ماذا سيحدث لأوروبا إذا قطعت روسيا الغاز عنها؟
السياسية:
انسوا المشاهد الحميمة الخاصة بقادة مجموعة الدول السبع خلال قمة بافاريا، واطرحوا السؤال الصعب: ماذا لو قطعت روسيا الغاز عن أوروبا؟ إذا تعلمنا أي شيء خلال الأشهر الأربعة الماضية، فهو أن أوروبا لا بد من أن تخطط لأكثر النتائج حدة التي قد تنشأ عن غزو أوكرانيا، ومن بين هذه النتائج الشديدة التوقف التام لإمدادات الغاز.
إنها حقاً إحدى القضايا المرتقبة للشتاء المقبل، ويتمثل الدورة العادية: امتلاء المخزونات في الصيف ثم انحسارها [تدنيها] عندما يحل الطقس البارد.
إذا أخذنا أوروبا ككل، فهي استوردت ما يقرب من 40 في المئة من حاجاتها من الغاز عام 2020 من روسيا، وحصلت بعض البلدان مثل لاتفيا على غازها كله من روسيا، في حين لم تستورد بلدان أخرى مثل إيرلندا أي غاز. (تنتج المملكة المتحدة نحو نصف حاجاتها من الغاز من بحر الشمال وتستورد سبعة في المئة من روسيا).
وحصلت ألمانيا على 65 في المئة من حاجاتها من الغاز من روسيا، وعلى الرغم من أنها خفضت وارداتها، إلا أن طريقة تعاملها مع الوضع الجديد بوصفها المستورد الأكبر في العالم تعتبر الأكثر أهمية على مستوى المعالجات ككل.
الأسبوع الماضي أعلن روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني، أن البلاد ستنتقل إلى المرحلة الثانية من خطتها الطارئة المؤلفة من ثلاث مراحل لخفض الطلب على الغاز، وتتضمن هذه المرحلة استخدام مزيد من الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية والسماح للمرافق العامة بتقاضي أسعار أعلى لتشجيع العملاء على خفض الاستهلاك، والمرحلة الثالثة إذا حدثت فستكون التقنين، وسيتلخص الهدف من ذلك آنذاك في جعل القطاع الصناعي يخفض الطلب إلى الحد الذي يسمح فيه للأسر بالحفاظ على تدفئتها حتى نهاية الشتاء.
ويضع الاتحاد الأوروبي أيضاً خططه لتجاوز فصل الشتاء بأقل إمدادات ممكنة، وسيعلن عن التفاصيل الشهر المقبل. وعلى حد تعبير أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، “فالخطوة الأفضل هي دوماً الأمل في الأفضل والاستعداد للأسوأ”، وعليه فهل تتمكن أوروبا إذاً من تجاوز الشتاء من دون أي غاز روسي؟
من الناحية النظرية الإجابة هي نعم، لكن في الممارسة العملية سيعني ذلك ركوداً خطراً.
في فبراير (شباط) بعدما بدأت روسيا غزوها مباشرة أجرت مؤسسة “بروغل” Bruegel البحثية التي تتخذ من بروكسل مقراً بعض الحسابات لما قد يحدث.
النبأ السار هو أن أوروبا بدأت بالفعل تنويع مصادر غازها بعيداً من روسيا، فسجلت واردات الغاز الطبيعي المسال، لا سيما من الولايات المتحدة، ارتفاعاً كبيراً عام 2021، وفي حين أن أكبر مورديها هو قطر فيبدو هذا العام كأن الولايات المتحدة ستتجاوزها، ليس فقط لتصبح أكبر مورد لأوروبا، بل أيضاً أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
أما النبأ السيء فهو ببساطة عدم وجود ما يكفي من القدرة المتخصصة في موانئ أوروبا لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.
لا توجد مرافق للغاز الطبيعي المسال في ألمانيا، على الرغم من اقتراح ثلاثة منها، فهناك كثير من المعارضة على صعيد التخطيط لبناء محطات، وعلى أي حال، لا يمكن القيام بذلك فعلياً في الوقت المناسب لهذا الشتاء، ولذلك ستضطر ألمانيا، بل وأوروبا ككل، إلى استخدام كميات أقل من الغاز.
ويجادل المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (دي آي دبليو برلين) بأن من مصلحة البلاد في الأجل البعيد الحد من الطلب على الغاز، واستنتج ما يلي:
“وفق افتراضات متفائلة يمكن تحقيق توفير [في استخدام] الغاز الطبيعي بنسبة تتراوح بين 18 و26 في المئة من الطلب، وفي حين يمكن الاستعاضة عن الغاز الطبيعي في قطاع الكهرباء بمصادر بديلة للطاقة في المدى القصير، يصاحب التوفير في الصناعة انخفاض في الإنتاج”.
انخفاض الإنتاج، هنا تكمن المشكلة ويذهب المعهد إلى وجوب تعويض الصناعات المتأثرة في شكل خاص، ويضيف، “في حال المساكن الخاصة لا يمكن توفير الغاز الطبيعي إلا من خلال خفض الطلب على الطاقة، لذلك يتطلب الأمر شن حملات [توعية] لتوفير الطاقة في أسرع وقت ممكن، وفضلاً عن ذلك لا بد من تنفيذ فوري للتدابير الرامية إلى زيادة كفاءة استخدام الطاقة وتيسير التحول إلى الحرارة المتجددة (إلى جانب مضخات الحرارة)”.
هذه الحجة صحيحة بالتأكيد خلال المدى المتوسط، لكن مع الاعتراف بأن خفضاً في الإنتاج لا بد من أن يحصل، وأن دافعي الضرائب سيضطرون إلى تعويض الشركات عن هذا الخفض، وهذا يعني أن ألمانيا ستخسر ناتجاً، وهذا من شأنه أن يؤدي بالتالي إلى تركيبة ما من انخفاض الأجور الحقيقية أو ارتفاع معدلات البطالة.
وإذا أرغمت المصانع على إغلاق أبوابها فقد لا تفتح أبوابها من جديد أبداً، وسيحول الإنتاج إلى الخارج، وعلى هذا سيقوض قطع الغاز الروسي النموذج الاقتصادي الألماني، ولا ينبغي للمرء أن يصدق القصص المخيفة عن انهيار الثقة في شكل مماثل لما حصل بعد إفلاس [العملاق الأميركي المالي] “ليمان براذرز” لكي يقر بالرياح المعاكسة البالغة الخطورة التي تواجه أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً.
لكن دعونا ننهي بجانب إيجابي من وضع قاتم جداً.
لقد تكيفت ألمانيا مع تحديات اقتصادية عدة منذ الحرب العالمية الثانية، ومن بينها إعادة البناء من تحت الأنقاض والإفراط في تقويم المارك الألماني وتكاليف التزام ألمانيا الشرقية السابقة بالمعايير الأوروبية الغربية.
لقد تجاوزت دوماً الأزمات أكثر قوة في النهاية، وأنا قلق أكثر في شأن بقية أوروبا وأتمنى ألا يكون الشتاء المقبل قارساً للغاية.
بقلم: هاميش ماكراي صحافي وكاتب
المادة نقلت حرفيا من اندبندنت عربية ولا تعبر عن راي الموقع