صراع في واشنطن حول “التحالف أو الاتفاق”
السياسية:
مما يبدو ظاهراً بوضوح في واشنطن، أن هناك صراعاً شبه مفتوح بين أنصار توقيع “الاتفاق النووي أولاً”، وأنصار “ترميم العلاقات مع التحالف أولاً”، داخل إدارة الرئيس جو بايدن والأكثرية الديمقراطية في الكونغرس الحالي. وهذا الصراع بدت ملامحه تظهر في العلن، وقد يتصاعد مع زيارة الوفد الرئاسي الأميركي إلى السعودية وإسرائيل بعد بضعة أسابيع. وكل هذه العواصف تحدث قبل بضعة أشهر من الانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، مما يعقد المعادلة الداخلية في الولايات المتحدة، ويزيد في ترابطها مع التطورات الخارجية، بخاصة في الشرق الأوسط، حيث تتلبّد الغيوم السوداء، والسيناريوهات تتعدد. فكيف يدور الصراع الداخلي في مركز القرار الأميركي، وما هي الاحتمالات الآتية؟
“لوبيات إيران”
كما سردنا في مقالات سابقة، توجد كتلتان في الولايات المتحدة تعملان على التأثيرعلى سياسة واشنطن تجاه إيران منذ أكثر من عقد. الأولى هي منظمات ما يسمى “اللوبي الإيراني”، وعلى رأسها منظمة NIAC، الذي يضغط لتغيير سياسة أميركا من مواجهة مع إيران إلى شراكة معها، ومن أهم استراتيجياتها إقناع الإدارة ودفعها باتجاه توقيع الـJCPOA، ولكنّ هناك جسماً آخرَ يمكن وصفه بـ”لوبي الاتفاق النووي”، وهو كناية عن المصالح الاقتصادية والتجارية التي تسعى إلى دخول السوق الإيرانية، بالتالي هي أيضاً تضغط على الإدارة للإسراع في التوقيع. عملياً، تلاقت أجندات الكتلتين لأسباب مختلفة، ولكنها متقاطعة.
الفريقان يهمهما أن توقّع الإدارة على الاتفاق، بالتالي فإن قدرتهما المشتركة كان لها تأثير كبير على خيار إدارتي الرئيس السابق باراك أوباما وبايدن للاقتراب والانفتاح على النظام الإيراني. فشعرت المنطقة، عند معظم العرب وإسرائيل والمعارضات، بأنه بات لدى إيران نفوذ لا يُقهر في واشنطن، ما بين 2009 و2021، مع تراجع محدود خلال سنوات إدارة دونالد ترمب. وتمت ترجمة هذه القوة بنظر المنطقة إلى ضغوط متصاعدة على السعودية والعرب، وإلى حد ما على إسرائيل خلال عهدَي أوباما وبايدن. وزخّمت الصحافة المؤيدة لسياسة إدارة أوباما، وبعدها لسياسة بايدن هجماتها على هذه الحكومات، وكثّفت هجماتها على السياسة الخارجية لإدارة ترمب، وذهبت إلى حد شن حملات على الخبراء الأميركيين الذين أيّدوا إقامة تحالف بين أميركا والكتلة العربية المقاومة للانفلاش الإيراني. وقد بدى الأمر وكأن الكتلة المؤيدة للاتفاق قد أخذت الإدارة إلى حيث لا عودة خلال 2021 وبداية 2022. إلا أن تطوراً عالمياً أرخى بظلاله على هذه المعادلة وأثّر عليها.
في نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي دخل الجيش الروسي أوكرانيا وغيّر العلاقات الأمنية، وربما الاقتصادية والدولية. وباتت السياسة الأميركية بحاجة إلى بعض البدائل وهي واقفة أمام تحديات جمّة. ومن بين هذه التحديات، إيجاد بدائل للغاز الروسي، ومواجهة تصاعد أسعار النفط، وتعزيز التحالفات الإقليمية عالمياً، مما دفع بكثير من أنصار الحزب الديمقراطي، داخل الإدارة وفي الكونغرس، إلى أن يضغطوا على البيت الأبيض لاتخاذ خطوات جديدة وسريعة لمواجهة التحديات، وإن كلّف ذلك تغييراً في الأجندة الأساسية للإدارة، ومن بين تلك الملفات مسألة التوازن بين الاتفاق النووي والعلاقة مع دول التحالف العربي. ومن بين القادة الديمقرايين القلقين من نفوذ اللوبي الإيراني، السيناتور بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وغيره في مجلس النواب، بالإضافة إلى قلق لدى مسؤولين كبار في البنتاغون ودوائر الخارجية من انقطاع العلاقة مع الشركاء العرب وإسرائيل، في خضم الأزمات العالمية والإقليمية. وباتت هذه الأوساط مجتمعةً تطالب البيت الأبيض بإعادة “العلاقات الطيبة مع الشركاء التاريخيين” في المنطقة. وبدأت أيضاً المصالح الأميركية في الخليج تضغط في واشنطن بهذا الاتجاه، مما بدأ يخلق توازناً جديداً داخل معسكر الإدارة من أجل اتجاه جديد نحو المنطقة.
المعادلة بين الاتفاق والتحالف
لوبي “الاتفاق النووي” لا يزال قوياً في معسكر الإدارة، وسيمنع تعبئة هذه الأخيرة لمواجهة مع إيران، ولكن اللوبي المؤيد لعلاقات مع “التحالف العربي” بات أقوى مما سبق داخل هذا المعسكر، وقد يحمي العلاقة النامية من ضربات اللوبي الأول. وليست الانتقادات الخارجة عن مؤيدي الشراكة مع طهران لمحاولات البيت الأبيض للتقارب مع العرب إلا مؤشرات عن غضب النظام من التحول، ولو محدود، بين بايدن والقيادة السعودية. فهذه المعادلة مرشحة، على الأقل في الأشهرالمقبلة أن تتصلب، مما يعني أن إدارة بايدن ستتقرب من “التحالف”، ولكنها لن تتخلى عن “الاتفاق”، لتبقى رابحة على الجبهتين. فتحصل على الثمن المطلوب للنفط، ولا تخسر الشراكة المستقبلية مع إيران. وقد تعتقد أن الحفاظ على التوازن هذا سيخدمها داخلياً في خضم الانتخابات التشريعية، ولكن ذلك سيُنتج أسئلة كثيرة. هل سيقبل التحالف من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، السياسة الثنائية بين الطرفين؟ هل ستسعى طهران إلى عرقلة التقارب مع الرياض؟ هل ستحدث مفاجآت على الأرض تضرب الاستقرار وتجبر واشنطن على أن تغير في هذه السياسة. وأخيراً، وليس آخراً، هل سيكون لنتائج انتخابات الكونغرس أي تأثير على هذه المعادلة في مطلع العام المقبل؟ سنرى.
بقلم: وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب