تطور العلاقات السعودية الإماراتية (1971-2022)
من الاعتماد الأمني إلى الشراكة الاستراتيجية التي اضعفتها الطموحات الاقتصادية التنافسية (2/4)
بقلم: جوستين كليمان*1
السياسية: ترجمة: اسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
ابتداءً من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، طرأت تغييرات بين العلاقة التي تجمع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مرة أخرى. إن إعادة هيكلة البيئة الإقليمية، التي تميزت بفك الارتباط الأمريكي والربيع العربي – وكذلك وصول رجال أقوياء جدد إلى السلطة، عملت على تغييراً في السياسات الخارجية للبلدين وإعادة توازن سلطاتهما بالمثل.
علاوة على ذلك، فإن «الجولف» لمعضلة الأمن الإقليمي يضع التحالف السعودي الإماراتي في قلب المعادلة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
2 – الاضطرابات الإقليمية والداخلية: انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية والربيع العربي وتأكيد محمد بن زايد ومحمد بن سلمان كعوامل لتعزيز الشراكة السعودية الإماراتية
اولاً: الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط: ملء الفراغ الأمني
منذ نهاية الحرب الباردة، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.
إن تحرير دولة الكويت من قبل التحالف الدولي وغزو العراق في عهد صدام حسين في العام 2003 هما مثالان رمزيان لموقفهما.
بينما لعبوا دوراً في استقرار منطقة الشرق الأوسط بعد العام 2011 الذي شهد جائحة الربيع العربي والمحاربة ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف ايضاً باسم تنظيم داعش، فإن الفترة الرئاسة الأولى لباراك أوباما (2009-2013) تمثل انسحابهم بصورة تدريجية.
أدت سياسته المتمثلة في «القيادة من الخلف» إلى انسحاب القوات العراقية في العام 2010 وزخم المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي.
في العام 2013، حتى عندما تجاوز نظام الرئيس السوري بشار الأسد «الخط الأحمر» الذي وضعه الرئيس أوباما في عام 2012، لم تتدخل الولايات المتحدة، مشيرة إلى الإحجام عن استخدام جديد للقوة في منطقة الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، في حين أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان في العام 2021 في عهد الرئيس بايدن، إلا أنه لا يزال في قلب أجندة أوباما.
وبالتالي، فإن «هذا الانسحاب النسبي […] من العالم العربي والشرق الأوسط […] يعني في الواقع نهاية النظام الأحادي القطب الأمريكي في المنطقة» وبالتالي إمكانية أن تبدأ القوى الإقليمية بفترة جديدة من التأكيد.
يمكن تفسير الانسحاب الأمريكي:
– إنه نتيجة «إعادة التوازن» للسياسة الخارجية الأمريكية، التي تتجه نحو آسيا، وخاصة تجاه الصين، وهو تهديد مركزي جديد، كما أن السلطة «مرهقة» من الحروب المتتالية التي تشنها والتي لا تؤدي إلى المصالح المرجوة.
ثم بدا أن منطقة الشرق الأوسط مصدر «إزعاج وصراع استهلك الموارد الأمريكية وحولها عن الأولويات الأخرى».
كما أن الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، إسرائيل، لم يعد يعتبر «ضعيفاً»، خاصة بعد العام 2011 بسبب ضعف الجيران بسبب أوضاعهم الداخلية (سوريا ومصر ولبنان على وجه الخصوص).
التغيير في الاستراتيجية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لإسرائيل هام أيضا: فقد لاحظنا على مدى السنوات العشر الماضية تقاربا استراتيجيا مع الدول العربية، تجسد في توقيع «اتفاقيات إبراهيم» في العام 2020.
تسترشد دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين الآن بمركزية التهديد الإيراني، أكثر من الصراع التاريخي بينهما وبين إسرائيل.
وفي الأخير، يعد انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على الهيدروكربونات السعودية والإماراتية منذ إطلاق إنتاجها من الغاز الصخري في العام 2005، عاملاً وراء فك ارتباطها: لم تعد حماية البنية التحتية ذات أهمية مماثلة.
بينما في العام 1973، خلال الحظر النفطي المفروض*2 على الولايات المتحدة، أصيب الاقتصاد الأمريكي بالشلل، وفي العام 2018، أنتجت المملكة العربية السعودية 13٪ من نفط العالم، مقابل 16.2٪ للولايات المتحدة الأمريكية.
تعتبر الرياض وأبو ظبي الانسحاب الأمريكي بمثابة «تخلي»، وهو شعور أبرزه زخم المفاوضات بشأن ملف الأسلحة النووية الإيرانية من قبل باراك أوباما.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يغير بشكل جذري المعادلة في منطقة الخليج، وفي الواقع، العلاقة بين الجارتين.
إنه يتسبب أولاً في فقدان السعودية شرعية مهمة ويؤدي إلى فراغ أمني، بينما زادت «الدول الصغيرة» في الخليج من قدراتها المالية والعسكرية والدبلوماسية، فإن الفراغ الأمني يوفر لها فرصة وهي ظاهرة وواضحة بشكل خاص للإمارات وقطر.
مع زيادة دور القوى التركية والإيرانية والسعودية التاريخية، فإنه يسمح بإعادة توازن القوى وقدرات الإسقاط في المنطقة.
ومن الآن فصاعدا، يجب على الرياض وأبو ظبي ضمان أمنهما، من خلال تعزيز قدراتهما الوطنية (شراء الأسلحة، والتجنيد الإجباري، والمرتزقة، وما إلى ذلك)، وكذلك من خلال إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين.
ثانياً: الربيع العربي وتغييره النظامي: نحو “سياسة الجولف” على مجمع الأمن الإقليمي
ابتداء من العام 2011، غيّرت ثورات الربيع العربي كذلك توازن القوى الإقليمية، حيث أن مراكز صنع القرار التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في مصر وسوريا (والعراق الذي أُضعف بالفعل بسبب الغزو الأمريكي في العام 2003) مهمشة وتركز جهودها على إدارة وضعها الوطني.
وبما أن «السياسة تمقت الفراغ»، فإن هذا الانسحاب الداخلي يسمح للجهات الفاعلة الأخرى الأكثر استقراراً- بما في ذلك السعودية ودولة الإمارات وقطر – بإطلاق سياسة خارجية أكثر تدخلاً.
تخشى الرياض وأبو ظبي – القائمة على نظام وراثي – الانتفاضات الشعبية، وقبل كل شيء، عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد.
تتشارك الدولتان في رؤية عسكرية وسياسية قائمة على الاستبداد، وتريدان الحفاظ على النظام القديم للشرق الأوسط الذي تعد أنظمته المحافظة حجر الزاوية.
أي تغيير في الأنظمة القائمة من شأنه أن يمهد الطريق لتقارب محتمل مع إيران وأي زعزعة داخلية للاستقرار وهي فرصة لجماعة الإخوان المسلمين.
في حين أن الرياض لا تزال تتخذ موقفاً غامضاً تجاه جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن صناع القرار في أبو ظبي تمكنوا من تحديد موقفهم بوضوح، حيث يرون أن هذه الجماعة بمثابة تهديد رئيسي.
في نهاية المطاف، شجع الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب مراكز صنع القرار العربية التقليدية ونفور الأنظمة الملكية الوراثية من التغيير السياسي نشاط إقليمي قوي بشكل خاص، يوصف بأنه «أجرأ القوى الإقليمية العربية وأكثرها عدوانية».
أحدثت ثورات الربيع العربي تحولًا منهجياً في الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، نظراً لكون «لعبة الغولف» تثير الاهتمامات الإقليمية.
إن «المشكلة الإسرائيلية» بحد ذاتها مهمشة، مما يفسح المجال أمام إرادة واضحة للحفاظ على الأنظمة الاستبدادية، ومحاربة الانتفاضات الشعبية (القمع، وتمويل السياسات الاجتماعية، وما إلى ذلك)، وضد ميول الهيمنة لاسيما التركية والإيرانية وضد الإسلام السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.
من الناحية التخطيطية، تشكل الرياض وأبو ظبي المحور «المضاد للثورة» – أو «المعتدل المحافظ» – وهي رؤية يتشاركونها مع مصر والأردن وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
إنهم يواجهون محور «مقاوم للمحافظين»، والذي يتكون في الأساس من إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية، وفي بعض الأحيان تنضم إليهم الجماعات الشيعية العراقية والحوثيون في اليمن.
على عكس المحور «المحافظ المعتدل»، فإنه يتجه نحو روسيا، وفي الأخير، إذا لخصت هاتان الكتلتان، في فترة ما بعد أحداث 2011، هيكلة الجغرافيا السياسية الإقليمية، فإن المحور «المعتدل المقاومة» – الذي شكله التحالف التركي القطري – يظهر بشكل أساسي منذ العام 2015, المحور «المعتدل» تجسده إسرائيل.
وبالتالي، تساهم ديناميات ما بعد العام 2011 في التقارب بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تشتركان في رؤية مشتركة للتوازن الإقليمي.
بالإضافة إلى هذا السياق الخارجي المتغير، هناك عاملان داخليان، وهما وصول جيل جديد من القادة إلى السلطة وتركيز القيادة السياسية العسكرية في أيديهم، يفسران كذلك إعادة تعريف التحالف السعودي الإماراتي.
ثالثاً: محمد بن زايد ومحمد بن سلمان: الرجلان القويان الجديدان
في دولة الإمارات، في العام 2004، أدت وفاة الشيخ زايد، «والد الأمة» ورئيس الاتحاد، إلى تعطيل المجال السياسي الإماراتي.
تم تأكيد خلافته من قبل الشيخ خليفة بن زايد ابنه الأكبر وابنه الآخر محمد بن زايد ولي لعهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الوطنية.
في العام 2014، أصيب الشيخ خليفة بجلطة دماغية، مما جعل محمد بن زايد هو الزعيم الفعلي للبلد.
رجل قوي جديد في دولة الإمارات، لديه رؤية عدوانية وتدخليه للغاية على خلاف أسلافه، خاصة فيما يتعلق بالإسلام السياسي.
بارع في السياسة الواقعية، يرى العلاقات الدولية على أنها هواية ومستقبل بلده سوف يكون ذو شأن عظيم.
وإذا كان التغيير في الاستراتيجية الخارجية لدولة الإمارات مرتبطا ارتباطا وثيقا بشخصيتها، فإن ذلك يعود لفضل تركيز القوة السياسية والعسكرية لصالح إمارة أبو ظبي.
في الواقع، لطالما منعت ثنائية الرأس في النظام الإماراتي الشيخ زايد من اتباع سياسة خارجية واضحة.
هذا التحول في ميزان القوى يفسره وجود عاملان:
– أولاً، إن وصول الشيخ مكتوم إلى دبي في العام 1995، والذي من خلال الليبرالية الاقتصادية، يحفز على التنويع الحقيقي لإمارته.
– ثانياً: القليل من الموارد النفطية، بينما حافظ على قيادة سياسية قوية من خلال منصبه كرئيس للاتحاد، ركز كذلك بشكل كبير على هذه السياسة الاقتصادية الاستباقية، ولكن أيضاً لأنه في العام 2008، تساعد أبو ظبي – التي تمثل ما يقرب من 94٪ من احتياطيات النفط الوطنية – دبي، التي تضررت بشدة من الأزمة الاقتصادية العالمية، كما تم تأكيد هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة خلال أزمة جائحة الفيروس التاجي.
في وقت لاحق على الجانب السعودي، دفعت وفاة الملك عبد الله في يناير من العام 2015 أخيه غير الشقيق سلمان إلى حكم البلد وكذلك ابنه محمد بن سلمان إلى منصب وزير الدفاع.
هذا الأخير، القوي للغاية بالفعل، أصبح الرجل القوي الحقيقي للمملكة في العام 2017، عندما تم تعيينه ولياً للعهد السعودي، على حساب الأمير محمد بن نايف.
يبلغ الأمير محمد من العمر 29 عاماً فقط، وهذا «الفائز» يضاعف التدخلات الأجنبية بينما يظهر قومية ساحقة.
ومثل نظيره الإماراتي، يركز محمد بن سلمان السلطة بين يديه ويهمش النخب التقليدية في المملكة.
بعد تعيينه في العام 2017 كرئيس لهيئة مكافحة الفساد، قام بعملية كبيرة لمكافحة الفساد، حيث تم اعتقال العديد من الوزراء ورجال الأعمال والأمراء – مثل الأمير الوليد بن طلال والأمير متعب بن عبد الله – في فندق ريتز كارلتون، بالعاصمة الرياض.
وفي أقل من ثلاثة أشهر، تمكن العدل السعودي من استرداد أكثر من 101 مليار دولار، وهكذا أكد محمد بن سلمان، تفوقه الذي لا جدال فيه.
يجد ولي العهد السعودي في الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في شخصية محمد بن زايد، الحليف العظيم.
العلاقة بين الرجلين قوية للغاية – يعتبر محمد بن زايد مرشد محمد بن سلمان، فخلال سنواته الأولى في السلطة، اتبع ولي العهد السعودي نموذج دولة الإمارات التي شارك معها رؤية مماثلة للمنطقة.
تم توحيد الدولتين بسرعة من خلال «شراكة استراتيجية»، عززها إطلاق مجلس تنسيق سعودي إماراتي في مايو من العام، والتي تُعرف أيضًا باسم «استراتيجية أعظم تصميم»)، ويؤدي التحالف بين الدولتين إلى تعطيل توازن الشرق الأوسط.
تشهد الدولتان أيضا، في العديد من مسارح العمليات، توترات تضعف تحالفهما، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى تنويع الدولتين الريعيتين تبشر بدورة جديدة من التوترات.
*1 جوستين كليمان طالبة ماجستير في “الأمن الدولي”، متخصصة في قضايا “الشرق الأوسط” و “الاستخبارات” في مدرسة باريس للشؤون الدولية PSIA) ) في ساينس بو باريس.
أكملت تدريباً لمدة 5 أشهر في المركز الفرنسي للأبحاث في شبه الجزيرة العربية (CEFREPA) في أبو ظبي في العام 2021، حيث تمكنت من تعلم لهجة سكان دول الخليج، كما تدرس الأدب العربي والسوري اللبناني.
*2 أزمة النفط عام 1973 أو صدمة النفط الأولى بدأت في 15 أكتوبر 1973، عندما قررت الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول والتي تتألف من الدول العربية أعضاء أوبك بالإضافة إلى مصر وسوريا، بإعلان حظر نفطي «لدفع الدول الغربية لإجبار دولة إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967»، أوابك أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر والعراق.
- موقع “لوكليه دو موين اغيونت – les cles du moyen orient” الفرنسي
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع