الحضارةُ الغربية ومحاولةُ فرضها على الشعوب
السياسية:
عمل الاستعمارُ بكل إمْكَانياته في الماضي والحاضر على اختراقِ النُّخَبِ السياسية والثقافية، بحُكمِ قدرتها على التأثير الكبير والمباشر على الشعوب، وقد جاء الاختراقُ عن طريق تسويق الحضارة الغربية كحَلٍّ للمشاكل التي تواجهها المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، وخَاصَّة في العالم العربي والإسلامي، ودفع النخب لتبني ذلك وتسويقِه بين أفراد الشعب، مما دفع الشعوبَ إلى الاستمرار في اللهث وراءَ بهرجة الحضارة الغربية الخالية من المضمون، في محاولة لحل مشاكلها ولكن دون جدوى.
وكانت بعضُ الشعوب وخَاصَّةً الآسيويةَ قد استوعبت المؤامراتِ التي يحيكها الغربُ ضدها، وبدأت بالبحث عن حلول لمشاكلها من خلال واقعها وإمْكَانياتها، واستمرت العديدُ من الشعوب وخَاصَّةً العربية والإسلامية بالتوجّـه نحو الحضارة الغربية كملاذٍ مما تعانيه، وهذا فهم خاطئ؛ لأَنَّ الاختلافات في الدين والقيم والثقافة مع الغرب يحول دون ذلك، وكما قال الرئيس بوتين: إن الغربَ يسعى إلى فرض قيمه السياسية والأخلاقية على شعوبٍ لا ترغبُ بذلك، ويمكنُ اعتبار الدين والثقافة والقيم الأخلاقية من خصوصيات الشعوب لا يمكن التنازل عنها ولا يمكن لشعبٍ شرقي مسلم أن يعيشَ حياةً غربيةً بدون تقديم تنازلات كبيرة، وقد رأينا وتابعنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حكوماتٍ عربيةً وإسلامية حاولت أن تفرِضَ على شعوبها نمطَ حياة غربية، من حَيثُ التحرّر والعلاقات الاجتماعية، وحقّقت بعضَ النجاحات من الناحية الشكلية آنذاك، ولكن سَرعانَ ما حدثت ارتداداتٌ كبيرةٌ نحو الدين ونحو الثقافة الأصلية عندما سنحت الفرصةُ لتلك الشعوب، كما حدث في إيران وأفغانستان وغيرهما، وكذلك إذَا تابعنا أوضاعَ الأسر العربية والإسلامية التي اضطرت للانتقالِ إلى أمريكا وأُورُوبا في العقود الماضية نجدُ أن معظمَها حاولت بكل الوسائل توفيرَ بيئة مجتمعية قريبة من بيئتها الأصلية؛ خوفاً من انجرار أبنائها وبناتها نحو القيم الغربية.
كانت النتيجة لمحاولةِ الغرب فَرْضَ قيمه وثقافته على الشعوب الأُخرى أن ظهرت دولٌ مَسْخٌ لم تتمسَّكْ بدينها وثقافتها الأصلية، وَأَيْـضاً لم تتمكّنْ من استيعاب الثقافة والقيم الغربية، وبذلك فشلت تلك الدولُ في تحقيق الرفاهية والتنمية والاستقرار السياسي لشعوبها؛ لأَنَّها تائهةٌ بين مورثها الديني والثقافي الذي يجبُ أن تنطلقَ منه لتحقيق تطلعات شعوبها وبين حضارةٍ غريبة عن واقعها تلهَثُ وراءها ولا تستطيع أن تصلَ إليها؛ ولذلك سيستمرُّ الصراعُ الداخلي في الدول العربية والإسلامية حتى تقتنعَ الشعوب بأن لا حَـلَّ إلَّا بالرجوع إلى الدين والتمسُّك بقيمه وثقافته وتحمُّلِ الصعوبات والمشاكل التي سوف تواجهُها نتيجةَ ذلك.
بقلم: د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع أنصار الله ويعبر عن رأي الكاتب