ازدحام عربي على أبواب دمشق السبعة!
السياسية – رصد:
سماهر الخطيب —
لم تكن تدرك الدول الداعمة للمنظمات الإرهابية في سورية بشتى وسائل الدعم العسكري والتكنولوجي واللوجستي وغيرها من الوسائل طيلة عقد من الزمن بأنّ ما أحاكته من سيناريوهات وما أرادت تنفيذه من سياسات مصلحية على الأرض السورية سيرتد عليها سواء بتلك الأفكار المتطرفة أو تلك السياسات المتعجرفة حتى باتت مفاتيح الحل بيد دمشق المنتصرة بعد أن لملمت جراحها وتهيأت لإعلان النصر في أبشع وأعتى أنواع الحروب في القرن الحادي والعشرين. وسعياً من تلك الدول لإيجاد بدائل اقتصادية تنفّذ من خلالها أجندتها التي فشلت عسكرياً لجأت إلى فرض أقسى أنواع العقوبات الأحادية على سورية بمسعى لتفتيت الداخل السوري حينما تطال لقمة عيشه وقوت يومه. وبالرغم من تلك العقوبات المجحفة إلا أنه اتضح جلياً لتلك الدول أن الاقتصاد السوري متماسك، ولا يمكن أن ينهار بسهولة بالرغم منما يعانيه المجتمع السوري وهبوط كبير لسعر العملة السورية مقابل الدولار إلا أن هذا الانهيار له أسبابه العائدة للحرب الطويلة أولاً، والمقاطعة ثانياً، والعقوبات الأحادية ثالثاً، وخسارة جزء كبير من الأموال السورية في المصارف اللبنانية.
بالتالي فإنّ ما يعانيه المجتمع السوري هو نتيجة طبيعية وحتمية لما مرّ ويمر به من حرب شملت المناحي العسكرية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية وكذلك السياسية والدبلوماسية.
وبالعودة إلى مفاتيح دمشق التي امتلكتها وفق ما يمثله موقعها الجيوبولتيكي، وكذا حضورها الجيوسياسي وتأثيرها الجيوقتصادي على جيوبليتيك الصراع ليس في المنطقة فحسب إنما في العالم، هذا الموقع الحتمي في كل الملفات الدولية والإقليمية وتأثيره على الطاقة التي باتت أزمة العصر سواء أكان ما يتعلق بالمكامن أو بطرق الإمداد أو حتى بالسياسات الدولية، وكذلك السياسات الخارجية للدول والتي كانت بمعظمها متورطة في الحرب على سورية طيلة عقد ونيّف من الزمن، ناهيك عن المفتاح الذهبي الذي بيد دمشق وهو ما جعل دول العالم كافة تلجئ إليها، وهو بما باتت تملكه دمشق من Data للمجموعات الإرهابية والتي لم يقتصر وجودها على الأرض السورية حينما دربت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها أولئك الإرهابيين، وتم إرسالهم من حوالي 80 دولة عبر جسر جوي تركي مفتوح ليدركوا فيما بعد أن إرهابهم إرتدّ إليهم، وما كانت تلك التفجيرات الإرهابية المتتالية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية إلا تجسيداً للمثل القائل “طباخ السم ذائقه” ما جعل تلك الدول بأمس الحاجة للمعلومات التي باتت تمتلكها حول تلك الخلايا بعدما فقدت الدول الراعية لها السيطرة عليها.
وفي خضم ما يعانيه المجتمع الدولي من تضارب في السياسات، وإثارة لبؤر الصراع بدأت دول العالم إعادة رسم استراتيجياتها والنظر في سياساتها الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، وبدأت تطفو بشكل لافت الاصطفافات الدولية استعداداً لبدء مرحلة جديدة في النظام الدولي تتخطى تلك المعنونة بالأحادية القطبية لتتبلور معالم نظام جديد قائم على التعددية القطبية، وهو ما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه الأخير. وما يعيشه العالم من فوضى ما هي إلا مخاض النظام الجديد، والذي لا بدّ وأن يمرّ بما مرّ به من حروب حتى يتم إلتآم مفاصل النظام الجديد.
وما انعطافة تركيا نحو عمقها الاستراتيجي وإعادة نسج علاقاتها مع الدول المجاورة إلا تحضيراً للاصطفاف الجديد والنظام العالمي الجديد، وبالتالي وللحصول على هذا العمق كان لا بدّ لها من محاولة إعادة علاقاتها مع سورية التي باتت عقدة ربط وصلة وصل ما بين الملفات شتى والدول كافة سواء الإقليمية أو الدولية.
ليبدو أن المنعطف التركي يرتقي لأن يكون نقطة ارتكاز في سياسة بلد تشي محاولات تقاربه مع المحيط العربي بأنه يستهدف استعادة استراتيجية “صفر مشاكل” بعد أن أصبحت “صفر جيران”، وما يحاول أردوغان القيام به بإعادة عقارب ساعته نحو الوراء ما قبل اندلاع الحرب على سورية هو محاولة لكسب الداخل التركي قبل الخارج الإستراتيجي فما تعلنه المعارضة التركية بوعودها حول اللاجئين السوريين والعلاقات مع سورية يسعى أردوغان إلى إحقاقها قبيل الانتخابات الرئاسية في بلاده، ما يندرج تحت المصلحة الأردوغانية الداخلية أما الإستراتيجية فهي مراوحته المعهودة ما بين الروسي والأميركي، وبخطوة إعادة العلاقات مع سورية وكف دعمه للإرهابيين فإنه يضع قدماً في الحلف الروسي ليكون القدم الآخر في الحلف الأميركي من خلال مواقفه من العملية العسكرية الروسية الخاصة في دونباس والتي لوحظت بموافقته على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو رغم كل التصريحات التركية التي سبقت قرار الموافقة لتبدو هذه الاستراتيجية جسراً حتمياً يجتهد أردوغان عبره في محاولة للقفز على الخلافات التي تسبب فيها سياساته على مدار أكثر من عقد من الزمن، انقلبت خلاله سياستها إلى التدخل المباشر في شؤون المنطقة والتوجه التوسعي عبر التموضع عسكرياً في سورية وليبيا، وتوسيع الوجود العسكري القائم في شمالي العراق، فضلا عن استعداء القوى الإقليمية الكبرى.
تلك الأزمات أشعلت المنطقة ووضعتها على صفيح النزاعات والصراعات والتحديات، فاقمتها تغيرات دولية تشير إلى تقلب ملامح التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية كل ذلك دفع بأردوغان إلى محاولة لملمة أوراقه المبعثرة خصوصاً في المنطقة، والتوجّه نحو جس نبض دمشق من خلال توالي التصريحات حول إعادة العلاقات السورية – التركية، وإن كانت لا تبدو الطريق سهلة لتحقيق الهدف التركي، خصوصا وأنّ دمشق تفرض شروطها لإعادة العلاقات مع أنقرة، حيث أبدى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في شباط الماضي، استعداداً لتطبيع العلاقات “لكن وفق شروط”، وقال حينها، إن “سورية وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي حتى نفهم بعضنا”، مضيفاً أن “هنالك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعود العلاقات السورية التركية، وهي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم الإرهابيين وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سورية على أساس الاحترام المتبادل”.
وسورية المنتصرة اليوم وضعت شروطها وما على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا الامتثال لتلك الشروط، فالمنتصر دائماً هو من يضع شروطه، وهناك من سيقول بأنّ تركيا دعمت الإرهاب في سورية لسنوات عدة وتسببت بما حل بالبلاد من خراب فكيف يمكن تطبيع العلاقات معها! فنقول لهم كما قال الرئيس السوري بشار الأسد في إحدى المقابلات للمذيعة السورية: “سألتيني ماذا سأشعر لو قدر لي لقاء أو مصافحة شخص من جماعة أردوغان أو أردوغان نفسه، فإنني أقول لك بصراحة لن أتشرف بذلك وسأشعر بالاشمئزاز”، مضيفاً “لكن المشاعر الشخصية شيء والمصلحة الوطنية لسورية شيء آخر، فإذا كان اللقاء سيحقق النتائج المرجوة لسورية فلا بد من القيام به، وهذه مهام الدولة وأنا مؤتمن على كل ما يحقق المصلحة السورية”.
وبالتالي فإنّ عودة العلاقات أو عدمها تحكمه مصلحة سورية التي هي فوق كل مصلحة، وفي هذا السياق أيضاً تندرج العلاقات السعودية – السورية وربما سنجد على المدى القريب استدارة سعودية نحو سورية التي افتتحت الإمارات العربية المتحدة بوابة العودة إليها لتتبعها البحرين ولاحقا مصر، وبالرغم من المكانة المهمة إقليمياً لكل من مصر والسعودية وكذا تركيا، إنما لسورية موقع جيوسياسي يمكن اعتباره لزاماً الممر الأساس لمستقبل المنطقة برمتها، وسورية المنتصرة استطاعت إجهاض مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أوكل تنفيذه إلى تلك الدول الثلاث إقليمياً مع حليفهم الأميركي – الغربي، في حين بات الوقت الآن أكثر إلحاحاً من ذي قبل الآن لإعادة صياغة استراتيجيات تلك الدول بتوجهها نحو سورية وحُكماً نحو روسيا وإيران، بالنسبة لتركيا بهدف الحصول على دعم اقتصادي يضمن فوز اردوغان في الانتخابات التركية المقبلة، وكذلك إيجاد حل لأزمة اللاجئين الذين باتوا عبئاً عليه، إضافة للإرهابيين الذين فقد السيطرة عليهم، وحفاظاً على أمن بلاده القومي المهدد بزعمه من قبل قوات قسد الكردية لتكون اتفاقية أضنة الموقعة بين سورية وتركيا عام 1998 هي الإطار الضامن الوحيد الذي يجب الركون إليه في أي تنسيق أمني بين البلدين.
أما بالنسبة للسعودية والتي شهدت انفتاحاً لافتاً بعلاقاتها مع إيران من جهة وتركيا من جهة أخرى لتكون سورية هي التالية، وذلك سعياً منها لعدم ترك الساحة الإقليمية بيد تركيا وإيران، وكذلك محاولة الأمير محمد بن سلمان تعويم نفسه كمدير للأزمات وحلها قبيل تنصيبه كملك، بالإضافة إلى رغبته ببناء علاقات قوية مع الصين وروسيا.
وبالتالي فإننا قد نشهد في المدى القريب ازدحاماً عربياً – دولياً على أبواب دمشق السبعة، يرافقه عودة جامعتها العربية..
المصدر: موقع الخنادق اللبناني