قال الاعلامي اللبناني، يحيى حرب، ان ايران ربحت الحرب النووية، وبانتظار الاقرار الرسمي بنتائجها، وتخوض اليوم اخر معاركها ضمن معادلة “رابح-رابح”، مؤكدا ان الجمهوريةالاسلامية باتت قاب قوسين او ادنى من قطف ثمار جهاد شعبها وحكمة قيادتها عقودا طويلة.

و احرزت ايران تقدماً جيداً نسبياُ في ما يخص المفاوضات النووية، الا ان الجمهورية الاسلامية حتى الان لم تتلق أي رد من الاطراف الاخرى وتحديدا من الحكومة الامريكية على المقترحات التي طرحتها.

فلقد كانت إيران على الدوام تحضر في المفاوضات سواء في الفترة الماضية أو في الفترة الأخيرة، وبعد تلقي مقترحات الجانب الأوروبي استجابت في الوقت المناسب و أظهرت المرونة اللازمة من أجل تحقيق اتفاق يحقق مصالحها وتحافظ على حقوق الشعب الايراني.

فالكثير من المحللين يعتقدون أن الحكومة الأمريكية هي المسؤولة عن الأوضاع الحالية لخطة العمل الشاملة المشتركة، وبعبارة أخرى، هي مسؤولة عن عدم تنفيذ الاتفاق حتى الآن ومسؤولة عن الوضع الحالي.

وفي هذا الشأن أجرت وكالة مهر للأنباء، حواراً صحفياً مع الكاتب والاعلامي اللبناني “يحيى حرب”، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

السياسية ـ متابعات:

* يتحدث الاعلام الصهيوني او التابع له عن تنازلات ايرانية، وان الكرة في ملعبها وما الى ذلك من توصيفات للدلالة على نجاح الغرب في مفاوضاته مع الجمهورية الاسلامية… فما حقيقة الموقف؟

لم يعد الاعلام مصدرا وحيدا للمعلومة ومقاربة الحقيقة، وقد بات احدى ادوات المعركة، في اي مواجهة سياسية او عسكرية… بل ان النظر العقلي للمشهد اليوم يكشف بلا جدال، ان ايران ربحت الحرب النووية، بانتظار الاقرار الرسمي بنتائجها… وهي تخوض اليوم اخر معاركها ضمن معادلة رابح رابح…

فاذا وقع الاتفاق وأذعنت واشنطن، وسلمت بالحقوق الايرانية، تكون طهران قد حققت مكاسب مادية وسياسية ومعنوية لا تخفى!! واذا استمر التردد الاميركي، والاضطراب في المعسكر الغربي، فان قلق هذا المعسكر سيتفاقم على جبهتين: “الاولى التقدم المتسارع في البرنامج النووي الايراني، واقترابه من نقطة اللاعودة… والثانية تعاظم الخسائر والمآزق على جبهتي الكيان الصهيوني والدول الاوروبية”.

ولكي تتضح الصورة اكثر يجب النظر اليها في اطارها العام، قبل التأمل في تفاصيلها الدقيقة… وهنا نقف عند طرفي النزاع الاساسيين: “ايران والغرب بقيادة الولايات المتحدة”. وبنظرة بسيطة غير متعجلة يمكننا القول ان المعسكر الايراني متماسك في ادارة ملفاته، واضح في تحديد اهدافه، مهني متميز في تكتيكاته التفاوضية، وسياساته الاعلامية. فالموقف الايراني واحد.

وحتى في حال الخلاف في وجهات النظر، يعمد المعنيون في شؤون الملف النووي لمناقشة ارائهم في غرف مغلقة، وضمن مؤسسات ذات اختصاص… كل ذلك ضمن استراتيجية قوامها المصلحة الوطنية، ورؤية النظام الاسلامي الشاملة لواقع الامة، وحاجاتها التي يرعاها قائد الثورة في النظام الاسلامي المعتمد… وهذا النظام يتمتع بمرونة لا سابق لها لا تخل بالمبادئ الجوهرية في تعامله مع القضايا السياسية.

وفي المقابل فان المعسكر الاميركي، اقل ما يقال فيه انه متكسر، متناقض، متردد في كل خطوة يخطوها… فالخلافات الحادة تعصف في قلب هذا المعسكر، بحيث لا يتفق الجمهوريون مع الديمقراطيين على شيء! وفي كل فريق صقور وانتهازيون واصحاب مصالح متقلبة… والدليل هو المهزلة الاميركية، بأن يلغي رئيس جديد كل ما وقع عليه رئيس سابق! وعجز هذا النظام الامبريالي عن اعطاء الضمانات، لاحترام توقيعه على معاهدات دولية واتفاقات خارجية، مع دول اخرى وبرعاية مجلس الامن!! فكيف يمكن ان يكون هذا النظام موثوقا؟ وكيف يمكن لايران وغير ايران ان تتعامل معه، في هذه القضية او غيرها؟.

اما الجناح الثاني لهذا التحالف الغربي فهو الجناح الاوروبي الكسيح. وقد تفاقمت مشكلته التي كانت قائمة اصلا منذ عقدين من الزمن، باندلاع الحرب الاوكرانية، بحيث باتت اوروبا كلها رهينة مستلزمات هذه الحرب، وسط قلق عارم من مخاطرها امنيا واقتصاديا، وعلى مستوى الطاقة خصوصا… ولطالما تجاهل الاخ الاميركي الاكبر حاجات الاوروبيين ومصالحهم، بل داس عليها بعربات جشعه وجنون العظمة الذي اصابه… الا انه اليوم بحاجة ماسة لمراعاة ظروف القارة العجوز التي يريدها ناب ذئب، لمواجهة روسيا وافتعال الحرب معها.

* لماذا يتحدث البعض اليوم عن ان الكيان الصهيوني هو اكبر الخاسرين من حل المسألة النووية؟ ولماذا هذا القلق الصهيوني في وقت يملك فيه هذا الكيان سلاحا نوويا ويحظى بالرعاية الغربية الكاملة؟

واقع الحال ان الصراع حول ما يعرف بالبرنامج النووي الايراني لا يدور بين طرفين وحسب، بل هناك طرف ثالث، هو الصهيوني، لا يجلس على الطاولة، بل يختبئ كالشياطين، خلف الاميركي والاوروبي، او حتى وكالة الطاقة الدولية، ويطل برأسه بين الحين والاخر.

شبحان يخيمان على المشهد اليوم، في دوائر اتخاذ القرار الاميركي حول توقيع الاتفاق النووي الجديد مع ايران: “شبح الصهيوني المهزوم! وشبح الصقيع المتأهب في اوروبا”…

وواقع الحال انه لم تعد هناك امكانية للتسوية أو المهادنة بين هذين النقيضين… ولم يعد باستطاعة اوروبا مراعاة المصالح الصهيونية على حساب مصالح شعوبها، بعد ان وصل السكين الى اللحم الحي، وباتت الازمة في عقر دارها وتمس استقرار انظمتها.

الطرف الصهيوني صوت اساسي في اروقة المفاوضات دون ان يكون جزءا رسميا من العملية… وهذا الطرف له اجندته المختلفة تماما… فهو ينظر الى ايران كتهديد وجودي، بقدراتها النووية أو من دونها… وبالتالي فانه يعارض اي اتفاق مع ايران، ومصلحته ادامة الصراع!! بل تفجير المنطقة بحرب لا تبقي ولا تذر، ان استطاع الى ذلك سبيلا!!.

لكن هذا الجنرال الصهيوني الهرم لم يعد ورقة رابحة، يمكن تأجيرها لخدمة المصالح الامبريالية، ولا ابتزاز العالم لانعاش كيانه المأزوم… بينما الجنرال صقيع يتبخطر في شوارع اوروبا، منذرا ومحذرا الشعوب الاوروبية. والتناقض بين الحليفين الاستراتيجيين لواشنطن يتبدى في احتمالين اساسيين:

الاول ان اوروبا تحت وطأة ازمتها الاقتصادية وحاجتها للطاقة، وخسارتها للنفوذ الخارجي، مستعدة للقبول بايران مع برنامج نووي خاضع للرقابة… والتعايش مع خلافاتها الثقافية والسياسية مع ايران، بشأن الازمات في المنطقة، ومن ضمنها القضية الفلسطينية… ولكن ذلك يفجر مشاعر الذعر داخل الكيان، وهو يرى ان قوى محور المقاومة تنمو بمعادلة هندسية، وتطوقه بشكل محكم، وتشل قدرته على الحركة يوما بعد يوم… لذا فهو لن يرضى طوعا بأي تساهل مع ايران ومحورها…

وفي المقابل فان الاميركي والاوروبي يجدان نفسيهما امام حالة انعدام الخيارات، في مواجهة ايران… فخيار الحصار أفشله الشعب الايراني، وحولته قيادته الى فرصة للنمو وبناء القدرات الذاتية! والحل العسكري انتحار وتدمير لمصالح الغرب لعقود طويلة! اما مواصلة سياسة التسويف والمماطلة، وهو ما يريده الكيان الصهيوني، فلم تعد خيارا اوروبيا مقبولا في ظل ازمتها الاقتصادية، التي تنذر بأن تكون وجودية ايضا…

واعتقادنا ان الاميركي بحاجة الى اوروبا اليوم اكثر من الكيان الصهيوني، الذي سيكون الخاسر الاكبر في ظل اي اتفاق، ايا كان مضمون هذا الاتفاق… وشيئا فشيئا يتحول الكيان المؤقت الى عبء على مموليه وداعميه، ليتآكل من داخله، ويفقد دوره الوظيفي.
** هناك حديث متواتر عن تغيرات اقليمية تعيد رسم الخرائط السياسية، وسط معركة على النفوذ والادوار الاقليمية، والامر نفسه ايضا على الصعيد العالمي، فكيف يمكن النظر الى مستقبل دول الخليج العربية من خلال ذلك؟

لا شك في ان اوروبا تعيش واحدة من أسوأ لحظاتها التاريخية، اذ تتحسس قدميها وهي تبحث عن مكانٍ لها في العالم، بعد انخفاض نفوذها وتأثيرها، وهي اذ خسرت دورها الامبريالي العالمي منذ سنوات، واثبتت ضآلة تأثيرها في محيطها الاقليمي مع انطلاق هجمة الثورات الملونة والربيع العربي، لاعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية في الدائرتين الشرق اوسطية والاوروبية، تؤكد اليوم انها عاجزة عن ادارة الازمات والتصدي للتهديدات التي تداهمها في بيتها الداخلي اي في القارة الاوروبية.

ولكن الملاحظ ايضا ان الكيان الصهيوني يتراجع الى ما يقرب من حالة انعدام الوزن، وهو في سباق مع الزمن لتأكيد وجوده، والحفاظ على امنه، بعد ان اصبحت مرحلة التوسع والهيمنة من اساطير الماضي…

هذا الاتجاه التراجعي يشمل بالضرورة منطقة الخليج العربية بدولها واماراتها ومشيخاتها، ودولا اقليمية اخرى مثل مصر والمغرب… فما هو القاسم المشترك بين هذه الحالات؟، المراقب لحركة دول الخليج في العشر سنوات الماضية، يلاحظ اولا التفاوت الكبير بين طموحاتها السياسية وامكاناتها الحقيقية، ويلاحظ ثانيا الارتفاع المفاجئ والهبوط السريع للمكانة والادوار التي انبرت للقيام بها.

واذا عدنا الى الارشيف الصحافي لاستعراض سياسات ومواقف النظام السعودي، والتصريحات العنترية التي صدرت عن حكامه منذ العام 2015 واوهام عاصفة الصحراء، واحلام الدور الاقليمي ومصادرة القرار العربي، والهيمنة الجغرافية والسياسية على المنطقة من اليمن الى لبنان مرورا بقطر والعراق وسوريا!! فاننا نتفاجأ اليوم بالانحسار السريع لهذه الاوهام، وعودة هذه الدولة الغنية الى القلق على مصيرها، وامنها واستقرارها.

المسافة كبيرة جدا بين السعودية بداية عهد الملك سلمان وابنه والسعودية اليوم، وهي مسافة لا تغطيها ست سنوات، بل هو انهيار يعكس حجم الزلزال الذي ضربها… وهو ما لا يمكن تفسيره الا بأمرين: “هشاشة الوضع الداخلي، وعجز العائلة المالكة عن بناء دولة حقيقية، متماسكة بوحدة شعبها، قوية بتحالفاتها وعلاقاتها السياسية، وصلبة ببنيتها التحتية، ماديا واجتماعيا”.

والامر الثاني ان هذه الدولة ليست الا كيانا وظيفيا، يكسب اهميته من حاجة القوى الخارجية الراعية له، فتزداد هذه الاهمية وتضمحل على وقع المصالح الخارجية وقوة المشغل الحقيقي… والذي يفسر كل هذه الدائرة من التراجعات والازمات المتناسلة، هو فشل قلب هذا النظام الامبريالي العالمي، الذي يسير حثيثا في اتجاه الانهيار والسقوط، الامر الذي ينعكس على ادواته، سواء في الخليج او اوروبا او الكيان الصهيوني.

* الى اي حد يمكن للنظام السعودي اعادة التموضع السياسي والاقتصادي، ضمن الصورة المضطربة التي يواجهها العالم اليوم؟

لم تمر مرحلة كان فيها النظام السعودي بهذا الضعف، وعدم وضوح الرؤيا التي يعانيها… بل ان المراقبين يرصدون حالة من التقوقع السعودي، والغياب شبه التام عن الاحداث الاقليمية والدولية… مظاهر ذلك كثيرة ولا تخطئها العين، الا ان اسبابها تكمن في استمرار حالة الحرد والمناكفة بين محمد بن سلمان وراعيه الاميركي.

كل ما قيل عن رغبة النظام السعودي في تنويع علاقاته الخارجية، وزيادة جرعة تجارته مع روسيا والصين على حساب روابطه مع الغرب الاميركي والاوروبي، مجرد قراءة سطحية، لا تعدو كونها انشغالا بتكتيكات غير متقنة يمارسها ابن سلمان، لاستدراج عروض الدعم الاميركي، والتبني له ومبايعته ملكا على السعودية.

ويبدو ان زيارة بايدن للسعودية لم تقنع محمد بن سلمان بأن واشنطن كفت عن التآمر عليه… ولهذا فقد كثف الاعلام السعودي حملته على الهيئات الدينية ورجال الصحوة، باعتبارهم الاداة الفعلية بيد الامير محمد بن نايف، ومن ورائه المخابرات الاميركية، التي لا تشعر بالارتياح للعلاقات المشبوهة بين محمد بن سلمان والمجموعات اليمينية المحيطة بالرئيس السابق دونالد ترامب، وتسعى لمحاسبته على ذلك.

الزيارة الترويجية اليتيمة التي قام بها محمد بن سلمان الى مصر والاردن وتركيا، لم تغير من الواقع شيئا! ولم تفتح ثغرة في الحصار الذي يخنق الامير السعودي!… فلم نشهد اي تحسن في العلاقات مع تركيا، بينما عادت العلاقات مع مصر الى التوتر، خلف الستار، وهو ما عبرت عنه قمة العلمين في 23 اغسطس الماضي، التي غابت او غيبت عنها السعودية…

مجمل القول ان السعودية تعيش حالة من العزلة عن الاحداث التي تعصف في المنطقة، مع بقاء دورها السلبي والتحريضي على الفتنة في لبنان وسوريا والعراق، ناهيك من مواصلة عدوانها على اليمن… وهذا ما يجعلها اقرب الى دولة الاحتلال، في الوسائل والاهداف… في وقت يقف النظام السعودي حائرا: هل يعلن تحالفه مع الكيان الصهيوني ام يبقى في مرحلة المناورة بانتظار التطورات؟

* المصدر : (وكالة مهر للأنباء)
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع