السياسية: جمال عبد القادر البدوي *

زار السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري، السبت الـ10 من سبتمبر (أيلول) الحالي، الفاشر حاضرة إقليم دارفور وعاصمة ولاية شمال دارفور، في أولى محطاته خارج العاصمة القومية الخرطوم منذ تسلمه عمله.

الزيارة الميدانية جاءت برفقة وفد كبير يضم أعضاء من الكونغرس الأميركي وسفارة الولايات المتحدة وامتدت لثلاثة أيام، وقبل سفره التقى غودفري عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس.

كان في استقبال السفير الأميركي والوفد المرافق له بمطار الفاشر والي ولاية شمال دارفور نمر محمد عبدالرحمن وبعض أعضاء حكومته، إلى جانب ميرفن فيرو مسؤول المعونة الأميركية.

الاجتماع المغلق

فور وصوله عقد السفير اجتماعاً مغلقاً مع والي الولاية برئاسة الأمانة العامة للحكومة ورحب بالزيارة، مؤكداً أنها ستسهم كثيراً في تسهيل مهمة السفارة تجاه دعم وتوطيد العلاقات السودانية – الأميركية بما يخدم مصالح الشعبين.

قدم الوالي تنويراً مفصلاً للسفير ووفده حول التقدم الجيد في سير تنفيذ اتفاق جوبا للسلام على الرغم من بروز بعض التحديات.

وعبر نمر عن تطلع حكومته إلى دور أكبر للولايات المتحدة في دعم مسيرة التنمية، وتطوير الخدمات للمواطنين بالولاية الذين لا يزالون يعانون الآثار التي خلفتها الحرب.

وقالت صفحة السفارة الأميركية على “تويتر” إن السفير جون غودفري ناقش مع والي شمال دارفور الوضع الأمني ​​والإنساني العام في الولاية، وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، مشيرة إلى أن نمر أطلع غودفري على التحديات المتعلقة بالتعليم وحماية المدنيين ودعم العدد الكبير من النازحين الذين فقدوا منازلهم بسبب الفيضانات.

من جهته أوضح غودفري أن زيارته هدفت إلى التعرف على الأوضاع بدارفور، خصوصاً ما يلي سير تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، إلى جانب الوقوف على قضايا التنمية والاستقرار بالإقليم، وبحث مثلأمثلاااأمثل السبل لتطوير العلاقات الثنائية بما يمكن أميركا من الاضطلاع بدور أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار بالسودان عامة وإقليم دارفور على وجه الخصوص.

انفتاح على المجتمعات

شملت الزيارة تفقداً ميدانياً لمعسكر زمزم للنازحين الذي يبعد نحو 15 كيلومتراً جنوب مدينة الفاشر، فضلاً عن لقاءات مع عدد من المنظمات والهيئات الدولية العاملة وقادة الإدارات الأهلية، وزيارة إلى جامعة الفاشر وقرية طرة شمال عاصمة الإقليم.

كما التقى غودفري ناشطين من شباب لجان المقاومة في مدينة الفاشر واستمع لهم حول كيفية وإمكانية مساعدتهم وضمان سماع أصواتهم في الحوار والمناقشات الجارية حول اتفاق مستقبلي محتمل يقود إلى حكومة مدنية جديدة.

وأضاف السفير الأميركي في تصريحات صحافية أن زيارته هدفت إجمالاً إلى التعرف على الأوضاع بإقليم دارفور، فضلاً عن سير تنفيذ اتفاق جوبا للسلام وقضايا التنمية والاستقرار بدارفور، وبحث سبل تطوير العلاقات الثنائية بما يمكن أميركا من الاضطلاع بدور أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في السودان عامة وإقليم دارفور على وجه الخصوص.

في تغريدة له على “تويتر” أوضح غودفري “زرت صباح اليوم معسكر زمزم للنازحين وأكدت للسكان مجدداً أن دارفور منطقة ذات اهتمام تاريخي عميق للولايات المتحدة، وأننا سنواصل دعم جميع الجهود لتحقيق سلام دائم بالمنطقة”.

دلالات الزيارة

لكن كيف ينظر المراقبون والمتابعون إلى دلالات هذه الزيارة الاستهلالية في مهمة السفير الأميركي الجديد القادم إلى السودان بعد طول غياب دام 25 عاماً، ولماذا اختار غودفري دارفور كأولى محطات زياراته الميدانية؟ وماذا يتوقعون منها؟

في السياق يرى الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن الزيارة في هذا التوقيت تحمل دلالات عدة، منها تأكيد الاهتمام الأميركي بالوضع في إقليم دارفور الذي شهد أفظع انتهاكات حقوق الإنسان خلال القرن الماضي، وتأكيداً على استمرار الجهود الأميركية في مساندة المتأثرين بانتهاكات حقوق الإنسان بدارفور، فضلاً عن رغبة السفير في التعرف على ما تم تنفيذه بموجب اتفاق سلام جوبا والأثر القاعدي لذلك، ما يؤكد أيضاً اهتمام الولايات المتحدة بالسلام والوضع الأمني في دارفور وفي السودان.

وقال حسن إنه على ضوء هذه الزيارة قد تتضح الرؤية أكثر للسفير الأميركي بشأن ما يحدث من خلال لقاءاته مع جميع الأطراف من ذوي الصلة، كما أنه كان قد بادر بزيارة هيئة محامي دارفور واستمع لرؤيتها الواضحة حول الوضع هناك وما يخص اتفاق جوبا للسلام وأثره.

وأضاف الأمين العام لهيئة محامي دارفور أن الأطراف التي التقى بها السفير الأميركي حدثته بوضوح عن مآلات الأوضاع والنتائج المحتملة من جراء الوضع غير السليم في الدولة، إلى جانب سيادة ثقافة العنف وغياب أي خطط أو استراتيجيات واضحة للحركات المسلحة المنضوية للسلطة بموجب اتفاق جوبا، ما ينذر بدخول المنطقة كلها في حال من الفوضى العارمة نتيجة انتشار السلاح واستغلال رمزية القبائل في الصراعات والنزاعات المحلية.

وأوضح أن الولايات المتحدة هي القوى الرئيسة حالياً في العالم، غير أن هناك وجوداً لروسيا والصين في دارفور والسودان، فضلاً عن تمدد شركات مجموعة “فاغنر” الروسية الأمنية وتوارد معلومات عن تزايد أنشطتها بدارفور واستغلال الأوضاع في الإقليم بنقل السلاح منها إلى ليبيا ومناطق أخرى.

تقاطع المصالح

وأضاف الأمين العام لمحامي دارفور أنه “من المؤكد أن السودان صار محوراً لتقاطع المصالح الدولية، لذلك فإن لهذا الاهتمام الأميركي ما يبرره في إطار التنافس الدولي وقيام النظام الحالي بإنشاء شراكات مع دولة روسيا، وبروز فاغنر في تدريبات قوات الدعم السريع وزيارة حميدتي لدولة روسيا وما وراءها من أهداف مبطنة وكثير من الخفايا التي قد لا نعلم ببعضها”.

وأشار حسن إلى أن اتفاق جوبا لم ينجز أي تأثير حقيقي على الأرض، كما كشف تطبيقه عما به من قصور، إذ تحول لمجرد قسمة ومحاصصة ما يضعف فرصه المستقبلية، لافتاً إلى أنه من غير المنتظر أن ينتج من تطبيقه أي أثر إيجابي على مجتمع دارفور لجهة التحولات التي حدثت فيه بحيث صارت لجان المقاومة هي التي تعبر عن المجتمعات المحلية بعد أن فقدت الحركات المسلحة التعاطف المحلي وانشغلت بتوزيع المغانم والمكاسب الذاتية لعضويتها.

ودعا الأمين العام لمحامي دارفور المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلى النظر لمآلات الأمور بالرؤى التي تعبر عنها المجتمعات المحلية وتنتجها من ذواتها من دون وكلاء وعدم الانشغال باتفاق سلام جوبا، لأنه لن يأتي بأية نتائج إيجابية، بعد أن كشفت الممارسات أنهم يستخدمون الشعارات المرفوعة للمزايدة والحصول على المكاسب الذاتية.

شكاوى النازحين

على المنحى ذاته أكد المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور آدم رجال أن زيارة السفير الأميركي الجديد إلى دافور عامة والنازحين تكتسب أهمية خاصة بعد غياب طويل لنحو عقدين من الزمان.

كشف رجال لـ”اندبندنت عربية” عن أن قيادات النازحين أبلغت غودفري خلال زيارته إلى معسكر زمزم في الـ11 من سبتمبر بالوضع الأمني والغذائي المتهور بالمعسكر وتعرضهم للاعتداءات حال خروجهم من المعسكر لكيلو مترات قليلة، مشيرين إلى اعتصامهم القريب احتجاجاً على تردي الأوضاع الإنسانية بالمعسكر بعد تقليص حصص الغذائية بواسطة المنظمات وإسقاطها لحصة شهرين كاملين، ما خلف وضعاً صعباً أدى إلى انتشار سوء التغذية وسط الأطفال والمسنين داخل المعسكر.

وقال رجال إن قيادات النازحين أبلغوا السفير أيضاً أنهم لم يكونوا جزءاً من اتفاق جوبا للسلام ولم يحقق مطالبهم وقضاياهم المتمثلة في الأمن والتعويضات والعدالة الاجتماعية والانتقالية، إلى جانب تسليم المطلوبين في جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية.

من جانبه يرى الأكاديمي الزمزمي بشير أن زيارة السفير الأميركي الجديد إلى دارفور كأولى محطات جولاته الميدانية تعبر عن اهتمام كبير من الإدارة الأميركية بالإقليم الذي ظل منذ عام 2003 في حالة من الاضطراب والاقتتال والفوضى التي أوصلت السودان إلى الفصل السابع، تبعه استقدام بعثة أممية كبيرة لمراقبة السلام في هذا الإقليم.

الدعم الأميركي

وتابع بشير “على رغم توقيع عدد من الحركات المسلحة على اتفاق السلام باستثناء عبد الواحد محمد نور قائد الفور الموجود في مناطق جبل مرة، لكن هناك تأخراً في تنفيذ الاتفاق نتيجة الصعوبة في توفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك، باستثناء بعض الخطوات البطيئة بتخريج الدفعة الأولى من قوات تأمين دارفور التي تضم القوات المسلحة والدعم السريع والحركات الموقعة على السلام”.

وأوضح أن دارفور حظيت في الماضي بدعم كبير من الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً خلال فترة دخول البعثة الأممية الهجين في 2013، أكبر البعثات التي شاركت فيها كل من الصين وروسيا وعديد من دول العالم، إذ كانت تنال ما يقارب مليار دولار سنوياً من الإدارة الأميركية كدعم لوجيستي، لافتاً إلى أن قوات الحركات لا تزال موجودة داخل مدن دارفور وفي الخرطوم وتحتاج إلى الدعم أكبر من أجل إتمام عملية ترتيبات المرحلة المقبلة.

لفت المحلل الأكاديمي إلى أن منطقة شرق وغرب أفريقيا تعتبر كلها مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، وهي منطقة نفوذ بريطاني سابق تسعى إلى التمدد فيها، فضلاً عن كونها محاذية لمناطق النفوذ الفرنسي في تشاد وأفريقيا الوسطى بالتالي فهي تكتسب أهمية استراتيجية ما يفسر الاهتمام الأميركي المتزايد بما يدور فيها، وكل ذلك في مواجهة النفوذين البريطاني والفرنسي اللذين كانا مهيمنين هناك لفترات طويلة.

يخلص المحلل السياسي إلى أن زيارة السفير الأميركي الجديد الميدانية إلى أرض الواقع في دارفور من شأنها أن تسهم بدفع استكمال اتفاق سلام جوبا، وربما تؤتي ثمارها أولاً في دعم إكمال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية.

عودة الاهتمام

وكان متخصصون ودبلوماسيون اعتبروا عودة التمثيل الدبلوماسي الأميركي بالخرطوم إلى درجة السفير بعد ما يقارب ربع قرن دليلاً على واقعية تعاملها مع التطورات السياسية التي تعيشها البلاد، ورغبتها في مواصلة الجهود الرامية إلى إيصال الفترة الانتقالية إلى مرحلة التحول الديمقراطي الكامل في نهايتها، فضلاً عن اهتمام واشنطن بأهمية السودان الجيوسياسية في المنطقة العربية والأفريقية والبحر الأحمر على وجه الخصوص، وانطلاقاً من أهمية السودان في الإطارين العربي والأفريقي.

وكانت واشنطن قد قلصت تمثيلها الدبلوماسي بالخرطوم في نهاية 1996 إلى القائم بالأعمال بالإنابة وفرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، رداً على ما وصفته برعايتها للإرهاب وتهديدها المصالح الأميركية جنوب الصحراء.
وتسلم السفير الأميركي الجديد جون غودفري مهمات عمله بالخرطوم في الـ24 من شهر أغسطس (آب) الماضي.

* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع