السياسية :

بقلم: جيمس زوبي

ترجمة: انيسة معيض-الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

قبل ثلاثة عقود، كنت في زيارة لإلقاء محاضرة برعاية السفارة الأمريكية في اليمن قبل الانتخابات الوطنية عام 1993.

وبعد إلقاء المحاضرة في إحدى الجامعات بصنعاء، التقيت قادة مختلف الأحزاب السياسية – في مكاتبهم أو في “جلسات القات” بعد الظهر، وسمعت في كل اجتماع شكاوى حول السلوكيات القمعية والمناهضة للديمقراطية للحزب الحاكم آنذاك.

بعضها كان فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان؛ والبعض الآخر من الشكاوى كان يبدو بسيطاً ولكن لا يزال يهدد بديمقراطية جديدة وهشة –  كقولهم “إنهم يمزقون شعاراتنا”، أو “يوزعون الأموال لشراء الولاءات” أو “إنهم يضايقون المتطوعين”.

على هذه الشكاوى الأخيرة، أود أن أرد على “أننا واجهنا هذه المشكلة في ميشيغان” أو “نسميها” تجوال حول المال “ورأينا ذلك في فيلادلفيا” أو “واجهنا هذا النوع من المضايقات من [الديمقراطيين] دائرة الحزب خلال حملة جيسي جاكسون عام 1984 “.

وذات مرة، عندما سألني مرافقي في السفارة الأمريكية لماذا أقول هذه الأشياء، أجبت: “لأنها الحقيقة، لن أتظاهر بأننا مثاليون، إذا فعلت ذلك، فلماذا يعتقد أي شخص أنه يمكن أن يقلدنا؟” وواصلت الإشارة إلى أنه على الرغم من أننا لسنا مثاليين، إلا أن لدينا نظاماً يوفر لنا الفرصة لمحاسبة المخالفين، مما يسمح لنا بتصحيح أخطائنا وتتبع الانتهاكات، لا أعتقد أنني أستطيع أن أقول ذلك اليوم.

بينما لا يزال بعض الأمريكيين متمسكين بالاعتقاد بأننا “المدينة المشرقة على مرتفع”، نموذج الجمهوريات الديمقراطية الناشئة في جميع أنحاء العالم، ما أصبح واضحاً بشكل مقلق هو أن نظامنا السياسي في خطر.

نحن نعرض للعالم أن الانتخابات الحرة والنزيهة وحماية الحقوق الشخصية والسياسية هي أسس النظام الديمقراطي.

نحكم على البلدان الأخرى من خلال مدى توفرها لكليهما ولكن في حين أن هذه قد تكون الأسس، فإن المساءلة والاحترام المتبادل بين الفائزين والخاسرين هم الاساس الذي يبقي هذه اللبنات في مكانها.

بدونهم، فإن الصرح بأكمله معرض لخطر الانهيار، للأسف، فإن الآثار المدمرة لغياب المساءلة والمجاملة تلقي بظلالها على الولايات المتحدة اليوم.

الأمثلة كثيرة: إدارة جورج دبليو بوش اختلقت أسباب الحرب في العراق وأصدرت قوانين وأوامر تنفيذية انتهكت الحقوق الأساسية لكل من المهاجرين القانونيين والمواطنين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية المروعة.

كما أعدوا وثائق “قانونية” تشرعن استخدام التعذيب، لم تكن هناك محاسبة على التلفيقات أو الأكاذيب أو استخدام التعذيب.

وبالطبع تمرد 6 يناير 2021 وأعمال التحريض الإجرامية التي سبقته (وما زالت) تطالب بالمساءلة.

ومع ذلك، رفض الكونجرس المنقسم إجراء تحقيق كامل من الحزبين، مما أجبر الديمقراطيين على المضي قدماً مع عدد قليل من الجمهوريين الشجعان الذين خاطروا بحياتهم المهنية للانضمام إلى الجهود لكشف الحقيقة حول هذا التهديد غير المسبوق للديمقراطية الأمريكية.

ما كان يمكن أن يكون بحثاً موحداً عن المساءلة يتم تحديه الآن من قبل الجمهوريين باعتباره مجرد حيلة حزبية.

يواصل الجمهوريون البارزون التأكيد على أن انتخابات 2020 قد سُرقت، وأن أتباعهم يخوضون الانتخابات ويفوزون بها لشغل مناصب حساسة ستشرف على الانتخابات المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، مع وجود تشريعات جديدة في العديد من الولايات ستزيد من صعوبة التصويت، قد تكون الانتخابات الحرة والنزيهة في خطر.

إذا كان غياب المساءلة يشكل تهديداً للنظام الديمقراطي، فإن استقطاب السياسة ضار أيضاً.

كان هناك وقت كانت فيه الأحزاب، على الرغم من خلافاتهم، تتحد لتمرير تشريعات من أجل المصلحة الوطنية والإذعان للبيت الأبيض بشأن التعيينات الرئاسية.

دعم بعض الجمهوريين الحقوق المدنية وتشريعات الصحة والسلامة وأقروا الميزانيات، بينما دعم الديمقراطيون تخفيضات الضرائب والإصلاحات التعليمية للرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش.

وافق الجانبان على التعيينات والترشيحات للمناصب العليا من قبل رؤساء الحزب المعارض.

بدأ نيوت غينغريتش، الذي أصبح رئيساً لمجلس النواب في عام 1993، نظاماً جديداً في السياسة الأمريكية.

سحابة من الدخان والغبار تتصاعد بعد انهيار جزء من صوامع الحبوب في ميناء بيروت، قبل أيام من إحياء البلد للذكرى الثانية للانفجار المميت في الموقع/ وكالة فرانس برس

 

أصبح الكونجرس نادياً حزبياً يستخدم لقمع إدارة بيل كلينتون ومضايقته لمدة ست سنوات، واختراع فضائح للتحقيق قبل أن ينجح أخيراً في عزله بسبب الكذب بشأن لقاء جنسي مع متدربة في البيت الأبيض.

لقد ازداد هذا الخلل الوظيفي الحزبي قبحاً بمرور الوقت – ووصل اليوم إلى أبعاد كارثية لدرجة أن الكونجرس غير قادر على حشد الأصوات اللازمة لتمرير تخصيص لقاحات للحماية من المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا.

بدلاً من “مدينة على التل”، أصبحنا مثلاً فيما يمكن أن يحدث بدون مساءلة ومجاملة سياسية، واختلالاتنا تحاكي تلك الموجودة في لبنان، حيث تمنع الطائفية المساءلة عن اغتيال رئيس وزراء أو انفجار مميت في ميناء بيروت.

أو مثل “إسرائيل”، حيث يحاكم رئيس الوزراء السابق بتهمة الفساد واستغلال النفوذ لإحباط التشريع الذي يفضله أنصاره للحيلولة دون إعطاء انتصار لخصومه.

أو مثل العراق، حيث تمنع الأحزاب الخاسرة الفائزين من تشكيل الحكومة ويستولي الفائزون المحبطون على البرلمان مطالبون بانتخابات جديدة.

نحن لسنا بعد مثل بعض البلدان التي يمر فيها السلوك الإجرامي دون عقاب، والانقسامات الأيديولوجية تسبب الشلل، وعدم المجاملة يؤدي إلى الفوضى.

ولكن ما لم نلقي نظرة فاحصة طويلة في المرآة، ونتعرف على الأزمة التي تواجهنا ونتخذ إجراءات تصحيحية، فهذا ما نتجه إليه.

  • صحيفة “The National – ذا ناشيونال” البريطانية
  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع