العالم ينتظر الحبوب على أحر من الجمر، فلماذا لا تُصدرها أوكرانيا رغم موافقة روسيا؟
السياسية:
وسط أزمة الغذاء الطاحنة التي تهدد مئات الملايين من البشر بالمجاعة، تتواصل محاولات عودة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ تسيطر عليها روسيا، فلماذا يستغرق الأمر كل هذا الوقت؟
ورصد تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية العوائق التي تعطل عودة الطريق البحري لتصدير الحبوب الأوكرانية، والوقت الذي قد ينتظره العالم حتى يتحقق ذلك، بغض النظر عن توقف الحرب أو استمرارها.
ومنذ بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، تتبادل روسيا وأمريكا الاتهامات بشأن المسؤولية عن أزمة الغذاء التي يعاني منها العالم وتهدد الملايين بالجوع.
وعلى الرغم من أن أسعار الحبوب، وبصفة خاصة القمح، قد بدأت رحلة صعود مطردة عالمياً منذ عام 2012، فيما أرجعه الخبراء بالأساس إلى تأثير التغير المناخي السلبي على الإنتاج الزراعي، إلا أن المؤكد هو أن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” ويصفه الغرب بأنه غزو، قد أدى إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الغذاء عالمياً وبات شبح المجاعة يتهدد مئات الملايين من الناس حول العالم.
الألغام ليست العقبة الوحيدة
قبل أن تبدأ أوكرانيا في تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، تحتاج أولاً إلى إزالة الألغام وترميم المستودعات وطمأنة مالكي السفن إلى جدوى مخاطرة القيام بالرحلة. لكن في مدينة أوديسا الساحلية، قلة من الناس يصدقون أن هذه الخطوات قابلة للحدوث قريباً، بحسب تقرير وول ستريت جورنال.
وحالياً تعمل المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الطرفين الروسي والأوكراني على التوصل إلى اتفاق بين موسكو وكييف، لمنح شحنات الحبوب الأوكرانية ممراً آمناً من الموانئ إلى مناطق آمنة في البحر الأسود، وتأمين إبحار سفن الشحن في مسار خالٍ من الألغام.
تأتي تلك التدابير المرجوة ضمن مساعٍ دبلوماسية أوسع نطاقاً لتحرير الصادرات الزراعية الأوكرانية، التي عادة ما تُشحن بكميات هائلة من موانئ البلاد، لكن الحرب قطعت السبيل إلى معظمها، وهو ما تسبب في تأجيج أزمة تضخم أسعار الغذاء.
ويمثل إنتاج روسيا وأوكرانيا معاً ما يقرب من ثُلث إمدادات القمح العالمية، كما تعتبر أوكرانيا من الدول الرئيسية المصدرة للذرة والشعير وزيت دوار الشمس وزيت بذور اللفت (زيت السلجم)، بينما تمثل روسيا وروسيا البيضاء، التي تدعم موسكو في تدخلها في أوكرانيا وتخضع أيضاً لعقوبات، أكثر من 40% من الصادرات العالمية من البوتاس الذي يستخدم كسماد.
برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يوفر مساعدات غذائية لنحو 125 مليون شخص في العالم، يشتري 50% من الحبوب من أوكرانيا. وفي هذا السياق، يسعى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، منذ أكثر من شهرين، للتوسط في “صفقة شاملة” تسمح لأوكرانيا باستئناف صادراتها الغذائية عبر البحر الأسود وزيادة الأغذية والأسمدة الروسية في الأسواق العالمية، بحسب رويترز.
وقبل اندلاع الحرب، كانت معظم صادرات القمح الأوكراني والذرة وزيت دوار الشمس تخرج من موانئ البحر الأسود، إلا أن معظمها واقع الآن في أيدي الروس والبقية تحاصرها الألغام، علاوة على الضرر الذي أصاب مختلف مرافق البنية التحتية لتلك الموانئ.
لماذا قد لا يتم تصدير الحبوب الأوكرانية قريباً؟
يقول مسؤولون أوكرانيون وعاملون في الشحن البحري لصحيفة وول ستريت جورنال، إنه إذا وافقت كل من أوكرانيا وروسيا على الاتفاق المدعوم من الأمم المتحدة، أو حتى إذا انتهت الحرب، فإن حركة الشحن والخروج من الموانئ تحتاج إلى أسابيع، بل ربما أشهر، للعودة إلى طبيعتها.
وقال رستم أوميروف، عضو فريق التفاوض الأوكراني، للصحيفة الأمريكية: “الأمر قد يحتاج إلى مدة طويلة، لذلك فنحن ندرس الخيارات المتاحة لشحن محصول العام المقبل” بعيداً عن الموانئ المحاصرة، “فحقيقة الأمر أن الأوكرانيين بعد ثماني سنوات من محاربة روسيا باتوا لا يثقون بالروس”.
أوميروف يشير هنا إلى ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014، والدعم الذي قدمته لانفصال منطقة دونباس عن أوكرانيا، ثم الحرب التي شنتها هذا العام، وهو الهجوم الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو”.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال الإثنين 4 يوليو/تموز إن أوكرانيا تجري محادثات مع تركيا والأمم المتحدة للحصول على ضمانات فيما يتعلق بصادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية.
وأضاف زيلينسكي في مؤتمر صحفي، بينما تقف إلى جانبه رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا آندرسون: “المحادثات جارية في الواقع الآن مع تركيا والأمم المتحدة وممثلينا المسؤولين عن أمن الحبوب التي تغادر موانئنا”. وقال: “هذا أمر مهم جداً أن يضمن أحد أمن سفن هذا البلد أو ذاك، باستثناء روسيا التي لا نثق به؛ لذلك نحن بحاجة إلى الأمن لتلك السفن التي ستأتي إلى هنا لتحميل المواد الغذائية”.
وتابع زيلينسكي قائلاً إن أوكرانيا تعمل “مباشرة” مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فيما يتعلق بهذه المسألة، وإن المنظمة “تلعب دوراً رائداً وليس كوسيط”، بحسب رويترز. الرئيس الأوكراني قال أيضاً إن 22 مليون طن من الحبوب عالقة حالياً ومن المتوقع حصاد نحو 60 مليون طن أخرى في الخريف.
ماذا تقول روسيا؟
على الجانب الآخر، تنكر روسيا تماماً تعمُّدها تعطيل الصادرات الأوكرانية، وتتهم كييف بالمسؤولية عن تفاقم أزمة نقص الغذاء. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن “روسيا لا تمنع تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية. ولا علاقة لنا بتفاقم أزمة نقص الحبوب. ونبذل حالياً مساعي حثيثة لحل المشكلة”.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حديث إلى المنتدى الاقتصادي الذي أُقيم في سانت بطرسبرغ الشهر الماضي: “فليُزيلوا الألغام [من الموانئ] ويصدِّروا، وسنضمن لهم سلامة السفن المدنية”.
ذكرت هيئة الموانئ البحرية الأوكرانية أن هناك ستة موانئ أوكرانية مغلقةٌ بسبب الألغام وحصار البحرية الروسية، وأن روسيا احتلت أربعة موانئ أخرى، ومن ثم لم تعد البضائع تُنقل إلا من ثلاثة موانئ نهرية صغيرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قائمة الموانئ المحظورة تشمل موانئ مدينة أوديسا، التي كانت تُشحن منها الحبوب قبل الحرب أكثر من أي مكان آخر في أوكرانيا.
من جانب آخر، يقول خفر السواحل الأوكراني إنه لا يعرف عدد الألغام المنتشرة في المياه القريبة من الموانئ. وكانت أوكرانيا عمدت إلى تلغيم شواطئها، لحماية نفسها من غزو محتمل عن طريق البحر، وما زالت كييف مترددة في إزالة هذه الألغام التي تراها شبكة أمان لها.
وقالت ناتاليا هومنيوك، المتحدثة باسم القيادة الجنوبية للجيش الأوكراني، إن أوكرانيا ليس لديها القدرات اللازمة لإزالة الألغام بنفسها، وإذا وافقت البلاد على إنشاء طريق بحري آمن، فإنها تحتاج إلى مساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإزالة هذه الألغام.
تملك كثير من الدول الأوروبية المعدات اللازمة لكسح الألغام، وقد عرضت تركيا مساعدة أوكرانيا في إزالة الألغام ضمن المساعي التركية المؤيدة لإنشاء مسار بحري آمن.
مع ذلك، قال مسؤولون أوكرانيون إن إزالة الألغام من البحر الأسود قد تستغرق شهوراً، ولهذا السبب انصرف تركيز الأمم المتحدة الآن إلى إنشاء ممر آمن وسط هذه الألغام، وعدم الانتظار إلى حين إزالتها جميعاً.
لكن مما يزيد الطين بلة أن بعض هذه الألغام قد تحركت من مكانها بسبب التيارات والعواصف القوية، واقتربت بشدة من السواحل. ومن يذهب إلى سواحل أوديسا، يجد أن علامات التحذير من الألغام منتشرة في كل مكان. ومع ذلك، فقد انفجر أحدها في 11 يونيو/حزيران، على بعد 20 متراً من الشاطئ، ما أسفر عن مقتل رجلٍ على مرأى من أسرته.
قال آلان ويست، القائد السابق في البحرية البريطانية، إن سرعة إزالة الألغام تتوقف على عددها، ومدى تطورها، وما إذا كانت مواقعها معروفة أم غير ذلك، “إنه أمر شديد التعقيد”. ومع ذلك يرى ويست أنه إذا كانت مواقع الألغام معروفة، وأشرف على إزالتها قوات بحرية جيدة التجهيز، فإن عملية إزالة الألغام قد تتم في غضون أيام.
يذهب المسؤولون الأمريكيون إلى أن إزالة الألغام قد تستغرق من أيام إلى أسابيع، والأمر يتوقف على نوع الألغام المنتشرة في المنطقة.
ماذا يعني كل ذلك لأزمة الحبوب؟
أما شركات الشحن البحري، فترى أن الأمر يدعو للحذر، حتى لو تم التوافق على فتح مسار آمن. وقالت شركتان كبيرتان لشحن الحبوب إنهما وإن كانتا ترغبان في استئناف شحن الحبوب من أوكرانيا، فإنهما تميلان إلى تجنب زيارة الموانئ الأوكرانية، ما دامت لم تُزل جميع الألغام بعد أو ما دامت الحرب مستمرة في العموم، فالأمر ينطوي على مخاطرة ببحارة هذه السفن، ومن ثم يتعين على مستأجري السفن تحمل تكاليف التأمين المرتفعة.
قال أوليغ غريغوريوك، رئيس نقابة عمال النقل البحري في أوكرانيا، إن إزالة الألغام ليست ضمانة كافية للقول بأن السواحل القريبة من أوكرانيا ستكون آمنة، لأن روسيا قد تهاجم السفن. وقد أصابت صواريخ معادية عدة سفن بالفعل في بداية الحرب.
في 22 يونيو/حزيران، قصفت روسيا مستودعات لتخزين الحبوب وزيت دوار الشمس في ميناء ميكولايف الأوكراني، وهي مستودعات مملوكة لشركة Viterra الكندية، وشركة Bunge Ltd. الأمريكية لتجارة الحبوب. ونال القصف أيضاً من مصنع كبير لمعالجة زيت دوار الشمس بالقرب من ماريوبول، ومستودعات أخرى في ميكولايف.
ارتفعت أسعار القمح والبقوليات وزيوت عباد الشمس وغيرها من السلع الغذائية بشكل غير مسبوق منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، تعبيرية/ رويترز
قال دميترو بارينوف، نائب رئيس هيئة الموانئ البحرية الأوكرانية، إن ميناء ميكولايف يحتاج إلى كثير من الإصلاحات لاستعادة العمل بالطاقة الكاملة، ويشمل ذلك إصلاح الصوامع التالفة وصهاريج الحبوب المتضررة.
تقول وسائل إعلام حكومية روسية وشركات تتبع لحركة السفن، إن عمليات شحن الحبوب مستمرة من الموانئ الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا، ما يدل على أن هذه المنشآت لم تتضرر إلى درجة تستدعي توقفها عن العمل.
وتشير بيانات واردة عن شركة Windward Ltd. المعنية بتعقب التجارة البحرية، إلى أن حركة زيارة السفن للموانئ الأوكرانية في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا استمرت في المدة من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران، بمعدل 99 سفينة في الشهر.
وقال بارينوف، نائب رئيس هيئة الموانئ البحرية الأوكرانية، إن الموانئ الأوكرانية الخاضعة لسيطرة كييف هي أيضاً في حالة جيدة، ومهيَّأة لعودة العمال، ويمكن بدء العمل فيها في غضون أيام، إذا لم يطرأ عارض يمنع ذلك.
مع ذلك، قال فيكتور بيريستينكو، رئيس شركة Inter Trans Logistics Co. Ltd. للشحن البحري، إنه يشك في أن تبدأ عملية إزالة الألغام هذا العام، وقد تخلَّت الشركة عن 37 عاملاً من عمالها البالغ عددهم 120 عاملاً. وأشار إلى أن هناك عشرات الآلاف من أطنان الحبوب مخزَّنة في الميناء، ولا يملك أحد إخراجها، “فما دامت لا توجد سفن قادمة لنقلها، ما الذي يمكن فعله؟”.
المادة الصحفية ترجمت ونقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا تعبر عن راي الموقع