“المصالح والمسؤوليات” أهم من النصائح الفارغة
السياسية:
يبدو من المنطقي أن نرى زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية باعتبارها الزيارة الخارجية الأكثر أهمية خلال فترة رئاسته. فلقد عمل السعوديون كشركاء استراتيجيين لأميركا ليس فقط في الشرق الأوسط، لكن على مستوى العالم، وبناء على طلب واشنطن عملوا على ضمان التدفق الوفير للنفط والغاز اللذين يغذيان اقتصاداً انتشل مليارات الأشخاص من الفقر المدقع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
عندما احتاج رونالد ريغان إلى شريك للمساعدة في إنهاء الحرب الباردة، ساعدت السعودية في ضمان هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، بينما استخدمت قوتها كمنتج مرجح للنفط في العالم لإفلاس عدو أميركا الأول. السعوديون فخورون بإسهاماتهم في دعم الازدهار والحرية على مستوى العالم. نحن فخورون بأن نكون شركاء لأميركا.
كما يدرك السعوديون أن جميع الشراكات الدائمة تقوم على أساس متين من المصلحة الذاتية المتبادلة. لذا، نطمح إلى الاستمرار في أن نكون شريكاً قيماً لأقوى دولة في العالم، حيث تلقى عديد منا تعليمهم وحيث جرى تدريب الأطباء الذين يعتنون بآبائنا وأطفالنا. نحن نريد أن نستمر في جني ثمار علاقة المنفعة المتبادلة مع أميركا.
ولذلك، عندما يعد الرئيس بايدن بأن “هدفي سيكون تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قدماً تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة”، فإن كلماته تطرب آذان السعوديين. ونتفهم جيداً أن “المصالح والمسؤوليات المتبادلة” تعني أن السعودية تواصل توفير الطاقة والاستثمارات التي تساعد في تغذية الاقتصاد الأميركي وخلق عشرات الآلاف من الوظائف مرتفعة الأجور للعمال الأميركيين في مجالات تشمل الطاقة والتقنية[KES1] الخضراء والإنشاءات والعلوم الطبية والتصنيع، هذا هو الجزء الخاص بنا من الاتفاق ويسعدنا الإيفاء به.
كما كتبت في مارس الماضي، ولكي نكون واضحين فإننا لا نريد أن نرى وفيات ضمن صفوف القوات الأميركية دفاعاً عن نفطنا، بل نريد أن تساعدنا الولايات المتحدة في تطوير الأنظمة التي نحتاج إليها للدفاع عن أنفسنا.
نريد من واشنطن أن تزود قواتنا المسلحة بأسلحة أميركية الصنع لا تجعلنا نحن أقوى فحسب، بل تجعل أميركا أقوى أيضاً، وذلك من خلال خلق فرص عمل للمواطنين الأميركيين، على سبيل المثال لا الحصر. وفي مقابل الاحتفاظ بالجزء المرتبط بنا من الاتفاق نتوقع أن تعامل الولايات المتحدة السعودية كحليف عزيز، وتحترم مجتمعنا وديننا وقادتنا، وتهتم بحاجاتنا بما في ذلك حاجتنا إلى الأمن في المنطقة.
وفي مقال نشرته صحيفة “بوليتيكو”، قالت سفيرة المملكة لدى أميركا ريما بنت بندر، إن “النفط مقابل الأمن أصبح الآن أمراً من الماضي، ففي ظل التطور الذي تشهده بلادي يمكننا بناء شراكة تتمحور حول الطاقة والاستقرار والنمو الإقليمي”.
والأهم من ذلك كله، فإننا نتوقع أن تعمل الولايات المتحدة مع شركائها في المنطقة لتعزيز قدرات الدفاع الجماعي لدينا، وعدم معاملتنا كـ”منبوذين”، بينما تعامل الملالي الإيرانيين الذين يهتفون “الموت لأميركا” و”الموت للسعودية” كحلفاء، وهم ليسوا كذلك.
هل حاجات أميركا والسعودية وقيمهما متطابقة تماماً؟ بالطبع لا. فالسعودية أمة إسلامية، مجتمع تقليدي يفخر بتاريخه وبشبكاته القوية من الروابط الأسرية ونقاء لغته العربية وبرامج الرعاية الاجتماعية السخية والأوقاف الخيرية. مثلما ينظر كثير من السعوديين بعجب وحسد إلى الحريات والإنجازات الأميركية في العلوم والهندسة والتكنولوجيا، فإنهم ينظرون أيضاً باستغراب إلى عديد من الجوانب الأخرى للمجتمع الأميركي، مثل عدم احترام الأطفال لوالديهم والتفكك الأسري وإهمال كبار السن، والمواقف المتحررة تجاه الحياة الجنسية وانتشار تعاطي المخدرات، وحوادث إطلاق النار الجماعية وتدهور النظام التعليمي الأميركي، وغيرها من العلل الاجتماعية. وعديد من الأميركيين الذين أعرفهم يشعرون بالشيء نفسه.
ومع ذلك وبتوجيه من أميرنا الإصلاحي الشاب الذي يرعى حفلات موسيقى الـ”ريف” في الصحراء، ويشجع النساء على التعليم والانضمام إلى القوى العاملة، أصبح المجتمعان السعودي والأميركي أقرب الآن في عديد من المجالات المهمة مما كانا عليه في أي وقت مضى، فقبل قرن من الزمان عندما بدأت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة شعر السعوديون بالعار لشرب عديد من الأميركيين كميات كبيرة من الكحول في الأماكن العامة ولم يكونوا يصلون، بينما شعر الأميركيون بالعار بسبب أن النساء لم يمكنهن قيادة السيارات في المملكة. باختصار، فإن الولايات المتحدة ليست السعودية والسعودية ليست الولايات المتحدة، ولن تكون كذلك أبداً وسيستمر كلا البلدين في الانخراط في انتقاد صحي للآخر. إن هذه الاختلافات هي السبب الرئيس في أن الشراكة الأميركية السعودية كانت ضرورية للغاية لنجاح كلا البلدين، فكل مجتمع لديه ما يقدمه للآخر، وكل منهما يعمل كمرآة يمكن للآخر أن يرى فيها نقاط قوته وضعفه.
إذاً، فما هي بالضبط “المصالح والمسؤوليات المتبادلة” التي يفكر فيها الرئيس بايدن كأساس لتحالف مستمر؟ سنكتشف ذلك عما قريب عندما تظهر نتائج لقاءات الرئيس بايدن بالملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مدينة جدة الساحلية السعودية.
بقلم: محمد خالد اليحيى كاتب وباحث سعودي
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب