كيفية حل أزمة الغذاء في العالم
ترسم إرثارين كوزين، الرئيس السابق لبرنامج الغذاء العالمي، الخطوط العريضة خطوة بخطوة لخطة إطعام كوكب متحارب ودرجة الحرارة فيه في ارتفاع.
السياسية :
بقلم: رافي أغراوال، رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي
(صحيفة “فورين بوليسي” الامريكية- ترجمة: انيسة معيض، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
لقد كان للحرب في أوكرانيا العديد من التأثيرات العالمية، ولكن ربما لم يكن أي منها مؤلماً مثل التأثير على الإمدادات الغذائية في العالم.
فأوكرانيا وروسيا من بين أكبر منتجي القمح والذرة والبطاطس في العالم، وقد أدت الحرب إلى توقف الإمدادات من هذين البلدين في الأسواق العالمية خلال معظم هذا العام.
بخلاف الحل السياسي، ما الذي يمكن عمله لزراعة المزيد من الغذاء وتوزيعه بشكل أكثر إنصافاً؟
وكجزء من podcast Global Reboot، التقيت بـإرثارين كوزين، الرئيس السابق لبرنامج الغذاء العالمي، وما يلي هو نص مختصر ومُحرر لحديثنا
الصحيفة: لنبدأ بالحرب في أوكرانيا، من الواضح أن العالم يعاني بالفعل من مشكلة غذائية، تفاقمت بسبب الوباء والتضخم وغير ذلك الكثير، ولكن بعد ذلك يأتي هذا الصراع الشامل بين الدول في وسط أحد المراكز الزراعية الكبرى في العالم، إلى أي مدى أضرت الحرب هذا العام بالإمدادات الغذائية؟
إرثارين كوزين: ما يجب أن نتذكره هو أن ما يقرب من 25 إلى 30 %، في كل عام، من محصول القمح في نظام الغذاء العالمي يتم إنتاجه من قبل روسيا وأوكرانيا مجتمعين.
وأكثر من 50 % من الزيوت الأساسية، وخاصة زيت عباد الشمس، تأتي من روسيا.
ثم لديك عدد من البلدان مثل مصر والسودان والعراق والعديد من دول القرن الأفريقي والصومال، على سبيل المثال، الذين هم مستوردون مباشرون للسلع من أوكرانيا، والآن هذه السلع لا يتم نقلها.
لكننا أيضاً في وضع يكون فيه نقل الغذاء من مناطق مختلفة من العالم مرتفعاً للغاية بسبب ارتفاع أسعار النفط.
لذا حتى عندما يكون لديك دول مثل الهند تزيد بشكل كبير من كمية السلع التي تطلقها في نظام الغذاء العالمي، فإن هذين العاملين المزدوجين لارتفاع سعر القمح وارتفاع سعر النفط يجعلان السلع، كما قد يجادل البعض، مرتفعة السعر بما يصل إلى 23 % مما كانت عليه في هذا الوقت من العام الماضي.
الصحيفة: وهل من العدل أن نقول إن هذا كان بالفعل وقتاً سيئاً بشكل خاص؟ أو هل كانت هناك لحظات أخرى في التاريخ الحديث مشابهة، على سبيل المثال في 2008، رأيت قيوداً حقيقية مماثلة في الإمدادات؟
إرثارين كوزين: هناك قضايا مماثلة بين أزمة ارتفاع أسعار الغذاء لعام 2008 والوضع الذي نواجه اليوم.
ولكن ما يجعل هذا العام أكثر تحدياً من عام 2008, هو حقيقة أننا خرجنا من جائحة كوفيد 19.
لقد رأينا سلاسل التوريد التي تعرضت لضعف كبير، بعبارة أخرى، كانت الأسعار مرتفعة بالفعل.
والعديد من البلدان المستوردة التي تمكنت في عام 2008 من دعم الأسعار المرتفعة للغذاء تعاني من ضائقة مالية تماماً الآن لأنها استثمرت في الاستجابة الصحية لفيروس كورونا.
الصحيفة: وإضافة إلى ذلك، لديك حقيقة أن الأسمدة تأثرت فجأة بالحرب في أوكرانيا؟
إرثارين كوزين: أنت محق تماماً، ولكن حتى قبل الصراع في أوكرانيا، كان مجتمع الأسمدة الدولي يحذر المجتمع الزراعي من أنه بسبب النقص في السلع الأساسية، كان هناك نقص في الأسمدة وأنه يمكننا توقع ارتفاع تكاليف الأسمدة.
ثم مع الحرب في أوكرانيا، هناك الآن التحدي المتمثل في إنتاج حوالي 10 إلى 13 % من الأسمدة في روسيا.
على سبيل المثال، في مارس 2022، ارتفع المكون الرئيسي في الأسمدة، الذي يأتي من البحر الأسود، من 350 دولاراً للطن إلى حوالي 900 دولار للطن.
ولماذا هذا مهم؟ إنه مهم لأن ما يقرب من نصف الغذاء المنتج في العالم اليوم، وخاصة الغذاء الذي ينتجه 500 مليون مزارع من أصحاب المزارع الصغيرة، يعتمد بحوالي 50 % على مدخلات الأسمدة وما نعرفه هو أنه مقابل كل 1٪ انخفاض في الأسمدة، هذا يقلل من توافر الغذاء لما يصل إلى 30 مليون شخص.
الصحيفة: وهناك مثال واقعي لهذا من العامين الماضيين في سريلانكا، حيث بدأت حكومة غوتابايا راجاباكسا في عدم استيراد سماد عالي الجودة بعد الآن وقالت، “سننتقل إلى الزراعة العضوية” وقد أدى ذلك بدوره إلى انخفاضات هائلة في العائدات، وهو ما أدى بالطبع إلى اللحظة التي رأيناها في وقت سابق من هذا العام مع احتجاجات حاشدة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتضخم متفشي، وبعد ذلك، بالطبع، فأن الحكومة في ورطة.
إرثارين كوزين: بالضبط، لكني لا أريد أن يكون هذا إذا ما كان ينبغي أن يكون لدينا مدخلات كيميائية أو زراعة عضوية، نحن بحاجة إلى نظام زراعي متنوع.
ما نحتاج إلى ضمانه هو أننا نقدم الموارد المتزايدة الضرورية لصغار المزارعين، وكذلك لكبار المزارعين، لزيادة الإنتاج.
الصحيفة: هل هناك الكثير من الأفواه التي يجب إطعامها على مستوى العالم؟
إرثارين كوزين: إذا تبنينا العلم والابتكار، فيمكننا إطعام كل شخص على هذا الكوكب.
في العديد من البلدان التي تعاني من نقص في الإنتاج اليوم بسبب نقص الوصول إلى البذور والأدوات، كما ناقشنا، وتفتقر أيضاً إلى البنية التحتية.
ونتيجة لذلك، يُفقد حوالي 40 % مما يتم إنتاجه بالفعل قبل أن يصل إلى المستهلكين بسبب عدم الوصول إلى الطرق المناسبة، وعدم الوصول إلى التخزين، وعدم الوصول إلى التبريد، ولذلك لدينا كمية أقل من الطعام، ومن ثم نفقد 40 %مما يتم إنتاجه.
الصحيفة: حسناً، كيف نركز على تحسين الأنظمة، وجعلها أكثر مرونة، وتحسين سلاسل التوريد، والقيام بكل هذا مع الاستمرار في إنتاج المزيد؟
إرثارين كوزين: أولاً وقبل كل شيء، نحتاج إلى ضمان أنه في الأماكن التي لا يستطيع فيها الناس إطعام أنفسهم في أوقات النزاع، لدينا نظام إنساني مزود بالموارد لتلبية احتياجات هؤلاء السكان.
نحن كمجتمع عالمي بحاجة إلى وضع السياسات اللازمة لضمان أن لدينا نظام زراعي يعمل بشكل مناسب على كل من المستويات العالمية والوطنية والمحلية.
وهذا كله يتعلق بضمان عدم قيام البلدان بفرض أي نوع من التعريفات الجمركية أو حواجز التصدير التي من شأنها أن تجعل الغذاء غير متوفر أو لا يمكن تحمل اسعاره.
ومن ثم نحتاج إلى التأكد من أن لدينا أدوات التنفيذ على المستوى المحلي التي ستضمن حصول المزارعين على الأدوات، بما في ذلك البذور وحماية المحاصيل، فضلاً عن المياه اللازمة.
ففي العديد من الأماكن، يرجع عدم الوصول إلى الري أو عدم الوصول إلى أنظمة تخزين المياه التي تسمح بالإنتاج الكافي للغذاء إلى عدم وجود أنظمة.
نحتاج أيضاً إلى شراكات، لكي تعمل كل هذه الأنظمة، فأنت بحاجة إلى شراكات مجتمعية بين القطاعين العام والخاص تسمح بالمشاركة الكافية للمعلومات ومشاركة الموارد التي تجعل هذه الأنظمة أكثر إنتاجية.
نحن بحاجة إلى أن يستثمر القطاع الخاص بشكل مختلف، في كثير من الأحيان، ما نراه هو أن الاستثمارات التي يقوم بها القطاع الخاص في البذور الجديدة، والأدوات الجديدة، والقدرة الإنتاجية الجديدة تحدث مرة أخرى لهؤلاء المزارعين الأثرياء.
فالأطعمة الجديدة تأتي عبر الإنترنت للمستهلكين الأثرياء، لكننا لا نرى الاستثمارات الضرورية لدعم 500 مليون مزارع من أصحاب المزارع الصغيرة الذين تحدثت عنهم، على الرغم من أن ذلك أيضاً يمثل فرصة ليس فقط لإحداث تأثير، ولكن أيضاً لتحقيق عائد مالي كبير.
الصحيفة: كيف نمول توصيات السياسة هذه؟
إرثارين كوزين: الإجابة صعبة، ما نراه عندما تكون هناك أزمة إنسانية هو أن الناس يريدون من حكوماتهم أن تتقدم لتلبية الاحتياجات الطارئة.
إن تدفق الدعم للتحديات الإنسانية في أوكرانيا غير مسبوق تماماً – وقد يقول الكثيرون لأنه أوروبي وليس أفريقياً أو ليس شرقًاً أوسطياً.
توفر الحكومات الموارد المالية لدعم الاستجابة الإنسانية التي نحتاجها، ثم ماذا؟ وحتى عندما ينتج عما نسميه “تأثير سي إن إن” تدفق الكرم من الأفراد والحكومات، فإن هذا الكرم لا يدوم أبداً ما دامت الأزمة.
وهكذا، على سبيل المثال، اليوم في اليمن، حيث كانت هناك مساهمات كبيرة لليمن في الأيام الأولى لما أصبح الآن صراعاً منذ ست سنوات، يضطر اليوم، برنامج الأغذية العالمي إلى خفض الحصص الغذائية إلى النصف، على الرغم من حقيقة أن عدد السكان الذين يعانون من أزمات الجوع الحاد في ازدياد، وليس انخفاض، لأن قدرة الأسرة على إطعام نفسها تزداد سوءاً، وليس الحال قد أصبح أفضل، وذلك لان الصراع طال امده.
ثم فيما يتعلق بالتنمية، فإن هذا يمثل تحدياً أكبر، التزم المجتمع العالمي بأسره بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتلبية احتياجات التكيف والتخفيف في العالم النامي كجزء من اتفاقية باريس وهذا الالتزام لم يتم الوفاء به بعد.
وبالتالي فإن المتوقع هو أن تبدأ الدول في إجراء التغييرات الضرورية للتكيف، لأن أزمة المناخ قد بدأت بالفعل.
الآن، تفاوتت نسبة هطول الأمطار وقصرت مدتها ونشهد موجة حر غير مسبوقة في الهند.
نحن نشهد مواسم الجراد وانتشار الحشرات الأخرى في القرن الأفريقي وترتبط ارتباطا مباشرا بالزيادة في المناخ.
وبالتالي، يزرع الأشخاص الأكثر ضعفاً في بعض الأراضي الأكثر عرضة لتحديات المناخ في العالم.
ولذا عندما لا نستثمر في البذور المقاومة للجفاف، وهو نوع الزراعة الدقيقة الضرورية لضمان أن البذور تحتاج إلى كميات أقل من المياه، لذلك عندما لا تهطل الأمطار، لا يزال بإمكاننا الإنتاج على أعلى المستويات، لم يتم إجراء تلك الاستثمارات المالية ونتيجة لذلك، نعد أنفسنا لمزيد من التحديات.
آخر شيء أود قوله هو أنه في وضع مثل اليوم حيث يمكننا أن نرى أزمة أسعار الغذاء المرتفعة التي تلوح في الأفق، فإننا لا نقوم بأي نوع من أعمال الاستجابة الإنسانية الوقائية للاستثمار في أنواع الأدوات التي ستضمن ذلك لمدة عام من الآن، عندما لا يتوفر الحصاد لأن الحصاد لم يكن متاحاً من أوكرانيا، وأن المزارعين قد أنتجوا المزيد في المجتمعات المحلية، فإن هذا العمل لا يحدث لأن الاستثمارات لم تتم.
الصحيفة: يبدو لي أنني متفائل بأنك تقول إننا لا نواجه مشكلة في الطلب، لدينا مشكلة في العرض. هل هذا الأمل مشترك على نطاق واسع في مجتمع الأشخاص الذين يفعلون ما تفعله؟
إرثارين كوزين: بدون شك، من المستحيل أداء هذا العمل بشكل يومي بدون أمل، لكننا ندرك أن هذا الأمل يكون معقولاً فقط إذا اقترن ذلك بإرادة الشعوب.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع