هل باتت أنظمة التطبيع العربيّ شريكة بمجازر “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطينيّ؟
السياسية – رصد:
بالتزامن مع تصاعد قمع الكيان الصهيونيّ الغاشم للشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه التي لا تُحصى، دعت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة “إسرائيل”، والتي تعتبر أوسع ائتلاف فلسطيني وقيادة حركة المقاطعة الفلسطينية BDS عالميًا، إلى تصعيد المقاومة الشعبية وحملات مقاطعة كيان الاحتلال والاستعمارالاستيطاني و”الأبارتهايد” أي نظام الفصل العنصري ردًا على مجازرها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، حتى وصل بهم الحال إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضهم المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
وفي ظل الإجرام المتصاعد لـ “إسرائيل” التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، ناهيك عن الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة للكيان الفاشي بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، وتأكيدهم أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، بدليل الأخبار التي تأتي بشكل دائم من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، تؤكد اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة “إسرائيل” أنّه “إضافة إلى إدانة اللجنة الوطنية لحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي كشركاء في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، فإنّها تعتبر أنظمة التطبيع العربي شريكة أيضًا في هذه المجازر من خلال تحالفاتها الأمنية العسكرية مع إسرائيل وخيانتها لقضية فلسطين، القضية المركزية لهذه الأمة”، وذلك بعد مرور عامين على اتفاقات الخيانة أو ما تعرف بـ “ابراهام” والتطبيع بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وبعض العواصم العربية (أبو ظبي، المنامة، الرباط،، الخرطوم).
ومع خيانة فلسطين والشعوب العربية عبر اتفاقات أدخلت الخنجر في خاصرة هذه الأمة التي تعاني من مشكلات جمة، وازدادت بشكل لا يوصف بعد أن تحالف حكام بعض الدول العربيّة مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية اصطدمت مع كل القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة، برعايةٍ أمريكيّة، يشير البيان إلى أنّه في الوقت الذي يواصل فيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مقاومته الباسلة ضد العدوان والقتل الممنهج، ارتكبت الآلة العسكرية للاحتلال مجازر متعددة راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، وقد تسبب العدوان الإسرائيليّ الأخير في مصرع 6 أطفال: آلاء عبد الله قدوم (5)، حازم محمد على سالم (9)، وأحمد محمد النيرب (11)، ومؤمن محمد النيرب (5)، ومحمد وليد الفرام (17)، خليل محمد جميل شبير (10)، في ظل تواطؤ رسميّ دولي وعربي، ما يتيح لقوات العدو الإفلات من العقاب والاستمرار في ارتكاب جرائمها ضد الأطفال والنساء وكبار السن.
“التطبيع الرسمي العربي الذي تحول من علاقات تطبيعية خيانية إلى تحالف عسكري-أمني واضح المعالم، بالذات من قبل النظام الإماراتي والمغربي والبحريني، وصلت مشاركته في المذبحة الإسرائيلية الحالية حدّ تبريرها ولوم الضحية، الشعب الرازح تحت الاستعمار والحصار الإجراميّ”، هذا ما أكّد عليه بيان حركة المقاطعة الفلسطينيّة، حيث استندت تل أبيب بالفعل على فوائد التطبيع مع بعض العواصم العربية لتقتل أمام أعين الجميع بوحشيّة غلبت فيها بعض أفلام الرعب الهليوديّة.
وباعتبار أنّ الغالبية العظمى من المواطنين في البحرين والسعودية والإمارات والسودان، ليسوا مؤيدين لاتفاقية التطبيع من أنظمتهم، كررت حركة المقاطعة تكثيف الضغط الشعبيّ لوقف “التنسيق الأمني”، وهو أخطر أشكال التطبيع الرسمي، وحل “لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي”، والانسحاب من منظمة غاز شرق المتوسط والتصدي بجدية في المحافل الدولية، وبالذات مع الاتحاد الأوروبي، لسرقة “إسرائيل” للغاز والنفط الفلسطيني ولتسويقهما عالميًا، في ظل المعايير الغربيّة المزدوجة في التعامل مع الحرب في أوكرانيا من جهة، والحرب الغاشمة التي تشنها الآلة العسكرية للعدو على الشعب الأعزل في القطاع من جهة ثانية مؤلمة ومثيرة للغضب، فكيان الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيليّ الجاثم على صدور أبناء هذا الشعب منذ عقود لم “يُصنع في الغرب” وحسب، بل لا يزال يُسلّح ويُموّل ويُحمَى من هذا الغرب الغارق في الاستعمار الجديد والعنصرية القديمة، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبيّ.
ويضاف إلى ذلك، التصعيد العسكريّ الإسرائيليّ المتقطع والتعنت المستمر بفرض حصار خانق لتجويع وتعذيب سكان قطاع غزة المحاصر منذ حوالي عقد ونصف العقد إضافة إلى سياسة الابتزاز والمماطلة وتعطيل الإعمار التي تمارسها تل أبيب، والذي أوصل الوضع الإنساني في القطاع إلى مستوى الكارثة وأدى إلى تدهور متسارع في مستوى كل الخدمات الأساسية للمواطنين، وخاصة الخدمات الصحية، خدمات صحة البيئة، بما فيها إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، مع استمرار قيود الحصار الخانق، وآثاره المدمرة على كل مظاهر الحياة في القطاع وشل مؤسساته، ناهيك عن التصعيد المتكرر لقوات العدو الغاصب بالقصف وتضييق الخناق على الصيادين والتجار وغيرها من الحالات التعسفيّة.
كذلك، فإن الحصار الإسرائيلي الجائر أدى إلى تدهور غير مسبوق في عمل المنشآت الصناعية والتجارية، وتسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع، وأصبح 97% من المياه الجوفية غير صالح للاستخدام، وسط انتشار الأمراض المزمنة والخطيرة حسب تقرير المنظمة الفلسطينية، كما تزايدت أزمة انقطاع الكهرباء المستمرة منذ سنوات، إذ وصل انقطاع الكهرباء لمدة تزيد على 20 ساعة متواصلة يوميًا، ما حول حياة وعمل الناس إلى جحيم لا يطاق، في تغييب كامل للقرارات الدوليّة بفرض “إسرائيل” سياسة الأمر الواقع واستباحته الأرواح، والخرق الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، لدرجة أن بعض خبراء القانون الدوليّ باتوا يعتبرون هذا الحصار الإسرائيلي الهمجي والمبني على خطط ونوايا معلنة “مقدمة لإبادة جماعية” لجزء من الشعب الفلسطيني.
في النهاية، وبالاستناد إلى رعب الاحتلال الغاشم وأعوانه المطبعين من أدنى مقاطعة لهم نتيجة مخالفتهم الشنيعة للقانون الدوليّ والإنسانيّ، لأنّهم يُدركون جيداً أنّ الشرعيّة التي يحاولون إضفاءها على كيانهم، هي شرعيّة زائفة تُشتتها الحقيقة في كل لحظة، رغم المبالغ الخياليّة التي تُزود بها تل أبيب من واشنطن وغيرها إضافة إلى ما ينهب من أرض فلسطين ويصرف لخلق الشرعيّة للمحتل، تدعو اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل إلى تصعيد الضغط من أجل فرض حظر عسكري-أمني على “إسرائيل” وفرض عقوبات دولية موجهة وقانونية لإنهاء نظام الاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد برمته، كما تدعو لتصعيد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات ضد الشركات والمؤسسات المتواطئة في إدامة هذا النظام الوحشيّ”، وقد نجحت حركات المقاطعة بالفعل في بداية عزل الكيان الصهيونيّ أكاديميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، واقتصادياً إلى حد ما، حتى بات الصهاينة يعتبرون هذه الحركة من أكبر الأخطار الاستراتيجيّة المحدقة بهم، وإنّ تأثير تلك الحركات يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات العالميّة الممنهجة والاستراتيجيّة بشكل مباشر وغير مباشر لإيصال جرائم الصهاينة إلى العالم.
المصدر: الوقت التحليلي