التطبيع مع الكيان الصهيوني خيانةً عظمى لشهداء الأمة كلها
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
يتابع الرأي العام العربي والإسلامي باهتمام بالغ تلك الهرولة المخيفة للنظم السياسية الملكية (الأسرية) باتجاه الإعتراف السياسي والأمني وحتى الثقافي — الاجتماعي لكيان العدو الصهيوني الإسرائيلي، ذلك السباق المحموم نحو التطبيع المخزي والمذل تقوده تحديداً حكومتي السعودية والإمارات، وهي من تقود العدوان على الجمهورية اليمنية منذ 26مارس2015م وحتى لحظة كتابة مقالنا هذا، وهناك دول عربية أخرى عميلة للمشروع الصهيوني الأمريكي الغربي تسير في ذات المنهج والمسار.
والتطبيع مع الكيان الصهيوني والحق يُقال قد شمل كلاً من المملكة المغربية ومملكة البحرين ونظام العسكر بالسودان الجريح الذي لازال يئن من وطأة الكم الجائر المتراكم لحكم العسكر الذي أنهك الإنسان السوداني ونهب خيراته حد بلوغهم الكارثة الإنسانية، وقد سبقت لطريق التطبيع مع الكيان المغتصب للأرض الفلسطينية كلاً من مصر والمملكة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، لكن وهنا ينبغي التوقف عند حد التطبيع بين الكيان الصهيوني ومصر والأردن الذي لم يتجاوزوا فيه حدود البروتوكول الشكلي والعُرف الدبلوماسي فحسب.
نعم المملكة السعودية لم تُعلن بعد للملأ بالاعتراف الدبلوماسي الرسمي، لكن من الناحية العملية فإن قيادة المملكة السعودية هي من شجعت ووجهت الأقطار الملكية والمشائخية الأخرى بالإقدام على خطوة الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفتحت أجواءها ومطاراتها وأسواقها وحتى الأماكن المقدسة فيها للصهاينة الأنجاس بأن يسرحوا ويمرحوا في الأراضي المقدسة، الذي حرّم الله دخولهم وزيارتهم لها.
لكن وشهادة للتاريخ بأن جُلّ الرأي العام العربي بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي وفي جميع تلك البلدان العربية الإسلامية المطبعة، لم تُقبل تلك القرارات التطبيعية الصادرة من حكوماتها واعتبرتها مفروضة عليهم فحسب.
ففي آخر استطلاع للرأي العام لمواطني الإمارات العربية المتحدة فإن نحو 70% من السكان يرفضون رفضاً قاطعاً الإعتراف بالكيان الصهيوني المُحتل لأرض فلسطين العربية، وفي مملكة البحرين رفضت الشيخة/ مي بنت محمد آل خليفه وزيرة الثقافة البحريني أن تمُدّ يدها الطاهرة العفيفة لمصافحة يد السفير الإسرائيلي الصهيوني النجسه، وهي إحدى سيدات القصر الملكي ومن العائلة الملكية الحاكمة في البحرين، وبسبب هذا الموقف الشجاع لها اتخذ الملك البحريني قرار اعفائها من منصبها، لكنها سجلت موقفاً عظيماً وسيبقى خالداً في التاريخ.
حادثة الإمتناع عن مصافحة السفير اليهودي الصهيوني ذكّرني بحادثة مماثلة حدثت في جنوب اليمن إبان زمن الإحتلال البريطاني لجنوب الوطن، ففي سلطنة الواحدي جهة حضرموت انتشرت ظاهرة الفتن والصراعات القبلية القاتلة، فاجتمع نخبة من علية القوم بقيادة عدد من الحبايب الهاشميين يقودهم رجل البر والاحسان الحبيب/ أبوبكر الكاف رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته، اجتمعوا لتدارس الحلول لهذه الظاهرة المخيفة التي اجتاحت المنطقة من تقطُّع وقتال قبلي ونهبٍ للعابرين في الطُرق العامة، فجاء مقترح من عُقلاء القوم بأن يعلن المستشار السياسي البريطاني في إقليم سلطنات حضرموت وهي سلطنة الواحدي وسلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري وسلطنة المهرة وسقطرى، وكان ذلك بين عامي 1937 – 1938م، لإعلان ما سُمي آنذاك (صلح إنجرامس) الشهير، صلح تكون فيه السلطات البريطانية هي الضامن لذلك، وكان الصلح بعنوان (صلح إنجرامس البريطاني المحدد بثلاث سنوات، وثلاثة أشهر، وثلاثة أسابيع، وثلاثة أيام، وثلاث ساعات، وثلاث دقائق، وثلاث ثوان)، وأن من خالف بنود الصلح هذا يتم تسليمه لسلطات السلطنة والمستعمرة من قبل أفراد قبيلته، وهكذا نجحت الفكرة بنسبة كبيرة.
في إحدى زيارات المستر انجرامس في سلطنة الواحدي كان يرافقه آنذاك الشيخ /محمد بن سعيد الواحدي سكرتير السلطنة الواحدية، وحينما وصلوا إلى منطقتنا في غيل حبان، التقى بهم الأعيان وشيوخ القبائل في المنطقة، وكان من بين المستقبلين العم الحاج/ ذياب بن منصور بن حبتور، وبدأ الجموع المستقبلة بالسلام والمصافحة للضيوف إلى أن وصل الدور للعم/ ذياب، فقام وسلّم على السكرتير الواحدي ورفض مصافحة المستر/ إنجرامس، وعلّل رفضه بأنه رجل كافر ونجس، والكثير قد عاتب العم/ ذياب، على ما بدر منه، إلاّ أنه أصر على موقفه اعتقاداً منه بأن أي إنسان أوروبي أبيض فهو يهودي كافر نجس ولا تجوز مصافحته لأنه يُبطل الوضوء.
هذه الحادثة تدل بأن المستعمر البريطاني وممثليه لم يكونوا محل ترحاب من جميع اليمنيين وهو ذات الأمر بأنه مهما حاولت النُظم (الرجعية) الملكية التي ارتضت المهانة بالتطبيع مع العدو الصهيوني فإن المواطنين سيظلون أحراراً وشُرفاء، ومتضامنين مع أشقائهم الفلسطينيين العرب.
بالأمس كان الرفض الواضح من العم/ ذياب بن منصور، لممثل المستعمر البريطاني المستر/ إنجرامس، واليوم يأتي الرفض من البحرين والكويت لسفير وممثل الكيان الصهيوني الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين والقاتل لأطفال ونساء وشيوخ وشباب فلسطين الحرة، كما رفض العديد من الرياضيين والرياضيات الاشتراك في البطولات القارية والدولية لمجرد أن الحظ في (القرعة) جاء مع مُمثلين رياضيين صهاينة إسرائيليين.
من هنا و مهما كانت الإغراءات بمحاسن التطبيع ومزاياه مع الكيان الصهيوني المؤقت فإن أحرار الأمة العربية والإسلامية مع أحرار العالم قاطبة ستقاومها بصلابة وشجاعة، وستفشل جميع بنود اتفاقيات التطبيع المهينة والمذلة للأمة العربية والإسلامية، وأن تباشير النصر عبر المقاومة العربية الإسلامية الفلسطينية الصلبة هي المنتصرة لا محالة في نهاية المطاف.
ماهي العبر والدروس من جميع هذه الأحداث التي نعيشها اليوم في عالمنا العربي؟:
أولاً: إن حجم التضامن العربي والإسلامي والعالمي مع حركة المقاومة للمشاريع الصهيونية الأمريكية يزداد ويتسع وأن المُطبعين من فئة الفصيل الحاكم العربي هي فئة محدودة ومعزولة وإن تم تغليفها بسيل التطبيل الكاذب من قِبل الذباب الإلكتروني المدفوع له ملايين الدولارات، كل ذلك لم يُغطي عورات هؤلاء الحكام المنهزمين.
ثانياً: يوم الجمعة الماضي بتاريخ 5 أغسطس 2022م، شنت طائرات دولة الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي هجوماً غادراً على احدى الشقق السكنية في قطاع غزه لتغتال الشهيد/ تيسير الجعبري من قيادات حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني ومجموعة من المواطنين الفلسطينيين الآمنين في هذا الحي الآمن، وتلتها بيومين اغتيال الشهيد/ خالد منصور ومجموعة من الشهداء الفلسطينيين، وبطبيعة الحال ردت مقاومة حركة الجهاد وبقية المقاومين من غرفة العمليات المشتركة بزخات من الصواريخ الفلسطينية بلغت المئات من الصواريخ باتجاه الأرض المحتلة في غلاف غزه ومدينة تل أبيب والقدس وبقية المدن المحتلة، وفي يوم الأحد مساءً تم الاتفاق على وقف اطلاق النار بين حركة الجهاد والكيان الصهيوني برعاية مصرية وبشروط كانت لصالح الفلسطينيين نسبياً.
لاحظ جميع المراقبين بأن دول التطبيع وإعلامهم الرخيص كانت في غيابٍ كُليٍ وكأن الدم الفلسطيني المسلم لا يهمهم ولا يعنيهم، ولم نلاحظ سوى القنوات الإعلامية لمُعسكر المقاومة كانت متفاعلة ومتضامنة مع المقاومة الفلسطينية وقناة الجزيرة إلى حد ما تنقل الأحداث وبإيجابية ٍنسبية.
ثالثاً: برغم مرور قرابة 74عاماً من عام تقسيم فلسطين المحتلة بقرار من الأمم المتحدة وبدفع قوي من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو بتقسيم أرض فلسطين، وتخصيص جزء من الأرض الفلسطينية ليكون وطناً لليهود الصهاينة في العالم، مُنذ ذلك التاريخ ومعظم الأنظمة العربية الرسمية متواطئة مع قرار التقسيم ومؤيدة له، إلاّ أن الشعب العربي الحُر من المحيط إلى الخليج يؤمن بأن فلسطين عربية من البحر إلى النهر ويؤمن بأن الكيان الصهيوني عبارة عن كيان مصطنع مؤقت وسيزول بشكلٍ حتمي، كما زالت الحركة الاستعمارية الأوروبية المحتلة لأراضي الغير.
رابعاً: السقوط الأخلاقي والديني والإنساني للمشاريع التطبيعية مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، كون العدو الإسرائيلي يمارس يومياً جرائم غير إنسانية بحق أطفال ونساء وشيوخ وشباب أهلنا بفلسطين المحتلة، ومن لديه قليل من الحياء، وقليل من ضمير لازال ينبض، وبقايا نخوة عربية إسلامية وإنسانية وهو يشاهد عبر القنوات الفضائية العربية والأجنبية تلك المشاهد المقززة لجنود الإحتلال الصهيوني الاسرائيلي وهم يستبيحون المسجد الأقصى المقدس بأقدامهم النجسة، وفوق ذلك يركلون ويدوسون ويضربون بقسوة ووحشية بهراويهم الغليظة الفلسطينيات المرابطات في الأقصى الطاهر وهن بنات ونساء الأشقاء الفلسطينيين العفيفات الطاهرات، إنهن نموذجاً عظيماً وكريماً لبناتنا وأمهاتنا وأخواتنا، هن يدافعن برجولة وكبرياء عن المسجد الأقصى والقدس الشريف نيابة عن أزيد من مليار مسلم ونيّف يتوزعون على الكرة الأرضية، ويذودون بشرف نيابة عن أربع مائة مليون عربي تضج بهم الشوارع والمقاهي والمدن والصحاري، أليس هذا شرفٌ عظيم للفلسطينية الشريفة العفيفة بأنها تدافع عن أقدس مقدسات المسلمين بينما بعض الحكام العرب الخونة المنبطحين يحتسون النبيذ الفرنسي المُعتق مع قادة الكيان الصهيوني الغاصب.
خامساً: الغريب بأن بعض الحُكام العرب يهرولون منبطحين نحو التطبيع والصلح مع الكيان الصهيوني بينما هو في لحظة ضعف وهُزال، ويتم تحدّيهم ومقاومتهم من إحدى فصائل المقاومة أو من مجموعها، هؤلاء الحكام الضعفاء يستقوون على شعوبهم ويقمعون أيّ حركة مقاومة فيها ويغلقون أفواه علمائهم ومثقفيهم وأي صوتٍ حُر، بينما الكيان الصهيوني أوهن من خيط العنكبوت كما وصفهم سيد المقاومة الفلسطينية السيد الثائر/ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني حفظه الله.
سادساً: انكشاف سياسة النُظم الرجعية المطبعة وآلتها الإعلامية الهائلة بمحاولة تحويل كيان العدو الإسرائيلي إلى كيان صديق للعالم العربي والإسلامي وتحويل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى دولة عدوة للقضايا العربية الإسلامية، وهذا (الاختراع) الصهيوني الأمريكي للفكرة الجهنمية تساقطت وهُزمت بشكلٍ تدريجي في نظر غالبية الراي العام العربي والإسلامي، لأن المقاومة الفلسطينية تستلم أسلحتها اليوم من (الصواريخ والعتاد والمال) من جمهورية إيران الإسلامية والجمهورية العربية السورية، أما بقية الأنظمة العربية إما أنها سلبية في موقفها من المقاومة أو منشغلة بهمومها الذاتية الداخلية، أو أنها عميلة في الأصل للولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو المُعادي لقضايا أمتنا الإسلامية وهي الحامي للكيان الصهيوني الإسرائيلي، أو أنها من الحكومات العربية المطبعة الهزيلة مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي ومُنفذة للمشروع الأمريكي في المنطقة.
سابعاً: استطاعت حركة المقاومة في عالمنا الإسلامي أن تعيد تعريف الحركة الصهيونية بشكلها الحقيقي وأن مجرد تحسين صورة العدو الصهيوني ماهو إلا عبارة عن مراوغة كاذبة، هدفها مغالطة الرأي العام العربي والإسلامي والإنساني برُمته، لأن جرائم الحركة الصهيونية تتجدد كل يوم تقريباً على أرضنا المحتلة فلسطين.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
رئيس مجلس الوزراء لحكومة الإنقاذ الوطني
صنعاء – اليمن
* المصدر :رأي اليوم