العولمة: هل يعني منع تصدير الأساسيات بداية نهاية عصر القرية الصغيرة؟
السياسية:
دفعت أزمة الغذاء العالمية مزيداً من الحكومات لتشديد سيطرتها على عدد متزايد من القطاعات باسم الأمن القومي.
ووفقًا لمسح أجرته مجموعة لوبي الأعمال الكبيرة والمائدة المستديرة الأوروبية للصناعة وكونفرنس بورد الأمريكية للبحوث، فإن عشرين دولة قد أعلنت تدخلها المباشر في الأسواق، وهذا ما يغذي المخاوف بخصوص الإجراءات الحمائية من قبل دول منتجة ومستهلكة على حد سواء.
وفي الوقت الذي يشكو فيه المواطنون من تراجع القدرة الشرائية. يقول أحدهم لبي بي سي في القاهرة: “السلع متوفرة، لكن المسألة هي مسألة أسعار”. يتحدث آخر عن أن “كل شيء بات باهظ الثمن” وأن الأسعار تتفاوت بين متجر وآخر ومن يوم لآخر”.
في تونس، تقول ربة منزل: “نرى في وسائل الإعلام شيئاً بينما الواقع شيء آخر. الغلاء مستفحل والرواتب لا تكفي”.
أمام ذلك، قررت بلدان عدة وقف تصدير ما لديها من منتجات لاستخدامها محلياً، كما منعت إعادة تصدير السلع المستوردة المدعومة من قبل الدولة، في ظل مخاوف من ارتفاع مستمر للأسعار ولجوء بعضهم إلى تخزين السلع خوفا من شحها مستقبلا.
يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، جمال صيام، لبي بي سي نيوز عربي: “وضع مصر مختلف فهي مستورد كبير للقمح بواقع 12 مليون طن في العام. كما أنها تستورد تسعين في المائة من زيوت الطعام. وتشكل صادرات القمح ستين في المائة من استهلاك مصر من هذا المنتج”.
كما يلفت صيام الانتباه إلى أنه “عندما تصدر الحكومة المصرية قراراً كهذا، فهي تمنع تهريب هذه السلع الى الخارج لأن الأسعار المحلية أقل من تلك العالمية. لذلك هناك فرصة للتهريب. فالتفاوت في الأسعار يعود على المهرب بالربح. وبما أن مصر دولة مستوردة وليست مصدرة، ما يحصل هنا ليس حمائية وإنما منع للتهريب وحماية للمستهلك”.
لكن صيام يشير إلى أن الحمائية من قبل الدول المنتجة “مرفوضة. ذلك أن ثمة دولا لا ملجأ أمامها سوى الاستيراد”، ويضيف أن “دول الشرق الأوسط عموما والخليج تستورد كميات هائلة من الحبوب والزيوت وجميعها تبحث عن أسواق جديدة بدلا من أوكرانيا”.
ويمضي قائلاً: “هي فعلاً نهاية العولمة. فقد شهد العام 2008 أزمة الغذاء العالمي وحدث أن الدول المصدرة الكبرى حجزت جزءاً من صادراتها.”
صندوق النقد الدولي حذر من أن ذلك قضى على كل ما بني لبناء قرية كونية من خلال العولمة.
واذا كان الحديث عن انهيار العولمة بكامل وجوهها يبدو مبالغاً فيه، الا أ نه ، على هامش مؤتمر دافوس الأخير٫ قال رئيس المفوضية الأوروبية السابق خوسيه مانويل باروسو إ ن التخلي عن العولمة يعود على غياب التعاون الكامل بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، و لا سيما إذا قورنت بما كانت عليه في مواجهة الأزمة المالية العالمية في 2008.
وفقا للبنك الدولي، فإن بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على سبيل المثال، تنفق 40٪ من استهلاكها على الغذاء في الوقت الذي فرضت فيه 20 دولة قيودا على صادرات المواد الغذائية والأسمدة، وهذا سيزيد الطين بلة.
ويؤكد المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن من الدول التي منعت التصدير، الأرجنتين التي منعت تصدير زيت الصويا وفول الصويا، وكذلك الجزائر التي منعت تصدير المعكرونة ومشتقات القمح والزيت النباتي والسكر.
أما مصر، فقد منعت تصدير الذرة والقمح والدقيق والزيوت والعدس والمكرونة والفاصوليا، كما حظرت الهند تصدير القمح وتنوي حظر تصدير السكر، في حين منعت إندونيسيا تصدير زيت النخيل وزيت نواة النخيل .
أما إيران فأوقفت تصدير البطاطس والباذنجان والطماطم والبصل، فيما منعت كازاخستان تصدير القمح، وكذلك فعلت كوسوفو التي أوقفت تصدير القمح والذرة والطحين والزيت النباتي والملح والسكر.
أما تركيا، فقد حظرت تصدير لحوم البقر والضأن والماعز والزبدة وزيوت الطبخ، في حين أوقفت أوكرانيا تصدير القمح والشوفان، الدَخَن والسكر٫ فيما منعت روسيا تصدير السكر، بذور عباد الشمس والقمح والشوفان والشعير والذرة .
وهناك أيضا صربيا التي أوقفت تصدير الذرة والدقيق والزيت، وتونس التي أوقفت تصدير الفواكه والخضروات، والكويت التي حظرت تصدير لحوم الدجاج والحبوب والزيوت النباتية .
ووجدت المفوضية الأوروبية أن 34 منتجًا في الاتحاد الأوروبي معرض بشدة لاضطرابات سلاسل التوريد نظرًا لمحدودية إمكانية التنويع والاستبدال المنخفضة داخل الاتحاد. وقد بات هذا الضعف أكثر وضوحًا نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية.
ووفقاً للبنك الأوروبي، تواجه دول عدة الآن مسألة كيفية الاستجابة لهذه الثغرات الجديدة، لكن الحل لا يكمن في التقوقع داخل الحدود وإقامة الحواجز التجارية. إذ يُظهر التاريخ أن الانسحاب من التجارة العالمية يأتي بتكاليف كبيرة.
ويذكَرنا البنك الأوروبي كيف أن الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على الشحن الدولي في عام 1808 قد كلفها ما يقرب من 8٪ من الناتج القومي الإجمالي .
ضغط الشارع
الكاتبة الصحفية داليا شيندلين قالت لبي بي سي: “حول العالم ينظر المراقبون في هذا التقلب للأسعار. لمنتجات بعضها أساسي. وهو يوصل بعض الدول إلى حافة الانهيار” مضيفة: “شهدت لإيران تظاهرات تخللتها أعمال عنف، تظاهرات في ألبانيا، بنما، الهند وسريلانكا. كل ذلك يضع ذلك ضغوطاً محلية على الساسة. فالهند مثلا أعلنت في أعقاب ذلك وقف تصدير القمح والآن تتحدث عن رغبتها منع تصدير السكر”.
يقول ديفيد لابوردي من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إن “هناك عدة ديناميات تدخل في ذلك. على مدى الشهور ال18 الماضية، كان هناك ارتفاع بشكل عام في أسعار الأساسيات كالقمح، حبوب الصويا والذرة. وإذا لم يكن الأخيران مهمين للانسانإلا أنهما أساسيان لمن يربون الماشية وقطاع صناعة مشتقات الحليب.”
لكن التوجهات الحمائية سبقت الأزمة الراهنة .
وفقاُ لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، واجه العالم حتى قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، أزمة غذاء غير عاديةـ إذ تضاعفت تكاليف الغذاء وأسعار السلع الأساسية، وتكاليف الشحن ثلاث وأربع مرات”. وهناك من لاحظ انعكاسها في “بريكست” وسياسة “أمريكا أولاً”.
المصدر: بي بي سي