السياسية:

بحسب خبراء الأسلحة والمتخصصين في استراتيجيات المخاطر لم تعد الحرب النووية تشكل تهديداً يتخطى جموح تخيلاتنا مهما بلغ. ولكن، منطقياً، ماذا يمكننا أن نفعل لو أصبح الهجوم وشيكاً؟ وهل ثمة ما ينبغي أن نفعله الآن؟

إذا كان قراء صحيفة “التلغراف” امس السبت ينشدون بعض الراحة بعيداً من انتخابات زعامة حزب المحافظين، لما عثروا عليها في صفحات التعليقات، فقد جاء في عنوان رئيس ظهر فوق عمود كتبه خبير الأسلحة هاميش دي بريتون-غوردون، “يجب أن يستعد الغرب للخطر الحقيقي للحرب النووية”.

وتابع دي بريتون-غوردون معللاً بأننا نعيش في أوقات خطيرة جداً. وأورد على سبيل المثال التوتر حول تايوان، والتقدم المحرز في تطوير الأسلحة النووية في إيران وكوريا الشمالية، وتهديدات فلاديمير بوتين المقنعة والصريحة باستعمال الأسلحة النووية ضد أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي “ناتو”. وتشكل الحرب في أوكرانيا أيضاً احتمال وقوع حادثة، “أو ما هو أسوأ” من ذلك، في زابوريجيا، محطة الطاقة النووية التي تحتلها روسيا حالياً. وكتب دي بريتون-غوردون قائلاً، “إذا لم نقم باستيعاب هذه التهديدات فإن كل شيء آخر يضايقنا في هذا الوقت سيثبت أنه غير مهم إطلاقاً”.

إذاً، لو كانت بريطانيا لتستعد لحرب نووية فما الأمور التي يجب فعلها؟ يقول لي بول إنغرام، من مركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الوجودية، عما ينبغي أن تفعله الحكومة للتخفيف من الضرر الناجم عن تفجيرات قد تحصل هنا أو في أي مكان آخر. والحال أن إنغرام قد عاد للتو من مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الذي عقد في نيويورك، حيث أمضى الدبلوماسيون الروس “كثيراً من الوقت في محاولة لتغيير الطريقة التي تم بها تفسير التصريحات التي قاموا بها في وقت سابق من هذا العام، في محاولة لتوصيفها بأنها تحذيرات وليست تهديدات”، على حد تعبير إنغرام.

يفسر إنغرام، الذي عمل لمدة 12 عاماً (2007-2019) مديراً تنفيذياً لمجلس معلومات الأمن البريطاني الأميركي عبر الأطلسي، أن هذه إشارة جيدة. ويرى أن ثمة مجالاً “لإجراء محادثة تمضي قدماً في شأن الخطاب النووي”، ما سيؤدي إلى حوار قد يخفف من حدة الوضع نوعاً ما.

يشعر إنغرام بالقلق حيال استخدام روسيا أسلحة نووية على سبيل الاستجابة لتكبدها خسائر عسكرية فادحة، وهو يرى أن زيادة تسليم حلف “الناتو” أسلحة متقدمة [لأوكرانيا] تشكل تصعيداً. ويلفت إلى أن “أي تصعيد يزيد من المخاطر”. ويضيف أن هذه المخاطر “ليست وشيكة، بيد أنها تغلي وراء الكواليس. احتمال حدوثها ضعيف، لكن التأثير قوي للغاية إلى درجة أنني أعتقد أن الحكومة يجب أن تكون مستعدة”.

وقد يتساءل المرء عما إذا كانت خطة الجهوزية للحرب النووية التي وضعتها الحكومة تحاكي خطتها لتنفيذ اتفاق “بريكست” وخطتها للاستجابة لجائحة كورونا. ويقول إنغرام “أشك أن الحكومة تقوم بأي استعدادات في الوقت الحالي”. (ومن باب الدفاع عن الحكومة، إن البوح بوجود خطط قد يسهم عن غير قصد في [تعزيز] خطر نشوب حرب).

ويعتبر إنغرام أن المهمة الأهم التي يجب أن تضطلع بها الحكومة حالياً هي تجنب تصعيد هذا الخطر. وفي ما عدا ذلك سيكون من الجيد كخطوة أولى تقييم احتمال حدوث تفجيرات هنا (والتي سيكون لها تأثير فوري كارثي) وفي الخارج (التي من شأنها أن تؤثر فينا بشكل غير مباشر، من خلال شتاء نووي قد يؤدي إلى تدمير المحاصيل في أنحاء العالم كافة). ويتابع، “من الصعب حقاً التوصل إلى فهم الاحتمالات المرجحة تماماً والتعامل معها (…) فمن الأسهل فهم العواقب والتعامل معها، غير أنه ثمة حاجة إلى تقييم هذه الاحتمالات”.

وستعطي هذه الاحتمالات على الرغم من صعوبة حسابها بدقة عن بعد مؤشراً على مستوى الاستثمار الذي يجب أن يدخل في إجراءات الاستعداد. ويسوق إنغرام الإمدادات الغذائية كمثال، ويقول، “هل يجب علينا أن نخزن كثيراً من الطعام حالياً؟ الأمر يطرح إشكالية لأنه سيؤدي إلى كل أنواع هدر الطعام، لكن بشكل مماثل ثمة حاجة إلى طرح بعض الأسئلة في شأن مجموعة متنوعة من الكوارث المختلفة التي ستتطلب وجود أحد أنواع تخزين المواد الغذائية في إطار خطة الاستجابة. يتعين على الحكومة أن تفكر في ذلك وتقيمه بطريقة معقولة”.

وثمة أولوية أخرى سابقة لما ورد آنفاً تتمثل في تحديد من المسؤول عن أي أمر في حال وقعت الكارثة؟ ويوضح إنغرام قائلاً، “لقد شكل عدم تحديد المسؤولية ثغرة كبيرة في خطة الاستجابة لكورونا”، ويتابع، “لقد كان الأمر مذهلاً حقاً، لأن خطر قدوم الجائحة كان واضحاً ومصنفاً كتهديد أمني من أعلى مستوى، ومع ذلك لم يكن لدى الوزارات أدنى فكرة عن المسؤول عن أي من الأنشطة وما خطوط التواصل اللازم فتحها”.

ويذكر إنغرام أنه لا ينبغي تكرار الأمر في حال حصول تفجير نووي. “تحتاج الحكومة إلى أن تكون واضحة في شأن الجهة التي تقع عليها مسؤولية الخدمات الأساسية والبنى التحتية ووزارات الدولة، وأن تضع خطط استجابة من أجل هذا الحدث”.

ومن المفترض بصورة عامة أن تتحمل وزارة الدفاع هذه المسؤوليات، “إلا أن وزارة الدفاع لن تكون هي الوزارة التي تستجيب أولاً، أو التي تقدم المساعدات الصحية أو خدمات حالات طوارئ أخرى، ولن تكون المسؤولة عن إطعام الجميع، أو عن الاهتمام بالصحة، أو أي شيء آخر”.

وعندما سئلت الوزارات في مارس (آذار)، بعد وقت قصير من بداية الحرب في أوكرانيا، عن استعداداتها لحالات الطوارئ فضلت أن تترك أمر القرار بهذا الشأن لـ10 داونينغ ستريت، لكن من السهل أن نتخيل أن وزارة البيئة والأغذية والشؤون الريفية هي الوزارة الملائمة لقيادة عملية وضع خطط الطوارئ للغذاء. أو أن يعتمد على وزارة الأشغال والطاقة والاستراتيجية الصناعية من أجل التأكد من أن سبل إمدادات مرنة في مواجهة الكارثة. ويقول إنغرام، “يجب أن يكون هناك شخص ما أو فريق مسؤول عن المياه النظيفة، لأن المياه ستكون قضية حرجة ومهمة للغاية في حال حصل تراشق بالأسلحة النووية، وذلك بسبب التلوث الإشعاعي”. “ينبغي أن يكون نوع من النظام لتنسيق الاستجابات الصحية. وستكون هناك ضرورة إلى [وجود] نظام لتقنين كل هذا لأن الحاجة ستكون أكبر بكثير مما يتم توفيره. وستكون هناك خيارات صعبة للغاية ينبغي اتخاذها”.

ويذكر إنغرام أن الحكومات المحلية “ستحتاج إلى لعب دور مركزي في أي خطة استجابة. ثمة حاجة إلى وجود منظور واضح لما ستكون عليه قدراتها. وفي المناطق التي تشهد تفجيرات فعلية، بوسعنا الافتراض أن الحكومة المحلية وأي خدمات عامة ستستنزف قدراتها تماماً، لكن ستكون ثمة أجزاء أخرى من البلاد لا تعاني بشكل مباشر هذه التفجيرات، وسيتوجب عليها أن تحشد الناس وتجمعهم مع بعضهم بعضاً وتدرس ما الخدمات الأساسية المطلوبة في هذه الظروف وكيف يمكن توفيرها”.

ستكون هناك حاجة إلى وجود خطة إخلاء من أجل نقل الأشخاص بعيداً على جناح السرعة إذا بدا أن هجوماً ما بات وشيكاً. وسوف تكون عمليات الإجلاء هذه هائلة، وخاضعة لقيود زمنية، ما يثير مشكلات لوجيستية ضخمة. ويرى إنغرام أنه بمقدورنا أن نتعلم من الأميركيين، إذ إن “لديهم خططاً أكثر تطوراً بخصوص إخلاء المدن في مجموعة متنوعة من السياقات المختلفة”.

بنت بريطانيا عديداً من الملاجئ للتصدي لضربة نووية في الحرب الباردة، وهي استراتيجية قامت فنلندا، الدولة التي تحد روسيا وتخاف من عدوانيتها، باستثمار مبالغ طائلة فيها. وتفيد دوائر الخدمة المدنية في فنلندا أن شبكتها من الأنفاق تحت الأرض يمكنها بسهولة أن تستوعب سكان هلسنكي الذين يبلغ عددهم 630 ألف نسمة. ومع ذلك يرى إنغرام أن الملاجئ “نهج فردي. أعتقد أننا نحتاج إلى التفكير أكثر بكثير [في الاستعدادات] من ناحية المرونة داخل المجتمعات”.

ويشير إنغرام إلى أن الافتراض السائد في الدول الكبيرة المسلحة نووياً مثل دولتنا، هو أنه ليس هناك كثير مما نستطيع أن نفعله من أجل الاستعداد لحرب نووية شاملة، لكن هذا الأمر لا ينبغي أن يمنعنا من الاستعداد لنشوب حرب في مكان آخر (يشار أحياناً إلى جنوب آسيا كمنطقة محفوفة بالمخاطر، فللهند التي تملك أسلحة نووية علاقات متوترة مع الصين وباكستان، وكلتاهما مسلحة نووياً) وأن الاستجابات المحلية لوضع من هذا النوع لا تزال في حاجة إلى أن تكون سريعة وكبيرة، على حد تعبير إنغرام. ويقول “سوف تكون [الاستجابات] مختلفة عن تلك التي كنا نتحدث عنها بما يتعلق بالإخلاء وبقية الأمور. ستكون أكثر بكثير من محاولة تأمين الإمدادات الغذائية والحفاظ على البنية التحتية الحيوية في هذا الوقت العصيب عندما سيتم حجب الشمس بشكل ملحوظ، إذ ستطلق الانفجارات النووية السخام والغبار في الغلاف الجوي، مما سيؤدي إلى حجب ضوء الشمس والتسبب بشتاء نووي”، “وسوف يجري تقييد [عمل] موردي المواد الغذائية كثيراً”.

ويقول إنغرام إنه بالنسبة إلى الهجمات المباشرة على بريطانيا فإن الحملة الإعلامية العامة ستكون سابقة لأوانها. إن الوقت الحالي ليس مناسباً لتزويد كل مواطن بريطاني عبوات يوديد البوتاسيوم، ولا لإرسال كتيبات منزلية (من النوع الذي تم توزيعه في ستينيات القرن الماضي) تضم نصائح حول ما يتوجب عمله في حال حصل هجوم.

ويتابع، “ولكن إذا بدأت الأمور تصبح خطيرة، ولدينا سلفاً تهديدات كبيرة من الروس، ولا يبدو أن هناك طرقاً واضحة للخروج [من الأزمة]، أعتقد أن على الحكومة أن تنظر في [إطلاق] حملات توعية عامة”.

عندما يتولى رؤساء الوزراء منصبهم هذا، فإن أحد واجباتهم الأولى تتمثل في كتابة أربع رسائل متطابقة بخط اليد كل منها موجهة إلى أحد الضباط القادة للغواصات البريطانية المسلحة نووياً. وتبلغ الرسالة الضباط القادة ما الذي يجب عليهم فعله إذا قضت ضربة نووية على الحكومة. ويقال إن الأمر هو أحد الإجراءات التالية: الردّ، أو عدم الردّ، أو الاحتكام لتقييم القائد الخاص للوضع، أو وضع غواصته تحت إمرة دولة حليفة.

وربما تكون كتابة هذه الرسائل -واختيار آخر عمل تقوم به البلاد، وما إذا كان هذا العمل سيكون بمثابة إدارة الخد الآخر، أو لا- هي الواجب الأكثر جدية بالنسبة إلى رئيس الوزراء. وعندما يحين شهر سبتمبر (أيلول) ويتولى ريشي سوناك أو ليز تراس منصبه ستكون هناك حاجة إلى مجموعة جديدة من الرسائل. فحينما يبدأ رئيس الوزراء الجديد بالكتابة على الورق قد يفكر في الاستعدادات الأخرى التي قد يقوم بها في شأن الحرب النووية. وسيحتاج على الأرجح إلى الخربشة لأكثر من دقيقتين.

بقلم: توم أوو
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن رأي الكاتب