السياسية:

خروج الأوضاع عن السيطرة في سريلانكا يمثل جرس إنذار للدول التي تعاني من أزمة ديون خانقة، فالديون المتراكمة أدت إلى انهيار الأوضاع، فهل تتحرك الاقتصادات المهددة قبل فوات الأوان؟

مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، من جانبها، ناشدت الصين وغيرها من اقتصادات مجموعة العشرين للعمل على تسريع تخفيف أعباء الديون عن عدد متزايد من الدول المثقلة بالديون، محذرة من أن عدم القيام بذلك يمكن أن يتسبب في “دوامة هبوط” مدمرة.

وقالت جورجيفا لرويترز إنه من المهم تحريك ما يعرف باسم “الإطار المشترك” الذي أقرته مجموعة العشرين ونادي باريس للدائنين الرسميين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 والمتوقف إلى حد كبير لمعالجة الديون. وفشل هذا الإطار في تحقيق نتيجة واحدة حتى الآن. وقالت جورجيفا: “هذا موضوع لا يمكننا التراخي بشأنه”.

سريلانكا تدق جرس الإنذار
ونشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية تقريراً عنوانه “أزمة سريلانكا تبعث بتحذير للاقتصادات الأخرى المُثقَلة بالديون”، رصد تداعيات حالة عدم اليقين بشأن القيادة في سريلانكا، مع استمرار المحتجين في احتلال مقر الرئيس بعد يوم من اقتحامه، ولا يزال مكان وجود الرئيس غوتابايا راجاباكسا مجهولاً.

لم يتطرَّق الرئيس بعد بشكل مباشر إلى إعلان من جانب رئيس البرلمان يفيد بأنَّ راجاباكسا سيستقيل الأربعاء 13 يوليو/تموز. وكانت رسالته الوحيدة منذ اجتاحت احتجاجات ضخمة احتلت مقره الرسمي هي بيان من مكتبه يأمر المسؤولين بالإسراع بتوزيع شحنة من الغاز الطبيعي كان من المقرر وصولها يوم الأحد 10 يوليو/تموز.

وتمثِّل الأزمة المالية والسياسية في سريلانكا، المدفوعة بمزيج من المديونية المرتفعة وارتفاع التضخم وسوء الإدارة الاقتصادية بالبلاد، عبرة لعدد من البلدان المُثقَلة بالديون، والتي أصبحت الآن عرضة بشكل متزايد للالتقاء الأخير بين نقص الغذاء والتضخم ورفع أسعار الفائدة الأمريكية.

وتمر بلدان مثل زامبيا ولبنان بالفعل بأزمات، وتسعى للحصول على المساعدة الدولية لتقديم قروض أو إعادة هيكلة ديونها، في حين تقول الحكومة الباكستانية الجديدة، التي وصلت إلى السلطة في أبريل/نيسان الماضي، إنَّها تجنَّبت بصعوبة التخلُّف عن سداد ديونها في الأسابيع الأخيرة، مدفوعة في ذلك بالارتفاع الكبير السريع لفاتورة واردات الوقود.

وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي لتغطي أقل من شهرين من الصادرات، وهو ما يسد إلى حدٍّ كبير الآفاق أمام باكستان للاستفادة من الأسواق المالية الدولية. وقدَّمت الصين، وهي حليف وثيق، قرضاً بقيمة 2.3 مليار دولار في يونيو/حزيران لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي.

وتسعى إسلام آباد للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي. ورفعت الدولة دعماً بقيمة 600 مليون دولار شهرياً عن البنزين في يونيو/حزيران الماضي، لتحقيق الاستقرار في ماليات الحكومة وتمكين المباحثات المستمرة مع صندوق النقد الدولي.

وفي لاوس، بلغ التضخم معدلاً سنوياً قدره 24% في يونيو/حزيران الماضي. ويضغط نقص الدولار على واردات البنزين والسلع الأساسية الأخرى. ويُقدِّر البنك الدولي أنَّ لاوس كانت تملك احتياطيات نقد أجنبي تبلغ 1.3 مليار دولار بنهاية عام 2021، وهو ما يكفي لتغطية ما يزيد بقليل عن شهرين من الواردات.

الاقتصادات المثقلة بالديون.. ما العمل؟
قلَّص البنك الدولي مؤخراً توقعاته للنمو في الاقتصادات النامية إلى 3.4% هذا العام بدلاً من 4.6% سابقاً، مشيراً إلى آثار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والزيادة السريعة في تكاليف الاقتراض عقب الزيادات في أسعار الفائدة الأمريكية.

دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا أسعار الوقود والغذاء للارتفاع بصورة قوية وسريعة، في حين أدَّى رفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى انخفاض العديد من العملات إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، وهو ما جعل الوقود والواردات الأخرى أكثر تكلفة. وترك هذا البلدان التي تسدد مستويات عالية من خدمات الديون أمام خيارات صعبة.

في حالة سريلانكا، ساهمت جائحة فيروس كورونا- التي أتت على عائدات العملة الصعبة من السياحة- والتضخم العالمي، في دفع اقتصاد سريلانكا إلى حافة الهاوية، لكنَّ موقفها المالي غير المستقر كان قد ترسَّخ قبل ذلك، نتيجة تراكم ديون الإنفاق على البنية التحتية والتخفيضات الكبيرة للضرائب التي استنفدت عائدات الحكومة، فضلاً عن فرض حظر على الأسمدة الكيماوية بما قلَّص الناتج من المحاصيل.

تخلَّفت البلاد عن سداد ديونها في مايو/أيار الماضي، وتركها النقص الحاد في العملة الأجنبية عاجزة عن تأمين إمدادات الطاقة. وارتفع التضخم في المواد الغذائية بقوة إلى 80.1% الشهر الماضي.

بالنسبة لمعظم السريلانكيين، كانت الحياة اليومية خلال الأشهر الماضية تدور حول قضاء الساعات في طوابير الوقود أو انتظاراً لعودة الكهرباء. لكنَّ أولئك الذين تجوَّلوا في أرجاء مقر الرئيس يوم الأحد حصلوا على لمحة واقعية عن نمط حياة النخبة السياسية التي أشرفت على الأزمة الاقتصادية الحالية.

اقتحم آلاف المحتجين يوم السبت، 9 يوليو/تموز، المقرين الرسميين لكلٍّ من راجاباكاسا ورئيس الوزراء رانيل ويكريمي سينغي واحتلوهما. وقال ويكريمي سينغي في تغريدة إنَّ تنحيه سيفسح المجال أمام قادة الأحزاب السياسية السريلانكية لتشكيل حكومة مؤقتة من كافة الأحزاب قبل إجراء انتخابات جديدة في وقت يتحدد لاحقاً.

والإثنين 11 يوليو/تموز قال مكتب رئيس الوزراء إن الحكومة بأكملها ستستقيل بمجرد التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة تضم جميع الأحزاب، وذلك في إطار مساعي السلطات لحل الأزمة السياسية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العميقة.

وقال مكتب رئيس الوزراء رانيل ويكريمي سينجي الذي عرض بالفعل تقديم استقالته في وقت سابق: “كل الوزراء الذين شاركوا في المناقشات اتفقوا- على أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة تضم جميع الأحزاب- سيكونون مستعدين لتسليم مسؤولياتهم إلى تلك الحكومة”، بحسب رويترز.

ويجيثا كومارا (60 عاماً)، وهو موظف برصيف أحد الموانئ، من داخل مقر الرئيس، قال لصحيفة وول ستريت جورنال: “ليس لدينا وقود وغذاء وغاز طهي. لكن فيما كنا نعاني، كان غوتابايا لديه حياة مترفة”.

تسارع بعض الحكومات حول العالم للتخفيف من وطأة التضخم في أسعار الغذاء والطاقة من خلال إطلاق برامج جديدة للدعم وتعزيز الإنفاق الاجتماعي لدرء الاضطرابات والجوع في خضم ارتفاع تكلفة الحياة اليومية. وتوافق الكثير من البلدان على تقديم منح جديدة، حتى في الوقت الذي تعاني فيه من عجز الموازنة والاقتصادات التي لا تزال تترنَّح من جرَّاء اضطرابات الجائحة. وحذَّر المحللون من أنَّ الدعم والإنفاق الاجتماعي الجديد يمكن أن يدفع حكوماتهم إلى مشكلات مالية عميقة.

ففي أوروبا، أعلنت الحكومات من ألمانيا إلى اليونان وإسبانيا والبرتغال في الشهور الأخيرة تخفيضات ضريبية ودعماً للطاقة. وفي إفريقيا، أعلنت نيجيريا مؤخراً عن 9.6 مليار دولار لدعم أسعار الوقود، في حين تنفق زامبيا 200 مليون دولار لتمديد دعم الوقود، على الرغم من الدين المتصاعد بقوة في كلا البلدين. في غضون ذلك، تعزز بلدان آسيوية بينها الفلبين وسنغافورة وإندونيسيا الإنفاق الاجتماعي، وغالباً ما تستهدف الأسر منخفضة الدخل بمساعدات نقدية مباشرة.

هل يمكن إنقاذ الدول المتعثرة؟
يمكن أن تؤدي الاضطرابات السياسية السريلانكية إلى إبطاء جهودها لإخراج نفسها من أزمتها الاقتصادية. فرئيس الوزراء ويكريمي سينغي هو أيضاً وزير المالية والشخص الرئيسي الذي يدير مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على حزمة إنقاذ محتملة بعدة مليارات.

وقالت جهة الإقراض الدولية الأحد إنها تراقب التطورات عن كثب. وأضافت: “نأمل التوصل لحل للوضع الحالي يسمح باستئناف حوارنا بشأن برنامج مدعوم من صندوق النقد الدولي”.

عاد الهدوء إلى حدٍّ كبير إلى شوارع العاصمة كولومبو يوم الأحد. وسمح تواجد أمني بسيط للمحتجين بالدخول والخروج بلا عوائق من مقر الرئيس، وهو مبنى يعود إلى الحقبة الاستعمارية ذو جدران بيضاء.

قال كومارا، الموظف برصيف الميناء، إنَّه حثَّ كل مَن حوله على ألا يدمروا أي ممتلكات، بالنظر إلى أنَّه جرى الدفع مقابله من المال العام. وأضاف: “لدينا أيضاً شعور بالانتصار على حاكم فاسد”.

غلاء الأسعار في مصر ميزانية موازنة

مديرة صندوق النقد الدولي، قالت في مقابلة أواخر الأسبوع الماضي، قبل اجتماع هذا الأسبوع للمسؤولين الماليين في إندونيسيا: “إذا تلاشت الثقة إلى حد حدوث دوامة هبوط، فأنت لا تعرف أين ستنتهي”.

جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، قالت لرويترز إنها تحدثت مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الذي يتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين هذا العام، خلال اجتماع مجموعة السبع الشهر الماضي في ألمانيا، وحثته على الضغط من أجل مزيد من الوحدة بشأن الديون قبل قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني.

وبدأ المسؤولون الغربيون في تصعيد انتقاداتهم لعملية الإطار المشترك لمجموعة العشرين بعد ما يقرب من عامين من الوتيرة البطيئة جداً التي تسير بها والتي ينحى باللوم فيها إلى حد كبير على تباطؤ الصين، أكبر دائن سيادي في العالم، ودائني القطاع الخاص.

وقالت جورجيفا إن ما يقرب من ثلث دول الأسواق الناشئة وما يزيد مرتين على تلك النسبة من الدول منخفضة الدخل تعاني من ضائقة ديون مع تدهور الوضع، بعد قيام الاقتصادات المتقدمة برفع أسعار الفائدة.

وأضافت أنه يجب الاتفاق على تخفيف عبء الديون عن زامبيا وتشاد وإثيوبيا وهي الدول الإفريقية الثلاث التي طلبت المساعدة بموجب الإطار المشترك والتي تجتمع لجانها الدائنة هذا الشهر.

وحثت الصين على تحسين التنسيق بين مقرضيها المتعددين، محذرة من أن بكين ستكون “أول من يخسر بشكل كبير” إذا تحولت مشاكل الديون الحالية إلى أزمة كاملة.

المصدر : عربي بوست