح شكري بالأمم المتحدة، خلال حضوره دورة انعقاد الجمعية العامة الراهنة. وبحسب بيانات رسمية من الخارجية المصرية، فقد أوضح الوزير المصري خلال لقاءاته في نيويورك مطالب مصر في قضية السد التي تصفها بـ”الوجودية”، وذلك خلال مباحثاته مع كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية والدفاع الإيرلندي سيمون كوفيني، ووزير خارجية فنلندا بيكا هافيستو، مستعرضاً محددات الموقف المصري في شأن القضية.
وقال دبلوماسي مصري تحدث لـ”اندبندنت عربية” إن “القاهرة لا تألو جهداً في استمرار عملها الدبلوماسي لتوضيح موقفها لدى جميع دول العالم الفاعلة، في شأن هذه القضية التي تهدد بشكل مباشر أمنها المائي، لما لها من تداعيات جسيمة على مصر التي تعتمد بشكل رئيس على مياه نهر النيل، وكذلك المنطقة بأكملها حال استمرار تأزم الأوضاع”.
وفيما تقدر حصة السودان المائية بنحو 18.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، تقدر حصة مصر المائية بنحو بـ55.5 مليار متر مكعب، وتشير التقديرات أنها تعاني عجزاً في احتياجاتها يقدر بنحو 70 مليار متر مكعب.
وأعربت القاهرة في أكثر من مناسبة عن رفضها لما تصفه بـ”السياسات الأحادية للجانب الإثيوبي” في عملية بناء وتشغيل السد، وتتمسك مع جارتها السودان، بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل وسلامة منشآتهما المائية. في المقابل تدافع إثيوبيا عن المشروع باعتباره “ضرورة تنموية”، وترفض ما تسميه “النهج المتعنت لكل من دولتي المصب في التعاطي مع الملف”.
من جهته، وخلال لقائه المديرة التنفيذية لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إينغر أندرسن الأربعاء 21 سبتمبر في نيويورك، اعتبر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن أن مشروع سد النهضة إحدى آليات مواجهة ظاهرة “تغير المناخ”، مشيراً إلى أنه “مثال لمشروع تطوير الطاقة المتجددة”، وأن “الدول المشاطئة الأخرى إلى جانب إثيوبيا ستستفيد من المشروع”.
وبحسب ما نقل بيان للخارجية الإثيوبية فقد أكد مكونن على أن “إثيوبيا منفتحة دائماً على الحوار”، وأن القضايا العالقة المتعلقة بملء وبناء السد مع دولتي المصب لا يمكن تسويتها إلا من خلال الحوار.
وفي أحدث تصريحاته نقلت شبكة “سكاي نيوز” عربية عن المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر قوله إن الولايات المتحدة “تدعم الجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق في شأن سد النهضة، وأن يقدم هذا الاتفاق الضمانات اللازمة”، مضيفاً أن “القضية بالنسبة إلى مصر هي مسألة أمن المياه، وهي حيوية بالنسبة إليها. ندرك ذلك تماماً ونفهمه، وبالنسبة إلى السودان هي مسألة سلامة السد، وبالنسبة إلى إثيوبيا هي مسألة الحق في التنمية المستقبلية”.
وأجرى هامر زيارة أخيراً إلى مصر وإثيوبيا في محاولة لكسر الجمود في القضية منذ توقف المفاوضات بين البلدان الثلاثة في أبريل (نيسان) 2021. وقال إن “الأطراف ليست متباعدة إلى هذا الحد، قد يبدو ما أقوله غريباً لكن الاهتمامات عالية والمصالح الوطنية كبيرة أيضاً”.
وأضاف “نرى في الولايات المتحدة أننا نستطيع أن ندعم جهود التوصل إلى اتفاق يخدم البلدان الثلاثة، هذا يجري تحت مظلة الاتحاد الأفريقي ونحترم ذلك، لكننا سنستمر بالعمل على هذه المسألة لأنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، فهذا سيتيح إرساء السلام والاستقرار في القرن الأفريقي، بالتالي يمكن تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمار في البلدان الثلاثة. إنها مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة”.
* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع