د.يوسف الحاضري

من نعم الله علينا الأكبر هي نعمة الهداية والتي هي أساس النعم فهي التي تحول النعم الأخرى الى خير وبركة واذا أنتفت نعمة الهداية فبقية النعم الاخرى تتحول الى نقم وبلاء كنعمة المال والصحة والعلم وغيرها لذا هيأ الله لنا وسائل وادوات لنصل الى هذه النعم ومنها نعمة الأنبياء والمرسلين والاولياء كما هو حالنا اليوم بنعمة السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله والذي يجهد نفسه دائما وأبدا ليعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا بالقران الكريم ضمن مسار جده النبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ولعل هذه الايام وما يعطينا من دروس في تفصيل وتوضيح عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر ليزكي ويعلم القيادات والمسئولين وبقية ابناء اليمن الأسلوب القراني الامثل والاكمل والأثبت في ادارة الدولة بجميع جوانبها ومفاصلها كوثيقة شاملة وكاملة .

لعل ما اثارني لكتابة هذا المقال هو تلك العبارات العظيمة التي تحدث فيها الإمام علي عليه السلام ثم فصلها السيد عبدالملك الحوثي فيما يخص معايب الناس وكيفية التعاطي معها في أسلوب راقي قراني عظيم يهدف في الأساس لتربية الناس اصحاب العيوب وارجاعهم الى الصراط المستقيم بعيدا عن التشهير والتلذذ بها واستخدامها في كثير من الاحيان كسلاح للضغط على الاخرين وتشويههم حيث قال الإمام علي عليه السلام موجها مالك الاشتر ( وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، ‏وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، ‏فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ ) .

يوجهه كونه في موقع السلطة والمسئولية وسيكون في يده القرار والقوة والسلطة بأن يطهر وينظف مجلسه من اولئك الأشخاص الذين يسعون للتفتيش عن عيوب الاخرين سواء بالسؤال عنها او بالتجسس ثم نقلها اليه او بالإتهامات المغرضة الانتقامية كونهم مقربون من موقع القرار والسلطة بل يجب ان يشنأهم لان هذه النوعية تمتلك نفسية فاسقة (اذا جاءكم فاسق بنبأ) ، وهذا الأمر بطبيعة الحال على أساس ان المسئول بذاته غير محب وباحث عن معايب الناس وفيه توجيه لهم انفسهم الا يستخدمون سلطتهم وقدراتهم في ذلك لأن رفضك للاشخاص الذين يسعون خلف عيوب الناس يعني انك انت بذاتك يجب ألا تكون من اولئك الذين يبحثون عنها ، فالامام علي يرى ان هذه الصفة السيئة القبيحة لا تنبغي ان تكون ضمن صفات من يجالسون المسئولين فكيف بالمسئول ذاته ان كان يمتلك هذه الصفة ويسعى اليها لأهدافه الشخصية سواء لترهيب الاخرين او لحربهم او للانتقام منهم في اطار اهدافه الشخصية الذاتية ، وبالفعل أثبتت الايام ان الصهاينة اليهود هم اكثر من يستفيدون من معايب الناس فيستخدمونها في عداوتهم بكل خبث ودناءة وايضا مع الأسف تتواجد هذه الاساليب ايضا في اوساطنا نحن المسلمين لذا جاء التوجيه من الامام علي لمالك الاشتر فنجد للاسف الشديد من يستخدم سلطاته في الدولة للتجسس على الاخرين بطريقة او باخرى ليس الهدف منه سامي لكي مثلا يحد من اي مشاكل امنية او تجسسية قد تصدر من هذا الشخص بل لكي يبحث عن نقاط ضعف او عيوب تصدر من هذا او ذاك فيحتفظ بها ليستخدمها سلاحا شخصيا لاهداف شخصية متى مارأى ان يستخدمها في وقت انه كان يجب عليه ان يسعى لتطهيره وتنبيهه وتعديله ان كانت بالفعل عيوبا ضمن اطار الأخوة الايمانية غير ان من ينسلخ من التوجهات الدينية فبالاولى سينسلخ من الاخوة الإيمانية .

عندما يستشعر الإنسان ضعفه وحاجته لله وللطفه ولستره حتى لو كان احرص الناس في عدم السقوط في العيوب فإنه سيستشعر حاجة الناس الى هذه الرحمة والرأفة من القائمين على شأنه لأن الهدف الاسمى للمسيرة القرانية هي إصلاح الناس وليس التشهير بهم فعندما يشعر صاحب العيوب ان هناك تعامل راقي ذو رأفة وحب ورحمة تجاهه من قبل القائمين عليه فإنه سيسعى لاصلاح هذه العيوب واذا اصلح عيوبه فإن المسئول هذا حقق هدف هام من اهداف ارسال الأنبياء والمرسلين وهو اصلاح وهداية النفوس اما عندما يتم فضحه والتشهير به فإنه يزداد تعقدا وتعقيدا فيمارس عيوبه بل يسعى لنشرها دون حياء فيحصل خلل في المجتمع فيحقق هذا المسئول هدفا هاما من اهداف ابليس ليصبح من اعوانه وأدواته ، فذات مره قيل لنا انه هناك اشخاص أوصلوا للسيد خبرا عن عيوب احد المجاهدين ظنا منهم ان السيد سيأمرهم بمعاقبته فما كان من هذا سليل الانبياء والمرسلين الا ان قال لهم بكل رحمة (لا اعرف عن هذا الرجل الا انه مجاهد عظيم فإن زل اخوكم في لحظة من اللحظات فلا تتركوه لكي يسقط الى نار جهنم وعليكم باخذه الى دورة ثقافية ) وبالفعل كانت النتيجة لهذا الرجل عظيمة وراقية اما لو كانت ردة فعل السيد غير ذلك فإن هذا الرجل سيزداد انحرافا وبعدا عن الله .

الحديث عن هذا الجانب يحتاج لمؤلفات كاملة وليس مقالا واحدا ولكن حاولت ان أوجز ما أستطعت ولكن هي رسالة لاولئك الذين تعاملوا مع عيوب الآخرين التي وصلت اليهم من هنا او هناك (سواء كانت صحيحة او غير صحيحة) بانسلاخ كبير من توجيهات الله (فتبينوا) و ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) وانسلاخ كبير عن توجيهات الإمام علي لمالك الاشتر وتوضيحات السيد عبدالملك الحوثي لنا بأن عليهم ان يتقوا الله في أنفسهم وفي جهادهم وفي رصيدهم العملي في الدنيا للاخرة لأنهم في الاخير لن يضروا الا أنفسهم لانهم سقطوا في خانة الجهل (ان تصيبوا قوما بجهالة) فيكون مئالهم الندم (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وايضا سيسقط في تأنيب الله وتهديده لهم كما انب وحذر ونبه من هو اعظم وارفع منهم نبيه داوود عليه السلام كما وضحته الآية القرٱنية أعلاه وسيسقطون في عيوبا أشد وأعنف وأخطر مما عليه الآخرين من عيوب تلذذوا بنشرها والتشهير بهم بدون وجهة حق ، فهل من مدكر !!.