كيف تستطيع مجموعة السبع تحريك العمل الدولي لحماية المناخ؟
السياسية:
مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وتواصل فصول جائحة كورونا، وتفاقم أزمة عدم استقرار الاقتصاد العالمي، سيكون على زعماء العالم الذين سيجتمعون في قمة “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى” [اختصاراً، جي 7 G7] التعامل مع مسؤوليات عاجلة.
إذ تستدعي استجابة الزعماء لهذه التحديات أن يفوا بتعهداتهم عن تحقيق السلام، وحماية الصحة العامة والتخفيف من آثار الفقر عالمياً. ويعني أيضاً أن عليهم أن يتعاملوا مع التهديد الذي من شأنه تقزيم التحديات الأخرى كافة على الرغم من تأثيراتها كلها، وهو أزمة التغيرات المناخية.
واستطراداً، تتسارع أزمة المناخ لتصل إلى مراحل أذى كارثية من شأنها تهديد حياة مليارات من الناس ورفاههم، لكن الفرصة المتاحة لمنع وقوع الأسوأ، قد تنحسر مع كل يوم يمر. في الواقع، لدينا حتى نهاية هذا العقد من الزمن من أجل تبديل أوضاع الاقتصاد العالمي وإنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري، والالتزام بنوع من دورة إنتاجية تسمح بمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع بما يزيد على 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية، بحسب آخر تقرير صادر من “الهيئة الحكومية الدولية المشتركة حول تغير المناخ” Intergovernmental Panel on Climate Change.
لم يسبق من قبل أن نفذ عمل بيئي على هذا المستوى، لكن المرحلة الراهنة تقدم لنا فرصة واضحة كي نستفيد من التقدم التكنولوجي الكبير الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الإجماع الشعبي العام [حول ضرورة التحرك]. إن زعماء السكان الأصليين، والناشطين في مجال حماية البيئة كانوا قد وضعوا مساراً ضرورياً للتحرك يمتد تنفيذه على مدى عقود. واليوم، يتوجب على قمة “جي 7” أن تكون الإطار الذي يعمل فيه قادة الدول على الإنصات إلى تلك التوجيهات، وإطلاق عملية التحول البيئي الرامية إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري.
إذ تتمتع دول “جي 7” باقتصادات وطنية هي الأكثر تقدماً عالمياً. وتستطيع البدء في تقديم ما يساوي مئة مليار دولار أميركي سنوياً للدول ذات الدخل المنخفض بهدف تمويل التحول البيئي، وفق ما وعدت به في عام 2009، ولكن دول “جي 7” لم تفعل ذلك عملياً حتى اليوم. ويمكن لهذه الدول الذهاب إلى أبعد من ذلك عبر التأكد من أن تلك الأموال ستكون على شكل منح، ما يعني أنها لا تدخل ضمن الديون. وكذلك تستطيع تطوير أهداف التمويل بالاستجابة مع تكلفة مواجهة الزيادة في الخسائر والأضرار التي تخلفها أحوال الطقس المتطرفة، وارتفاع مستويات مياه البحار وتكاثر موجات الحر عالمياً.
يضاف إلى ذلك أن الاستجابة للوقائع الحالية للتغيرات المناخية تستدعي أيضاً مساعدة الدول على مواجهة تداعيات تلك التغييرات. وتعرف تلك المواجهة بأنها نوع من التكيف مع أزمة المناخ. وفي أوقات سابقة، أنفقت غالبية الأصول المخصصة لحماية المناخ على عمليات التخفيف من أثر الضرر اللاحق بالمناخ على مدى العقد الماضي. في المقابل، يتوجب من الآن فصاعداً أن تُنفق خمسون في المئة من تلك الرساميل على تمويل عملية التكيف مع أزمة المناخ.
وبالتالي، قد يوفر الاستثمار في تطبيق إجراءات التكيف مع حماية المناخ أموالاً للدول، على المدى البعيد، إذ تقدر الأمم المتحدة أن إنفاق الدول 1.8 تريليون دولار أميركي على عمليات التحول لحماية البيئة من شأنه توفير أكثر من 7.1 تريليون دولار أميركي من مصاريف تكاليف حماية المناخ.
ولكن كيف سيكون شكل هذا التحول في العالم الحقيقي؟ إن ذلك يختلف باختلاف الظروف. ومن الممكن أن يعني ذلك إنفاق التمويل على إعادة تأهيل المساحات الرطبة التي تحمي من العواصف في المناطق الساحلية، وكذلك فمن شأن طلاء أسطح المباني باللون الأبيض في المدن أن يسمح بتخفيف وطأة الحر في أماكن السكن خلال فترات الحر الحارقة، أو يمكن إنفاقها على تركيب أجهزة إنذار مبكر للتأكد أن المجتمعات لديها الوقت الكافي كي تتأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية.
واستكمالاً، سيعني ذلك الأمر أيضاً ضرورة الاستثمار في مالكي المزارع الصغيرة الذين يعتبر عملهم أساسياً لتحقيق الاستقرار في النظام الغذائي العالمي. ومن دون الدعم الدولي، قد يخسر المزارعون في مجتمعات تعتبر مهددة لأنها ما زالت تحاول التعافي من آثار جائحة “كوفيد-19″، القدرة على حماية المزروعات، وصولاً إلى مواسم الحصاد، ما يزيد من شدة أزمة نقص الغذاء العالمية.
ضابط شرطة يحتجز أحد نشطاء حركة الجيل الأخير الذي رفع يافطة عليها شعار “أوقفوا جنون الوقود الأحفوري” أمام مقر المستشارية الألمانية في برلين بتاريخ 25 يونيو 2022
ضابط شرطة يحتجز أحد نشطاء حركة الجيل الأخير الذي رفع يافطة عليها شعار “أوقفوا جنون الوقود الأحفوري” أمام مقر المستشارية الألمانية في برلين بتاريخ 25 يونيو 2022 (رويترز)
في المقابل، فمن دون بذل الجهود لتحسين قدرة المزارعين على الصمود في وجه التغييرات المناخية، يمكن أن تتراجع عملية الإنتاج الزراعي بما قد يصل إلى 30 في المئة مع حلول عام 2050، حتى لو ارتفع الطلب العالمي على الغذاء خمسين في المئة.
كذلك يحتاج المزارعون إلى المعونة في سياق عملية التكيف مع التغييرات البيئية التي وقعت حتى الآن، وتلك التي قد تكون أشد سوءاً في المستقبل. ومثلاً، فيما ترتفع درجات الحرارة في موائل تعد سلالاً غذائية تقليدياً، تحتاج المحاصيل إلى كميات مياه أكبر لريها، لكن كثيراً من هذه المناطق نفسها تعاني معدلات أمطار أقل، ما يجعل من الصعب جداً إيصال المحاصيل إلى مرحلة النضج.
بحصولهم على التمويل، سيتمكن صغار المزارعين من الاستثمار في غرسات متطورة تكون قادرة على تحمل الجفاف، وتركيب أنظمة ري أكثر فاعلية، واستخدام أنواع من التكنولوجيا تتيح لهم التخطيط للمستقبل البعيد، إضافة إلى ضرورة أن يحصل أولئك المزارعون على قدرة أفضل في الوصول إلى الأسواق كي لا تتلف تلك المحاصيل وتذهب هباء.
وقد بات من الصعب التشديد على تلك الأمور بأكثر مما حصل من تأكيد وتشديد على مركزية الدور الذي يؤديه صغار المزارعين في كثير من المجتمعات. وبفضل مناطق جنوب الصحراء في أفريقيا وأجزاء من آسيا، ينتج العالم ثمانين في المئة من غذائه. ويقدر أن ثلثي الراشدين الفقراء الذين يعيشون في العالم يكسبون دخلهم من قطاع الزراعة. وفي المقابل، لا يحصل صغار المزارعين الذين يقفون على الحافة في مسألة التنمية المستدامة، إلا على 1.7 في المئة من مجموع التمويل المخصص لحماية البيئة. وحاضراً، يحصل أولئك المزارعون على نحو عشرة مليارات دولار أميركي في هذا المجال، وذلك أقل بكثير من حجم حاجاتهم الحقيقية التي تقدر بـ240 مليار دولار أميركي في السنة.
علينا أن نردم تلك الفجوة العميقة في التمويل، إذا كنا نريد أن نبني مستقبلاً أفضل.
لقد أسهم العمل الدولي المشترك في تحقيق نتائج جيدة في السنوات الأخيرة، خصوصاً الحصول على تواقيع 196 دولة على “اتفاق باريس للمناخ 2015″، والمصادقة على أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، والتوافق على إطار للقضاء على الفقر المدقع، والعمل على حماية الكوكب من التغيرات المناخية وخفض نسبة عدم المساواة في المجتمعات مع حلول عام 2030. في المقابل، هناك الكثير من العمل الذي ينتظر العالم في جهوده الرامية إلى محاربة التغيرات المناخية. وكذلك فإن إحراز تقدم في هذا المجال يعتمد على الاستثمارات التي نضخها اليوم في مجال التكيف مع المناخ.
كخلاصة، نحن نتطلع إلى الخطوات التي قد تتخذ بعد مفاوضات قمة دول “مجموعة السبع”. ونشجع الزعماء على أن يكونوا قدوة تُحتذى قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27” Cop27 في مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. لنؤكد مجدداً أن الكيفية التي ستتصرف بها هذه الدول اليوم سيكون لها تأثير في حياتنا جميعاً، سواء أسارت بنا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ.
* بان كي مون هو أمين عام “مركز بان كي مون للمواطن العالمي” وأمين عام منظمة الأمم المتحدة الثامن. ستنعقد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع المقبلة من 26 إلى 28 يونيو (حزيران) في “قلعة إلماو” Schloss Elmau في ألمانيا.
بقلم : بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن رأي الكاتب