حزب الله في ذكرى تأسيسه
السِّجِلّ الأبرز في تاريخ حزب الله هو نجاحه في إجبار العدو الصهيوني، عام 2000، على الانسحاب من جنوبي لبنان، وإلحاقه هزيمة ثانية بهذا العدو عام 2006، بالإضافة إلى دوره الحاسم في دحر الإرهاب التكفيري ومشغّليه.
موفق محادين*
قبل الحديث عن حزب الله، من حيث نشأته وتاريخه، لا بدّ من الوقوف عند القيمة المضافة، التي مثّلها الحزب في تاريخ المقاومة العربية، ليس كأداة عسكرية فقط، بل كرافعة ومناخات للإجابة عن التحديات الكبرى.
وليس بلا معنى تأسيسه وصعوده كخيار قتالي، وسط تكالب قوى الثورة المضادة، ومحاولاتها تعميم اتفاقيات الإذعان والاستسلام، وفي خضمّ إفلاس النظام العربي برمته وأزمته البنيوية المتفاقمة، ووسط التحولات العالمية المتسارعة، بحيث لا مكان فيها للكيانات القُطرية المُتَأَكِّلة وأوهامها بشأن التنمية والديمقراطية، بمعزل عن الاشتباك مع كل ما يمثّله تحالف الشر، الأميركي – الصهيوني وأدواته في كل الحقول، من رجعيات النفط والغاز المسال، إلى الجماعات التكفيرية، والثورات الملونة والليبرالية المتوحشة.
وليس بلا معنى، أيضاً، أن يزداد الحزب قوة وثباتاً وحضوراً مع اتساع الفجوة بين الكيانات المأزومة، وبين التحديات الكبرى في كل تعبيراتها وتشكيلاتها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية.
انطلاقاً من ذلك، فإن حزب الله اليوم ليس مجرد متراس عسكري لمناضلين حدّ الشهادة، بل هو جزء حيوي من الإجابة التاريخية المطلوبة عن المشهد الراهن، بحيث تتّسع مساحة الفعل المقاوم وتَضِيق مساحة الدولة الكيانية وأوهامها، ولاسيما في هذه المنطقة، التي كانت على الدوام، ولا تزال، من أخطر مناطق التوتر وبؤره في العالم.
ثمّة حاجة اليوم إلى عقل وخطاب إمبراطوريَّين على مساحة أوسع كثيراً من رقع الشطرنج الصغيرة وأحجار الدومينو، ولا بديل عن خطاب المقاومة ورافعتها، كما حزب الله.
أمّا فيما يخصّ نشأة الحزب وتاريخه، فيُرجع بعض الكتاب اللبنانيين نشأة حزب الله كفكرة إلى اجتماع في منزل العلّامة السيد محمد باقر الصدر في النجف، صيف عام 1969، وضمّ هذا اللقاء السيد موسى الصدر.
أمّا نشأته كتنظيم فبدأت بتصدعات داخل حركة أمل عام 1982، عندما طرح حسين الموسوي، عضو مجلس قيادة الحركة، تساؤلات بشأن الأهداف السياسية للحركة. وحاول، بمساعدة إيرانية على ما يبدو، أن يُعيد توجيه الحركة لتوائم الثورة الإسلامية، ثم أقام، منذ منتصف عام 1983، ببعلبك – البقاع، حيث أسس حركة أمل الإسلامية بالتعاون، على ما يظهر، مع كتيبة من “الحرس الثوري”، كانت إيران أرسلتها إلى لبنان في منتصف عام 1982 لدعم المقاومة، وهو الأمر الذي شكّل الحافز القوي من أجل تأسيس حزب الله في عام 1982، كحركة سرية، وظل سرياً حتى عام 1984.
وكان من أهم قيادات الحزب، آنذاك، السيد نصر الله والسيد عباس الموسوي وصبحي الطفيلي وإبراهيم أمين السيد وخليل الصيفي.
وبرز الحزب من خلال الدور الذي أدّاه إلى جانب جبهة المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال والوحدات الأميركية والفرنسية، حتى إن جهات أميركية اتهمت خلاياه الأولى بالمشاركة في تدمير مقارّ وحدات المارينز الأميركية والفرنسية في بيروت، ومقتل المئات من جنودها. وهي الوحدات التي كانت احتلت بيروت، إلى جانب قوات العدو الصهيوني، في محاولة لفرض اتفاقية إذعان واستسلام جديدة على غرار “كامب ديفيد”، وانطلاقاً من مبادرة الأمير فهد. وانسحبت الوحدات المذكورة بعد خسائرها الفادحة.
أعلن الحزب في البداية أن مشروعه هو: مشروع إسلامي، لا مشروع للمسلمين، ولا لبعضهم. لذلك، فإن الحزب ليس معنياً بالصراعات الدائرة في لبنان من حيث أهدافها، ومحاولات أطراف تحسين مواقعهم داخل الصيغة اللبنانية. فالمسألة ليست صراعاً على مَن يكون رئيساً للجمهورية ومَن يكون نائباً أو وزيراً لأن “لبنان بناه الاستعمار ليصبح جزءاً من موقع المستعمرين ومواقع الغرب في منطقة الشرق الاوسط”. وبالتالي، فإن “بناء كيانية سياسية في لبنان، في هذا المعنى وهذه الظروف السياسية، يعني أننا أصبحنا جزءاً من مخطط العدو من دون أن نشعر”.
مؤتمرات حزب الله
في آذار/مارس 1985، وفي ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب، أُعلن رسمياً تأسيسُ حزب الله وجناحه العسكري، “حركة المقاومة الإسلامية”. واتَّسمت البنية التنظيمية للحزب بقَدْر عالٍ من السرية، يصعب اختراقها على أجهزة الاستخبارات الغربية، المتخصّصة بمحاربة هذا الحزب، وفي القلب منها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الموساد الصهيوني.
ومنذ تأسيسه، بات اسم حزب الله يقضّ مضاجع الغرب والصهاينة، بسبب العمليات الاستشهادية التي كان يقوم بها ضد قوات العدو الصهيوني.
استمرّ حزب الله في كتمان هوية أعضائه القياديين إلى غاية عام 1989، بحيث عقد الحزب أول مؤتمراته التنظيمية العامة. وكان أول مسؤول “رسمي” للحزب، إذا استثنينا إبراهيم أمين السيد، الذي قرأ بيانه التأسيسي العلني، هو الشيخ صبحي الطفيلي، الذي وُلد في بدة بريتال، قضاء بعلبك، عام 1948، ودرس العلوم الدينية في النجف. واتَّسمت مرحلته بالاستغراق الإشكالي في قضايا داخلية على حساب القضية الأساسية، وهي قضية الصراع مع العدو الصهيوني.
أمّا المؤتمر الثاني، الذي عقده حزب الله، فكان في 22 أيار/مايو 1991، وانتُخب فيه السيد عباس الموسوي أميناً عاماً. لكن السيد عباس الموسوي لم يظلّ كثيراً في الأمانة العامة للحزب، إذ تم اغتياله من جانب طوّافة صهيونية عبر قصف موكبه في الزهراني، في 16 شباط/فبراير 1992.
تم حينها انتخاب السيد حسن نصر الله أميناً عامّاً للحزب، والشيخ نعيم قاسم نائباً له. والسيد حسن نصر الله وُلد في بلدة البازورية، قضاء صور، في عام 1953. وهو خريج النجف، بحيث توطّدت علاقته بالشهيد السيد عباس الموسوي.
جددت مؤتمرات الحزب التالية قيادةَ نصر الله، الذي سحب شعار الجمهورية الإسلامية من برنامج الحزب، وشارك في البرلمان اللبناني، وفي الحكومة أيضاً.
أمّا السِجِلّ الأبرز في تاريخ الحزب، فهو نجاحه في إجبار العدو الصهيوني، عام 2000، على الانسحاب من جنوبي لبنان، وإلحاقه هزيمة ثانية بهذا العدو عام 2006، بالإضافة إلى دوره الحاسم، إلى جانب الجيش اللبناني، في دحر الإرهاب التكفيري ومشغّليه، من الأميركيين والرجعية النفطية والعثمانية الجديدة، ودوره الكبير، إلى جانب الجيش السوري والدعمَين الروسي والإيراني، في هزيمة الإرهاب المذكور، ومصرع عشرات الآلاف من هؤلاء الإرهابيين.
كما نجح الحزب، عبر بنيته الداخلية العسكرية الصارمة والقوة الصاروخية المتطورة، في تحقيق توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني. ويشار أيضاً إلى الشخصية الكاريزمية الاستثنائية لقائده التاريخي، السيد نصر الله، وإلى علاقة الحزب الملحمية ببيئته، اجتماعياً وعقائدياً، وحصوله على ثقة الأغلبية الساحقة من هذه البيئة في الانتخابات البرلمانية المتتالية، ناهيك بالتضامن الواسع معه من جانب الأوساط الوطنية العربية.
* المصدر :الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع