السياسية:

تحقق الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية نجاحاً لافتاً، ونجحت في الترويج لسردية الحكومة الصينية للأحداث العالمية، وخاصة تلك المرتبطة ببكين.

ورغم أن هناك أساليب متعددة ومتنوعة تستخدمها الصين للترويج لسياساتها على وسائل التواصل الاجتماعي والتعبير عن وجهة النظر الحكومية الرسمية الصينية في العديد من مناطق العالم، إلا أن اللافت هنا هو نجاح هذه الوسائل الصينية في استقطاب العرب، حسبما ورد في تقرير لموقع Modern Diplomacy الأوروبي.

يأتي هذا النجاح على الرغم من تأخُّر حضور بكين في الإعلام العربي لتوضيح سياسات الصين وكشف الحقائق من وجهة نظر صينية رسمية في المقام الأول، وهو الأمر الذي يثير على ما يبدو قلق الدوائر الغربية التي تحاول أن تحتكر عملية صياغة العقل العربي.

الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية جزء من حملة دعاية صينية أوسع تشمل معظم العالم بما فيها الدول الغربية المناهضة لبكين.

فبينما تواصل الصين تأكيد قوتها الاقتصادية، فإنها تستخدم النظام البيئي العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع نفوذها الهائل بالفعل.

وقامت بكين بهدوء ببناء شبكة من شخصيات وسائل التواصل الاجتماعي الذين يرددون وجهة نظر الحكومة الصينية في المنشورات التي يراها مئات الآلاف من الأشخاص، ويعملون على قدم وساق وهم يروجون لفضائل الصين، ويصرفون الانتباه عن النقد الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها، ويعززون وجهة نظر بكين في الشؤون العالمية مثل حرب روسيا ضد أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع وكالة أسوشيتد برس “AP” الأمريكية.

إليك المواقع التي تستخدمها الصين لترويج دعايتها بنجاح
ويعتقد أن بعض المراسلين الصينيين التابعين للدولة مؤثرون عصريون أو مدونون على Instagram. كما استعانت الصين بشركات لتجنيد المؤثرين لتقديم رسائل مصممة بعناية تعزز صورتها لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

وهي تستفيد من كادر من الكوادر الغربية التي خصصت قنوات YouTube وتغذيات Twitter لترديد الروايات المؤيدة للصين حول كل شيء، بدءاً من معاملة بكين لمسلمي الإيغور إلى إيلين جو، وهي لاعبة تزلج أمريكية من أصول صينية مثلت الولايات المتحدة في كأس العالم للتزلج الحر ثم مثلت الصين في الألعاب الشتوية في بكين عام 2022، مما جعلها رمزاً للنجاح الصيني في استقطاب المواهب الصينية الأصول من المهجر الأمريكي.

تسمح شبكة المؤثرين لبكين بتقديم الدعاية بسهولة لمستخدمي Instagram و Facebook و TikTok و YouTube في جميع أنحاء العالم. يعمل ما لا يقل عن 200 من المؤثرين الذين لهم صلات بالحكومة الصينية أو وسائل الإعلام الحكومية في 38 لغة مختلفة، وفقاً لبحث من شركة Miburo، وهي شركة تتعقب عمليات التضليل الأجنبية.

وفي العالم العربي، لاحظ الصحفيون والشخصيات الإعلامية والنشطاء الصينيون الذين يتحدثون العربية مؤخراً نشاطاً لافتاً من قبل أدوات الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية، خصوصاً تويتر، من وجهة النظر الرسمية الصينية.

الصين توظف بنيتها الرقمية الهائلة في دعايتها على الشبكات الاجتماعية
نجحت الصين في إقامة بنية تحتية رقمية هائلة تسمح لها بالسيطرة على كل المنصات الاجتماعية ومراقبتها، وعرض وجهات النظر الرسمية للدولة الصينية وحزبها الشيوعي الحاكم.

ووفقاً لوثائق المشتريات الحكومية الصينية، تعتمد أساليب الدعاية الإلكترونية الجديدة على البرامج المتقدمة، وتسمح هذه البرامج للسلطات الصينية بإجراء أبحاث متقدمة حول السجلات العامة والبيانات المتعلقة بكافة المعلومات الشخصية بشأن الأهداف وأماكن وجودها.

وتُعَد الدعاية الرقمية الصينية جزءاً من حملة بكين الأوسع نطاقاً لمواجهة الصور السلبية عنها. وقد اشترت كل الوكالات الصينية، بما في ذلك وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة وأقسام الدعاية والشرطة والجيش والجهات التنظيمية الإلكترونية، العديد من أنظمة جمع البيانات الحديثة والأكثر تقدماً.

لديها قاعدة بيانات عن الصحفيين الأجانب
نجح برنامج الإعلام الرسمي الصيني أيضاً في إنشاء قاعدة بيانات للصحفيين والأكاديميين الأجانب عبر “تويتر وفيسبوك”، مع عرض لوجهات النظر الصينية عليهم.

ما يحدد سياسات الصين تجاه الإنترنت بشكل عام هو مبدأ أنَّه لا توجد حرية كاملة، ووضعت سلطات الحزب الشيوعي الحاكم في الصين “سبعة خطوط حمراء”، تم الاتفاق عليها في “قمة الإنترنت الصينية” التي انعقدت في 2013. وتتمثَّل تلك الخطوط الحمراء التي لا يجب انتهاكها أو تعريضها للخطر على الإنترنت، في: القانون، والاشتراكية، والنظام السياسي، ومصلحة الدولة، وحقوق الآخرين، والأنظمة الاجتماعية، والأخلاقيات، وصحة المعلومات.

..وتستخدم دبلوماسيها للترويج لسرديتها
يوجد أكثر من 300 دبلوماسي صيني حول العالم، في أكثر من 120 بلداً، ولدى كلٍّ منهم حساب على شبكات التواصل الاجتماعي “فيسبوك أو تويتر”، بما يعادل أكثر من 500 حساب رسمي على تلك الشبكات.

مهمة هذه الحسابات هي إعادة تغريد أو نشر أو الإعجاب بمنشوراتهم بأنفسهم أو من خلال المتابعين الآخرين، وهو ما يقود في النهاية إلى نشر وجهة النظر الرسمية الصينية والتعبير عنها عالمياً بشأن كل القضايا.

الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية

ويُعَد أشهر وأهم شخص استخدم شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لجهود الحكومة الصينية في الخارج هو السفير الصيني السابق لدى بريطانيا، ليو شياو مينغ، الذي استقال عام 2019. انضم السفير شياو مينغ إلى تويتر في أكتوبر/تشرين الأول 2019 مع تدفق العشرات من الدبلوماسيين الصينيين إلى تويتر وفيسبوك، طارحين ومُعبِّرين عن وجهات نظر الصين في كل البلدان حول العالم.

نجح السفير ليو شياو مينغ في مهمته وحصل على أكثر من ربع مليون متابع، وروَّج لنموذج للدبلوماسية الصينية يُعرَف بـ”الذئب المحارب”، وهو مصطلح مُستعار من عنوان فيلم صيني حقق أرباحاً كبيرة. ويعني أنَّ الصين هي إحدى الذئاب، لأنَّه هناك ذئاب في العالم، ويحتاج المرء محاربين لردعهم.

وعقدت اتفاقات مع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي
وأبرمت الحكومة الصينية اتفاقات مع مجموعة من الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم لتحسين صورة الصين في العالم وجذب السياح ومواجهة الدعاية المضادة. وتستخدم السلطات الصينية أكثر من 200 مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم للترويج للصين بأكثر من 40 لغة مختلفة، يتابعهم أكثر من 60 مليون شخص للترويج للسياحة والثقافة والمواقف المختلفة للحكومة الصينية. وتتراوح أنشطة هؤلاء المؤثرين من الغناء إلى الطهي والسفر والسياحة والصداقة بين الصين وبلدان العالم.

وتعمل الصين هنا على إنشاء قوة مضادة، لمواجهة كل شيء يُكتَب عنها عالمياً من وجهة نظر مضادة لبكين. لذا، تنفق الصين مبالغ ضخمة لدعوة العديد من الصحفيين الأفارقة والعرب والأمريكيين اللاتينيين والآسيويين والأستراليين لزيارة بكين وتكوين وجهة نظر عن المجتمع الصيني، لتقديم وجهات نظر الدولة الصينية علناً في قضايا مختلفة، مثل قضايا الإيغور المسلمين والتبت وهونغ كونغ وتايوان وغيرها.

المؤثرون الصينيون ينتقدون الحروب الغربية في الشرق الأوسط
وكالة أسوشيتد برس “AP” الأمريكية وجدت في مراجعتها أن معظم حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية المؤثرة يتم تصنيفها على أنها وسائل إعلام ممولة من الدولة، على Facebook أو Instagram ، ولكن لا يتم الإبلاغ عنها على YouTube أو TikTok.

حساب Li Jingjing الصيني على سبيل المثال، بدأ تويتر مؤخراً في تصنيفه على أنه وسيلة إعلام حكومية صينية.

وأظهرت الحرب الأوكرانية للغرب أن التعاطف معه في العالم محدود، فباستثناء كوريا الجنوبية واليابان، فإن مناطق يوجد بها نفوذ غربي قوي تقليدياً مثل أمريكا اللاتينية والعالم العربي وإفريقيا وآسيا، لا تبدو تتبنى السردية الغربية بشأن أزمة أوكرانيا.

واستغلت الصين ذلك جيداً خاصة في منطقة الشرق الأوسط، المنطقة التي يتلاقي فيها نفوذ غربي قديم مع مظالم تاريخية ارتكبها الغرب وما زال يرتكبها.

لجأ حساب لي جينغ جينغ الذي الذي يعتقد أنه لسيدة من تصف نفسها بأنها “مسافرة” و”راوية قصة” و”صحفية” إلى YouTube لتقديم سرد مختلف عن السرديات الغربية.

نشر حساب لي جينغ جينغ الصيني موضوعاً بعنوان “أزمة أوكرانيا: الغرب يتجاهل الحروب والدمار الذي يجلبه إلى الشرق الأوسط”، تسخر فيه من الصحفيين الأمريكيين الذين يغطون الحرب الأوكرانية. كما أنها خصصت مقاطع فيديو أخرى لتضخيم الدعاية الروسية حول الصراع، بما في ذلك مزاعم الإبادة الجماعية في أوكرانيا ضد الأقلية الروسية أو أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هما سبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

لكن ما لم تقله في مقاطعها عن أوكرانيا، والتي تضمنت عشرات الآلاف من الآراء، أنها مراسلة لشبكة CGTN الصينية، وأن وجهات نظرها تشمل نقاطاً مألوفة في سردية الحكومة الصينية.

يستخدم معظم المؤثرين في الصين عروضاً تقديمية مماثلة لعروض Li Jingjing على أمل جذب الجماهير في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر وكينيا. تطلق الشخصيات، وكثير منها من النساء، على أنفسهن “مسافرات”، يشاركن الصور ومقاطع الفيديو التي تروّج للصين كوجهة شاعرية.

وتوظف الصين مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2020 لنشر الدعاية المؤيدة للصين بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الناطقين بالعربية يقومون بإخفاء انتمائهم للحكومية الصينية، ويهدفون إلى الترويج لصورة عامة مواتية للصين.

الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية سعت لتبرئة بكين من الجائحة
ظهرت الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط واضحة في أعقاب جائحة COVID-19، ولكن ما تقوله وسائل الإعلام الصينية عن الشرق الأوسط، يعتمد على اللغة التي يكتب بها الموضوع، حسب وصف صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

ففي مصر أكبر دولة عربية سكاناً، وقعت الحالات المبكرة لوفيات كورونا بين أفراد الجيش المصري رفيعي المستوى الذين عملوا عن كثب مع العمال والمهندسين الصينيين المشاركين في بناء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر.

بعد فترة وجيزة من وفاتهم، أظهر مقطع فيديو على موقع يوتيوب عدداً من المصريين يتحرشون برجل آسيوي على طريق دائري بالقاهرة الكبرى بعد أن أُجبر على الخروج من رحلة أوبر.

وبينما استنكر المئات من المصريين معاملة الرجل ووصفوها بأنها عنصرية حادة، أعرب آخرون عن مخاوفهم من الوجود الصيني في مصر، معتبرين إياهم مصدر انفجار افتراضي للفيروس.

من بين الأصوات التي تدافع عن الصينيين في مصر امرأة شابة تستخدم الاسم فيحا وانغ، والتي تفاخرت بأصلها الصيني على الإنترنت. في أغسطس/آب 2019، قبل الهجوم بعدة أشهر، أنشأ وانغ صفحات على Facebook و TikTok و Twitter. لم يكن لهذه الصفحات سوى بضعة آلاف من المتابعين في ذلك الوقت، مع تعليقات أشادت في الغالب بجمالها وكتبت العربية بطلاقة، حسب موقع Global Voices.

بعد أن قادت وانغ حملة على Facebook تحث المصريين على الاعتذار ودعم الرجل الآسيوي الذي تعرض للتنمر، حصدت صفحتها مئات الآلاف من المتابعين.

أصبحت وانغ صوتاً مرحباً به في وسائل الإعلام المصرية، وجذبت الانتباه في كل من وسائل الإعلام السائدة والبديلة، وكذلك وسائل الإعلام الدولية التي تغطي مصر. تحدثت وانغ في مقابلات عن حملتها الناجحة وعن العلاقات المصرية الصينية المتينة.

سرعان ما انتشرت منشوراتها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار آلاف ردود الفعل على منشوراتها بشأن وطنها، والتي ركزت في الغالب على الطهي وأطعمة الشوارع والثقافة الصينية، مع توجيه المتابعين لها كلمات المديح لجمالها وابتسامتها.

جنباً إلى جنب مع زيادة المتابعين، ظهرت نغمة جديدة في مشاركات وانغ، حيث أصبحت المنشورات التي تشيد بالصين وتعامل حكومتها مع الفيروس أكثر تواتراً، وما بدا كبرياء وطنية صادقة قد أفسح المجال لدعاية مستهدفة على ما يبدو. بعد فترة وجيزة، ظهر المزيد من الصحفيين والمؤثرين الافتراضيين الذين يروجون لوجهات النظر الصينية عبر مجال وسائل التواصل الاجتماعي في مصر.

وفقاً لسيرتها الذاتية على Facebook، فإن Wang هي موظفة إعلام صينية تعمل وتعيش في القاهرة.

موقع “Alharir.info” (معلومات الحرير)، هو موقع إلكتروني صيني رسمي تم إنشاؤه للترويج لمبادرة الحزام والطريق (BRI) للجمهور العربي، يعيد نشر بعض كتابات وانغ، ويقدمها كمراسلة في القاهرة للإذاعة الوطنية الصينية.

بالطبع إحدى النقاط التي تساعد الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية وكذلك الروسية، هي تقارب السرديتين الصينية والروسية مع سردية الأنظمة العربية الاستبدادية.

ولكن ما تتجاهله الدوائر الغربية في معرض نقدها الموجه إلى الدعاية الصينية باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية، هو أن جزءاً من نجاح هذه الدعاية وكذلك الدعاية الروسية، يعود للميراث السلبي الغربي تجاه المنطقة العربية، حيث كانت الدول الغربية هي الفاعل السلبي المتسبب في العديد من الكوارث في المنطقة العربية لعقود، كما أنه حتى الآن، ما زال الغرب يتبنى مواقف سلبية تجاه الثوابت العربية؛ بدءاً من القضية الفلسطينية والتمييز ضد المحجبات، ووصولاً إلى محاولة فرض وجهات النظر الغربية بشأن قضايا شائكة مثل المثليين على الثقافة العربية أو تجاهل التمييز الذي يمارسه أكراد سوريا ضد الأغلبية العربية في شمال شرق البلاد.

المادة الصحفية ترجمت ونقلت حرفيا من موقع عربي بوست وتعبر عن راي الكاتب