سوريا وحماس.. هل أضحت الخلافات في خبر كان؟
تشكّل عودة حماس إلى دمشق عاملاً مهماً في توحيد جهود محور المقاومة وقدراته في المنطقة.
شرحبيل الغريب*
مرحلة جديدة من العلاقة ستعود من جديد بين حركة حماس وسوريا، بعد جهود بذلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله اللبناني على مدار الفترة الماضية، تكلَّلت بالنجاح هذه المرة في طيّ صفحة الخلافات وكسر الجليد الذي استمر 10 سنوات، وستترجم إلى خطوات عملية عما قريب، وستكتب فصولاً جديدة من العلاقة بين الطرفين مستقبلاً، على قاعدة أن تصويب العلاقة يعدّ مصدر قوة لكل من حركة حماس وسوريا ومحور المقاومة كافة.
حماس تكمل طريق العودة إلى دمشق بقرار سوري، انطلاقاً من إيمانها بأهمية سوريا كدولة من خلال موقعها في المنطقة، ثم موقعها في قلب محور المقاومة التي هي جزء أساسي لا يتجزأ منه.
وأكثر ما ساعد على الوصول إلى طي صفحة الخلافات التي طرأت عام 2012، هو قيادة حماس الحالية برئاسة إسماعيل هنية، الذي انتخب رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، والقائد يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، وهي القيادة التي دعت مراراً وتكراراً إلى ضرورة تعزيز العلاقة مع أطراف محور المقاومة في المنطقة، بما يخدم المقاومة القضية الفلسطينية ومشروع تحرير فلسطين.
كتبتُ مقالاً نشر في آب/أغسطس 2021، بعد إعادة انتخاب كل من السيد إسماعيل هنية ويحيى السنوار في دورة انتخابية ثانية في قيادة حركة حماس، ومواقفهما المعلنة تجاه إيران وحزب الله، وحالة التحالف الكبيرة التي وصل إليها شكل العلاقة بين حماس ومحور المقاومة، وأهمية تصفير الخلافات بين حركة حماس وسوريا، انطلاقاً من قراءة استراتيجية لمشهد المنطقة والتشكلات والاصطفافات العربية إلى جانب “إسرائيل”، وإقامة علاقات تطبيع رسمية معها. وقد ركزت في المقال على أهمية تمتين محور المقاومة من أي اضطرابات أو خلافات داخلية، استشعاراً بأهمية محور المقاومة وقوته وصلابته وتنسيقه في مواجهة المشروع الإسرائيلي الأميركي.
نجح السيد إسماعيل هنية في تحدٍ ليس سهلاً، وعمل على فك عقدة طال عمرها 10 سنوات على صعيد ترميم علاقة حركة حماس بسوريا؛ الدولة المهمة في محور المقاومة، والتي تمثل قلب محورها النابض، ضمن ترتيب العلاقات مع الأطراف وطيّ صفحة الماضي إلى الأبد.
كنت قد كتبتُ في المقال نفسه أنَّ التحولات التي فرضتها المقاومة الفلسطينية خلال معركة “سيف القدس” في أيار/مايو 2021، مع الجهود المضنية التي بذلتها طهران وحزب الله في سبيل توظيف حالة التحالفات وتعزيزه وتمتين جبهة محور المقاومة، باتت تستلزم استكمال طريق المصالحة إلى النهاية بين سوريا وحماس، وأن تشكل داعماً أساسياً في اختصار ما تبقى من طريق وصولاً إلى نهايته.
تشهد الدورة الثانية برئاسة إسماعيل هنية رئيساً لحركة حماس عودة للعلاقات بشكل كامل مع دمشق، انطلاقاً من إدراك الأطراف كافة أنَّ حركة حماس تمثل رقماً صعباً سياسياً وعسكرياً لا يمكن تجاوزه في المقاومة الفلسطينية بعد أدائها المميز في معركة “سيف القدس”، واستشعاراً بالتهديدات الإسرائيلية الأخيرة المتصاعدة تجاه محور المقاومة بكامله، إذ إنَّ مثل هذه العودة يشكل عاملاً مهماً في توحيد جهود محور المقاومة وقدراته في المنطقة.
تصريحات حركة حماس وبياناتها الرسمية خلال المرحلة السابقة، ورفضها ضم “إسرائيل” الجولان السوري، وتكرار العدوان الإسرائيلي على سوريا، والذي كان آخره قصف “إسرائيل” مطار دمشق، وتصريحات قيادتها، وخصوصاً القائد يحيى السنوار الذي أكد وجود تنسيق رفيع المستوى وعالٍ بين حماس والأطراف في محور المقاومة، متمثل بالتنسيق بين حزب الله وحرس الثورة الإيراني خلال معركة “سيف القدس” الأخيرة، كانت تصبّ كلّها في إطار الرسائل الإيجابية للقيادة السورية، وتعطي إشارات إيجابية بأن هناك مراجعات وتغييراً في موقف حماس تجاه عودة العلاقات مع سوريا.
محور المقاومة في إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس وكل أذرع المقاومة الفلسطينية يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التوحّد في مواجهة “إسرائيل” أمام حالة التحالفات العربية معها، والتي يجري البحث في شأنها في الوقت الحالي، عبر تشكيل تحالف إقليمي عربي بمشاركة “إسرائيل” لمواجهة إيران، وهو الرد الأمثل على هذا التحالف الذي تعمل له كلّ من الإمارات والبحرين كركيزة أساسية في قبول “إسرائيل” وتسهيل تغولها أكثر في المنطقة العربية والخليج، فمن مصلحة حركة حماس أن تكون لها علاقات جيدة مع جميع الدول التي تعادي “إسرائيل”، وموقفها واستراتيجيتها واضحتان في عنوان العداء لـ”إسرائيل”، على قاعدة أنها كيان سرطاني عنصري يجب مواجهته.
لا يلوم أحد حماس، فهي حركة مشروعها المقاوم واضح ولا يمكن التشكيك فيه في أي حال من الأحوال، واستراتيجيتها الخارجية هي عدم التدخل في شؤون الدول، وبندقيتها نحو “إسرائيل” التي تحتل فلسطين وتدنّس مقدساتها، وهي بحاجة إلى كل دعم يساند مشروعها، ومن حقها التحالف مع كل الدول والقوى التي تنظر إلى “إسرائيل” النظرة ذاتها ككيان احتلالي يجب التخلص منه، وهي بذلك تتلاقى مع محور المقاومة في البرنامج ذاته، ومن حقها أن تعزز هذا التحالف في زمن السقوط العربي في أحضان “إسرائيل”، والحصار والقطيعة التي تمارسها دول عربية وخليجية، كالمملكة العربية السعودية، تجاه حركة حماس في إطار حالة التواطؤ مع مشاريع التصفية الأميركية واستمرار الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
تنهض سوريا من جديد بإعادة التموضع في المنطقة بعد فشل المؤامرة الأميركية التي تعرّضت لها على مدار 10 سنوات، وتعيد اليوم ترتيب علاقاتها مع دول في المنطقة، وتعطي إشارات إيجابية عنوانها طيّ صفحة الخلاف مع حركة حماس، بدور وإسناد ودعم مباشر من إيران وحزب الله، فلطالما شكلت سورياً ملاذاً آمناً لمشروع المقاومة ككل، وستبقى. وفي تقديري، هذا ما تتطلع إليه حركة حماس، بما يضمن تعزيز العلاقات المتينة مع محور المقاومة ككل، بما يسمح لها ولقيادة جهازها العسكري العمل في الساحة السورية، بما يعزز مواجهة “إسرائيل” في المنطقة.
* المصدر :الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع