التسليم المطلق أساس الوعي للمؤمن
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
يطوف الناس حول الكعبة ويقبلون الحجر الاسود ولا يعلمون لماذا يقومون بذلك غير انه ناتج عن تسليمهم المطلق لله سبحانه وتعالى كما انهم يقاتلون في سبيله ويسفكون دماءهم وارواحهم غير انهم يعلمون لماذا يقومون بذلك في اطار ايضا التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى في اطار الوعي فالتسليم الواعي هو جزء من التسليم المطلق لله عز وجل وهناك تسليم لانبياءه واولياءه .
كل مخلوقات الله في السماوات والأرض تحت قدرة وادارة وقوة الله سبحانه وتعالى وأعطيت جميعها بمن فيهم الانس والجن والملائكة الخيار في التسليم لله عز وجل بين ان تسلم له طوعا او كرها فاستجابت السماوات والأرض طوعا ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) وهناك من الجن والانس من أصبح في اطار التسليم وهو غير راغب اي انه في حالة عصيان وانحراف غير ان ذلك لا يمنعه او يعطيه قدره ليخرج عن اطار قدرة وقوة الله وسيطرته ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَـمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) فيجزي الذي سلم له طوعا بالحسنى ويجزي الذي سلم له بالاجبار بالعذاب.
وهنا يأتي التساؤل الهام جدا عن كيفية التسليم لله سبحانه وتعالى ؟ وهنا يأتي دور الكتب السماوية والرجال الذي يوضحونها ويعلمونها للناس متمثلين في الانبياء والرسل والأولياء فيحركون الناس بالقران الكريم وليس بغيره على الاطلاق حيث ان القران ما فرط الله فيه من شيء وتأتي ما تسمى أحاديث النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم في نطاق القران الكريم ان انها جزء من القران وليست منهجية بحد ذاته منفصلة او مكملة عن القران فالنبي مسلم تسليما كاملا لله سبحانه وتعالى في كل اوامره ونواهيه ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) وهناك قضايا كان النبي يعلم خلفياتها فيوضحها للناس وهناك قضايا كان لا يعلم خلفياتها في تلك اللحظة ايضا فيأمر الناس والنتيجة النهائية هي التسليم المطلق للنبي الذي هو تسليم مطلق لله لان النبي لن يتقول عن الله شيئا بعيدا عما يريد الله ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) ) ومصداقية النبي هي تعكس مصداقية من اختاره اي مصداقية الله لذا وجب علينا ان نسلم تسليما مطلقا للنبي سواء وعينا وفهمنا خلفيات الامور ام لم نعرفها لذا جاء الله بقصة نبي الله موسى مع الرجل الصالح ليوضح الله لنا من خلالها ان هناك قضايا قد تؤلمنا وتوجعنا غير ان نتائجها عظيمة وخير لنا وما علينا إلا ان نسلم لله سبحانه وتعالى في كل جوانب حياتنا شرط أن نكون متحركين كما يريد الله عز وجل واثقين بالعقبى انها خير .
وبالمثل ينطبق الحال على الذي يختارهم النبب محمد من بعده ليمثلوه في فترات عدم تواجده حتى اخر الزمن ( شيئان ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي ابدا … كتاب الله وعترتي أهل بيتي فان العليم الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وال بيت رسول الله مصداقيتهم من مصداقية رسول الله الذي هو مصداقية الله اي الامام علي ومن اختاره من بعده مرورا الى يومنا متمثلا بالسيد عبدالملك الحوثي الذي تتجسد فيه كل علامات وأدلة وبينات ولي الأمر الذي يتحرك بالقران كتحرك الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم والذي لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يأتي بأي تحرك او توجه خارجا عن القران كتلك الاطروحات المنحرفة وان جلد ظهرك وأخذ مالك لأن هذه منهجية خط الإنحراف في الأمة وهنا أتضحت الرؤيا لمن يجب ان نسلم لهم تسليما مطلقا في كل امورنا التي تتضح لنا ويوضحها لنا وتلك التي لا تتضح لنا ولكن نثق في نتائجها المستقبلية ومن امثلة ذلك (تحالفه مثلا مع عفاش وكيف كانت كثير من النفوس متضايقة غير ان النتائج جائت بما لم نكن نتوقعه في الجانب الايجابي ) .
نأتي الآن للنوع الثالث الذي تضمنته الآية الكريمة بقولها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) توضح الاية ان هناك طاعة مطلقة لله والمتمثل في القران الكريم ( الرابط بيننا وبين الله) والرسول (ومن يدخل في مسار الرسول ممثلا بأعلام الهدى والذي يتحركون بالقران) وهناك طاعة غير مطلقة بل طاعة واعية في اطار الحق وهذا يتمثل في أولي الأمر مننا (وأولي الامر منكم) الذين من بيننا في اطار الحق والقران ويخرج من هؤلاء من يتولى اليهود والنصارى الذين يتحولون الى منهم وليسوا مننا (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) لذا يكون النوع الثالث هم رئيس الجمهورية ومن تحته من النظام اصحاب القرار والذي وضح الله في سياق الاية انهم مننا اي مستوى وعيهم القراني مثلما هو مستوانا (منكم) لذا قد يحصل خلاف ونزاع بيننا وبينهم لذا قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) ولم يقل والى اولي الامر لأن النزاع بيننا وبينهم اساسا لذا نعيد المشكلة ليحلها الله عبر القران الكريم وولي الامر الذي يستوعب القران أشمل وأوضح واكمل ويتكلم بالحلول من القران والذي يحل كل مشاكلنا بطبيعة الحال لذا فطاعتهم يشمل اتباعهم بالمعرفة والعلم والوعي وليس تسليما مطلقا على الاطلاق بل يجب تصحيح اي اخطاء تحدث منهم ونصحهم واستشارتهم وتنبيههم حتى اذا اصروا على خطأهم نصل الى حد الخلاف معهم ليصل الامر لعلم الهدى (خط الرسول) ليحل الخلاف وعند حل الخلاف علينا ان نسلم تسليما تنفيذا لتوجيه الله ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
نقاط اضافية لمن يضع كلاما ان الانبياء ايضا لا يمكن ان يصبروا على امور لا يفهمون مغزاها وهذا جانب الصواب جملة وتفصيلا فنبي الله ابراهيم ونبي الله اسماعيل عليهما السلام عندما أمرهم الله بعملية الذبح لم يستوضحوا من الله عن الاسباب بل انتقل الحديث بينهما البين (يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك …. الاية) وكذلك لم يستوضح ابراهيم عن اسباب أمر الله له بأن يأخذ زوجته وابنه الى وادي غير ذي زرع بلا اكل ولا ماء ولا حماية ولا امن ولا شيء بل استجاب رغم ان الامرين كانا خارج نطاق منطقنا وعقلنا وقوانينا الا ان نتائج الاستجابة المطلقة كانت عظيمة جدا ، كذلك ولي الله طالوت عندما امر جيشه الا يشرب من ماء النهر رغم انه ماء حلال زلال وايضا جيش يتحرك في مواجهة اعداء اي معركة مفصلية ويحتاجون لاكبر قدر من الامكانية لدرجة انه طرد الذين شربوا من ماء النهر رغم عطشهم الشديد رغم انها معركة مفصلية العقل والمنطق يقول ان تجمع اكبر قدر ممكن من المقاتلين ، غير ان تسليم من سلم له تسليما مطلقا من منطلق وعيهم الناتج عن ثقتهم به انه مسار الربط بالله عز وجل فجاءت النتائج عظيمة جدا , كذلك اهل اليمن في زمننا هذا عندما استجبنا للسيد ولي الله عبدالملك الحوثي للتحرك ضد العدوان رغم ان العقل والمنطق يقول ألا نجابه هذا العدو لفارق امكانيتنا لذا جاءت نتيجة استجابتنا المطلقة عظيمة جدا والامثلة كثيرة.