إردوغان والكيان الإسرائيلي: مصالحة.. غرام.. وتحالف
حسني محلي*
على الرغم من حالات المد والجزر في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ المشادة الكلامية بين إردوغان وشمعون بيريز في دافوس في سويسرا (29 كانون الثاني/يناير 2009)، بقيت “إسرائيل” شريكاً تجارياً مهماً لتركيا في ظلّ حكم حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي منذ 20 عاماً.
بعد هذا الحادث الذي زاد شعبية إردوغان، لأنه قال لبيريز: “إنكم قتلة ومجرمون”، لم تستخدم أنقرة حق الفيتو ضد انضمام الكيان الصهيوني إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) في 11 أيار/مايو 2010، قبل أيام من العدوان الإسرائيلي (31 أيار/مايو) على سفينة مرمرة التي كانت في طريقها إلى غزة.
أدى هجوم “مرمرة” إلى مقتل 10 مواطنين أتراك كانوا على متنها، مع أكثر من 700 شخص من مختلف الجنسيات. وكان هذا الحادث سبباً لتدهور العلاقات بين الطرفين، إلى أن تبرعت “تل أبيب” بـ20 مليون دولار لعائلات الضحايا، فقررت أنقرة إغلاق ملف القضية في المحاكم التركية والدولية، وهو ما كان بداية لتطبيع العلاقات بين الطرفين، بعدما وافقت أنقرة على انضمام الكيان الصهيوني إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب في أيار/مايو 2016.
وعلى الرغم من ردود فعل الرئيس إردوغان العنيفة على اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة دينية لـ”الدولة العبرية” ويهود العالم، إذ دعا إلى قمتين إسلاميتين في إسطنبول في 13 كانون الأول/ديسمبر 2017 و18 أيار/مايو 2018، فقد حقق التعامل التجاري بين أنقرة و”تل أبيب” أرقاماً قياسية ساهمت في المزيد من التقارب بينهما، بعد التصريحات النارية التي أطلقها الرئيس إردوغان ضد “إسرائيل”، التي قال عنها إنها “دولة القتل والإجرام والإرهاب”.
وجاءت “الاتفاقيات الإبراهيمية” بين “تل أبيب” وكل من الإمارات والبحرين، ثم المغرب والسودان، لتدفع الرئيس إردوغان إلى الاستعجال في مساعيه للمصالحة مع “تل أبيب”، قبل أن تنحاز إلى أي طرف إقليمي أو دولي يعادي تركيا، وخصوصاً بعد اتفاقيات التنسيق والتعاون والتحالف التي وقعت عليها “تل أبيب” والقاهرة وأبو ظبي والرياض مع أثينا ونيقوسيا وباريس بشكل ثنائي أو ثلاثي وجماعي.
وجاء انتخاب إسحاق هرتسوغ رئيساً للكيان الصهيوني في تموز/يوليو 2021 ليشكل فرصة ثمينة لإردوغان الذي بادر إلى الاتصال به لتهنئته والحديث إليه عن “ضرورة التنسيق والتعاون المشترك من أجل أمن المنطقة واستقرارها وسلامها”.
وجاء لقاء إردوغان وعدد من الحاخامات اليهود من تركيا و”اتحاد تحالف حاخامات الدول الإسلامية” في 22 كانون الأول/ديسمبر 2021 ليدعم التوجه التركي الجديد في الانفتاح على الكيان الصهيوني، وهذه المرة عبر القنوات الدينية التي يوليها الصهاينة أهمية كبيرة، لما لتركيا، وريثة الدولة العثمانية، من مكانة خاصَّة ومهمة في التاريخ اليهودي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وجاءت زيارة هرتسوغ إلى أنقرة في 9 آذار/مارس الماضي تأكيداً لهذا المسار الجديد في العلاقات، بعد سلسلة من الاتصالات على مستويات مختلفة، بما فيها أجهزة المخابرات، لحقت بها اتصالات هاتفية أجراها إردوغان مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بينيت، كما اتصل وزير خارجيته جاويش أوغلو بنظيره الإسرائيلي لابيد، الذي زار أنقرة في حزيران/يونيو، والتقاه إردوغان في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه المرة بصفته رئيساً لحكومة “تل أبيب”.
وقد سبق ذلك تعيين “إسرائيل” سفيراً جديداً لها في أنقرة، في اليوم الذي كان إردوغان في اجتماع موسع مع قيادات 50 منظمة يهودية أميركية، الذين صفّقوا له تصفيقاً حاراً، لكلامه “عن تاريخ العلاقات بين الأتراك واليهود منذ مئات السنين”، وسط المعلومات التي تتوقع له أن يعين سفيره الجديد إلى “تل أبيب” خلال هذا الأسبوع، استعداداً لزيارته المهمة إلى “إسرائيل” بعد انتخابات الشهر القادم وتشكيل الحكومة هناك.
واكتسبت فعاليات الرئيس إردوغان هذه في نيويورك طابعاً دينياً ومثيراً على طريق تحقيق المزيد من التقارب العقائدي مع الكيان الصهيوني، وهو ما كان واضحاً عندما التقى “صدفة” وهو يتجول في حديقة سنترال بارك سيدة يهودية قالت إنها حاخام ومن قيادات الجالية اليهودية في نيويورك.
وزّع المكتب الإعلامي لإردوغان هذا الفيديو، وكأنه أراد أن يقول لليهود والكيان الصهيوني إنَّه صديقهم. كذلك، وزع المكتب الإعلامي صور لقاءات الرئيس إردوغان ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي رولاند لودر، صاحب شركة “أستا لودر” للمستلزمات التجميلية الشهيرة. وقيل إنَّ إردوغان بحث معه إقناع الرساميل الأميركية – اليهودية بالعودة إلى الأسواق المالية التركية بأسرع ما يمكن، وطلب منه إقناع الرئيس بايدن بدعمه خلال الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات في تركيا، في الوقت الذي تتحدث المعلومات عن خطة استراتيجية وضعتها “تل أبيب” “لضمان مستقبل التحالف الاستراتيجي مع أنقرة إلى الأبد، مهما تعرَّض هذا التحالف لهزات آنية بسبب المواقف السياسية للساسة الأتراك”.
ولم يكن واضحاً ما إذا شرح الرئيس إردوغان لمن التقاهم من قادة الكيان الصهيوني واليهود والحركة الصهيونية محاولاته للمصالحة مع الرئيس الأسد، الذي قال عنه في خطابه في الأمم المتحدة، من دون أن يسميه، إنه “ظالم، وإن تركيا لن تغير موقفها في التعامل مع الأنظمة الظالمة”، داعياً المجتمع الدولي “إلى دعم بلاده في مشاريعها لبناء الوحدات السكنية للاجئين السوريين في المناطق الآمنة”، على حد قوله.
وقد حظي موقف إردوغان هذا بدعم غير مباشر من حليفه التقليدي تميم آل ثاني، الذي أكد في خطابه في الجمعية العامة على “ألا يقتصر الحلّ السياسي للأزمة في سوريا على نجاح اللجنة الدستورية، باعتبار أنَّ هناك أموراً أكثر تعقيداً من ذلك”، ناسياً أنه والرئيس إردوغان هما السبب الرئيسي في هذا التعقيد، لتدخلهما المباشر في أحداث سوريا باعتراف حمد بن جاسم.
لا يستطيع تميم أن يغير حقيقة هذه الأحداث بقوله قبل أيام إن بلاده “لا تدعم الإخوان المسلمين”، في محاولة منه لطمأنة الرئيس السيسي الذي زار الدوحة، وهو يعرف جيداً أنها بحكامها من آل ثاني، الأب والابن، هم الممول الأكبر، ولاحقاً الوحيد، لكل حركات الإسلام السياسي منذ بدايات ما يسمى بـ”الربيع العربي”.
وكان كلّ ذلك بالتنسيق والتعاون مع الرئيس إردوغان، وها هو الآن، ومعه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (ذو الأصل التركي)، في طريقه إلى التحالف مع “إسرائيل” سياسياً وعقائدياً، وأمام أنظار من بايعوه من الإسلاميين العرب وغيرهم، بعدما اعتقدوا أنَّه سيصبح عبد الحميد الثاني، الَّذي قيل إنه تصدى لليهود، ولكن أثبت التاريخ لاحقاً أنَّه ساعدهم، وكان أول من سمح لهم بالاستيطان في فلسطين التي كانت، وما زالت، قفل كلّ التطورات في المنطقة ومفتاحها، بما في ذلك أحداث “الربيع العربي” بلاعبه الرئيسي إردوغان!.
*المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع