عادل الجبوري*

قبل حلول موعد زيارته للسعودية المقررة في الخامس عشر والسادس عشر من شهر تموز- يوليو الجاري، كتب الرئيس الأميركي جو بايدن مقالًا مطولًا في صحيفة “واشنطن بوست” تحت عنوان (لماذا ازور السعودية-Why im going to Saudi Arabia؟)، استعرض فيه مجمل سياسات ادارته والانجازات التي حققها، والمتغيرات الايجابية الحاصلة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بالصراعات والحروب والنزاعات العسكرية وغير العسكرية.

وواضح من عنوان المقال، أن بايدن أراد بصورة أو بأخرى أن يبرر أسباب ودواعي زيارته للمملكة العربية بعد تأزم العلاقات معها على اثر اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل مبنى قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول التركية في الثاني من تشرين الاول-اكتوبر من عام 2018، وأراد أن يظهر سلبيات واخطاء سياسات سلفه دونالد ترامب، وكذلك أراد أن يظهر قوة الولايات المتحدة وتفوقها على أعدائها وخصومها، كروسيا والصين وايران.

من بين أبرز المغالطات التي وردت في مقال بايدن الجدلي، هي أنه اعتبر أن الشرق الأوسط اليوم أكثر استقراراً وأمناً مقارنة بما كانت عليه الحال قبل 18 شهراً حين تولى منصبه، إذ تعرضت سفارة واشنطن في بغداد في آخر شهر من ولاية سلفه، دونالد ترمب، إلى أكبر هجوم صاروخي خلال عشرة أعوام، في حين زادت الهجمات على القوات الأميركية أربعة أضعاف مقارنة بها قبل عام، ولفت إلى أن الضربات الجوية التي أمر بها ترامب لردع هذه الهجمات لم تُؤتِ ثمارها، إذ تواصلت الهجمات”.

ومثل هذا الكلام، لا شك أنه قوبل – أو يمكن أن يقابل – بردود أفعال سلبية وانتقادات حادة ولاذعة، ورفض وتحفظ كبيرين من قبل حلفائه وأصدقائه ومؤيديه أكثر من خصومه وأعدائه ومناهضيه، سواء من داخل الولايات المتحدة او خارجها، لانه يتناقض الى حد كبير جدًا مع الوقائع والأرقام والحقائق على الأرض. والكلام الأقرب الى الواقع، هو أن مشاريع ومخططات وأجندات واشنطن وحلفائها واصدقائها، وتحديدًا الكيان الصهيوني، في منطقة الشرق الاوسط، فشلت أو في طريقها الى الفشل، وأبلغ وأوضح دليل على ذلك، الفشل في اسقاط النظام السوري، والفشل في القضاء على حركة انصار الله اليمنية، والفشل في اخضاع الجمهورية الاسلامية الايرانية للاملاءات والشروط والمطالب الاميركية، ناهيك عن تفاقم المشاكل والأزمات التي يعانيها الكيان الصهيوني، رغم ابرام عدد مما يسمى اتفاقيات ومعاهدات السلام خلال الأعوام القلائل الماضية مع بعض الأطراف العربية.

ويفتخر بايدن بأنه أول رئيس أميركي يزور المنطقة منذ واحد وعشرين عامًا، في ظل عدم وجود القوات القتالية الاميركية فيها، قائلا “انا أول رئيس أميركي يزور الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر (أيلول) في غياب قوات أميركية في مهمة قتالية في المنطقة، وهدفي إبقاء الأمر كذلك”. ويبدو أن الرئيس بايدن البالغ من العمر ثمانين عاما، فاته أن حقائق ومعطيات الوجود العسكري الاميركي في المنطقة لم تتبدل وتتغير سوى بحدود العناوين والمسميات ليس إلا، وإلا ما معنى وجود آلاف الجنود ومختلف الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتطورة التي تملأ القواعد العسكرية في قطر والبحرين والسعودية والامارات والكويت والعراق ودول أخرى؟ وما معنى الاساطيل الضخمة وحاملات الطائرات التي تجوب المياه الاقليمية دون توقف؟

وهو – اي الرئيس الاميركي بايدن – يدعي أن قوات بلاده أنهت مهامها في العراق، اذ يقول “أنهينا المهمة القتالية الأميركية، وحوّلنا وجودنا العسكري للتركيز على تدريب العراقيين، مع الحفاظ على التحالف العالمي ضد تنظيم “داعش” الذي شكّلناه عندما كنت نائباً للرئيس، وهو مكرس الآن للحؤول دون ظهوره مرة أخرى. واستجبنا أيضاً للتهديدات ضد الأميركيين، وانخفض تواتر الهجمات التي ترعاها إيران مقارنة بما كانت عليه الحال قبل سنتين في شكل كبير”. واذا كان الامر كذلك، فلماذا ما زالت الاصوات السياسية والشعبية العراقية تتعالى بضرورة انهاء الوجود الاميركي على الاراضي العراقية، وهل تتطلب عمليات التدريب تواجد الاف العسكريين في العديد من القواعد العسكرية، مثل قاعدة عين الاسد وقاعدة حرير وقاعدة بيجي، ناهيك عن السفارة الاميركية التي تمثل، بحكم خزين الاسلحة الهائل فيها والاعداد الكبيرة للجنود والضباط، قاعدة عسكرية اكثر من كونها مقرا لبعثة دبلوماسية؟

وبالنسبة لتنظيم “داعش” الارهابي، فإن من ألحق الهزيمة به هم العراقيون وحلفاؤهم، من قوات الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية والبيشمركة وابناء العشائر، ولو بقيت الأمور بيد الأميركيين، لظل تنظيم “داعش” جاثمًا على صدور العراقيين أعواما طويلة، حيث ان كبار الساسة والقادة العسكريين الاميركيين اكدوا في حينه أن القضاء على تنظيم “داعش” ربما يتطلب ثلاثين عاما، لكن العراقيين وحلفاءهم هزموه بثلاثة أعوام.

وبينما لم تتوقف الجهود والمساعي المحمومة لتقوية الكيان الصهيوني وتعزيز موقعه في المنطقة عبر بناء تحالفات وصياغة معادلات جديدة لصالحه، من خلال التركيز المستمر على اضعاف ايران وعموم محور المقاومة، جاءت النتائج عكسية تماما، فلا الكيان الصهيوني اكتسب مزيدا من القوة والامن والاستقرار رغم ما أبرم من معاهدات واتفاقيات مذلة ومهينة، ولا ايران وحلفاؤها باتوا معزولين، كما زعم بايدن في مقاله الاخير، اذ انه قال “اجتمعنا مجدداً مع الحلفاء والشركاء في أوروبا وحول العالم لقلب عزلتنا. والآن، أصبحت إيران معزولة إلى أن تعود إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه سلفي من دون أي خطة لما قد يحل محله، وفي الشهر الماضي، انضم إلينا أكثر من 30 بلداً لإدانة عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن أنشطتها النووية السابقة. وستواصل إدارتي زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي حتى تصبح إيران مستعدة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي المبرم عام 2015، كما لا أزال مستعداً لذلك”.

ومما لاشك فيه ان كل المؤشرات والحقائق والارقام والمعطيات الشاخصة والماثلة على أرض الواقع، تفند وتدحض ما ذهب اليه بايدن من مغالطات وتخرصات، فضلا عن انه كشف عن البراغماتية والانتهازية الفاضحة للسياسة الاميركية في تعاطيها مع قضايا وملفات حقوق الانسان، التي باتت لا تعدو كونها أكثر من شعارات فضفاضة تستخدم للاستهلاك السياسي والاعلامي. فالسلطات السعودية التي تأكد أنها قتلت الصحفي خاشقجي بصورة بشعة للغاية، وبأوامر مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعدّ من أبرز حلفاء وأصدقاء واشنطن الاستراتيجيين، وابن سلمان يحظى بأقصى مستويات الدعم والثناء من ساسة واشنطن وتل ابيب.

واذا كان بايدن ومستشاروه المقربون، قد اعتقدوا أن مقالًا مطولًا يمكن من خلاله تزييف الحقائق، فإنهم في الواقع توهموا ان زمن المغالطات والتخريفات ما زال قائما ولم ينتهِ حتى الان!

* المصدر :موقع العهد الإخباري