المشروع التركي-القطري في اليمن: تبنّي الاخوان المسلمين
السياسية- رصد:
جملة من الأحداث الأمنية والعسكرية شهدتها بعض المحافظات اليمنية، من نهب محطة للكهرباء وانتهاكات واعتداءات على التجار واختطاف عدد منهم في تعز، إضافة لاعتداءات متفرقة أخرى، تضع المحافظة أمام احتمال الأزمة الأمنية بشكل مستمر، ليس فقط في تعز، إنما في مأرب أيضاً، المحافظة التي تشهد على الدوام تحشيداً عسكرياً.
كانت هذه الأحداث لتكون أكثر اعتيادية لو أن هذه الاعتداءات تنفذ من قبل الميليشيات المتواجدة في المنطقة وتعود تبعيتها للسعودية أو الامارات -الرعاة الرسميين للحرب- لكن ان يعود اسم “حمود سعيد المخلافي” للظهور مجدداً وهو القيادي في حزب الإصلاح الذي اقصته السعودية أخيراً، فهو الأمر الذي ينذر بأن هناك لاعباً يحاول العودة إلى الميدان بزَي آخر، وهو من دون التباس “المحور التركي-القطري”.
مع بداية فتور العلاقة بين السعودية والامارات على خليفة صراع النفوذ بينهما في عدد من المحافظات، خاصة الساحلية والنفطية منها، إضافة للمأزق الكبير الذي واجهته الرياض وهو إعادة تشكيل “جبهة” سياسية وعسكرية تتسلم تسيير مصالحها على الأرض فيما تتولى هي فقط إدارة الأزمة، وهو ما نتج عنه اقصاء حزب الإصلاح وجماعة الاخوان المسلمين في البلاد، هذه الأمور مجتمعة هيّأت الأرضية لاستقطاب تركيا مجدداً إلى الميدان اليمني، وإعادة “تبنّي” جماعة الاخوان لحجز مقعد في المرحلة المقبلة، وان كانت المشاركة الفاعلة في مركز القرار لن تكون خياراً مطروحاً بعد الواقع الذي وصل إليه حزب الإصلاح، إلا ان الاستفادة من الجماعة في تثبيت قواعد عسكرية وجني بعض المكاسب من خلال إعادة تعويمها ودعمها، قد تفي بالغرض.
تقوم تركيا وبمشاركة قطرية، بتعزيز دور الاخوان المسلمين في بعض المناطق مثل تعز ومأرب، من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة التابعة له، إضافة لشراء ذمم بعض المشائخ من أصحاب النفوذ والمكانة القبلية، تحت مسمى “المقاومة الشعبية” ويتولى قيادتها القيادي الاخواني “حمود سعيد المخلافي”.
في 6 أيلول/ سبتمبر عام 2020، سربت وثيقة قيل أنها مرسلة من وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى سفير دولة قطر في سلطنة عمان جاسم بن عبدالرحمن آل جاء فيها “إشارة إلى الخطاب 856 بشأن توجيه أمير الدولة بخصوص دعم عمليات المقاومة النضالية للأشقاء المقاومين في الجمهورية اليمنية، …. فقد تقرر تقديم دعم مالي لمواصلة المقاومة ولإسناد مهماتهم على أن تقدم إلى يد الشيخ محمود سعيد المخلافي بمبلغ 2.000.000 دولار نقدي شهرياً، تدرج من ضمن النفقات الشهرية للسفارة وضمن النفقات الخيرية لجمعية قطر الخيرية من أجل زيادة الجهود وتغطية نفقات المقاومة في الميدان، وبموجب التوجيه يتم صرف المبلغ للمذكور أعلاه بطريقة انفرادية ويداً بيد داخل السفارة”.
بعد ذلك بعدة أشهر، في بداية عام 2021، عاد التوتر بين ميليشيات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي التابع للامارات، وأخرى تابعة للاخوان المسلمين في المناطق غربي تعز، حيث توغل لواء قوامه أكثر من 2800 عنصر مجند في منطقة الوزاعية القريبة لباب المندب، بعد فترة وجيزة من الهدوء الحذر بين الطرفين.
أما عن حشد هذا العدد من المسلحين، اشارت وكالة “نورث برس” في مقال لها نشر بتاريخ 14 آذار/ مارس 2021، أن “الجيش الوطني السوري -وهو جماعة معارضة تدعمها تركيا- يعمل منذ أسابيع لإعداد عشرات المسلحين لإرسالهم إلى اليمن”. وبحسب التقرير، فأنه قد “عُرض على المقاتلين رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً وقيل لهم إنهم سيتمركزون على الحدود اليمنية السعودية ولن يشاركوا في الاشتباكات”. وتتابع الوكالة “ومن الجدير بالذكر أن المقاتلين السوريين الذين تم إرسالهم إلى أذربيجان تم إخبارهم أيضاً أنه ليس عليهم المشاركة في القتال، فقط ليجدوا أنفسهم في الخطوط الأمامية”.
موقع “المونيتور” الأميركي في مقال له للصحفي التركي فهيم تستكين، أشار إلى ان “تركيا تسعى إلى تحويل العزلة الدولية المتزايدة للسعودية لصالحها، وذلك في أعقاب سياسات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المتغيرة تجاه إيران وقرار واشنطن بتجميد ومراجعة مبيعات الأسلحة إلى السعودية مؤقتاً بسبب الحرب اليمنية”.
وعلى الرغم من ان التدخل المباشر في الحرب على اليمن يتطلب قراراً منن البرلمان التركي، إلا ان المعلومات تؤكد مشاركة طائرات تركية في العمليات العسكرية التي تقوم بها الرياض في اليمن، وهو ما أكده المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع بتغريدة له على موقع تويتر: “الدفاعات الجوية تمكنت من إسقاط طائرة تجسسية مقاتلة من نوع كاريال تركية الصنع تابعة لسلاح الجو السعودي أثناء قيامها بمهام عدائية في أجواء منطقة المرازيق في محافظة الجوف”.
وكانت الرياض قد عقدت عام 2020 عقداً مع شركة “فيستل” التركية المتخصصة في الصناعات العسكرية الدفاعية بقيمة مليون دولار، ضمن مشروع مشترك بين الجانبين لإنتاج مزيد من الطائرات المسيرة من نوع “كاريال”.
يوازي هذا الحشد العسكري، ضجيج إعلامي تركي المرافق لأي نشاط “انساني” من توزيع بعض الحصص الغذائية بشكل لافت، إضافة لتوزيع بعض المنح الدراسية، رغم قلة تأثيرها وفاعليتها في إحداث خرق فعلي في جدار الازمة في البلاد ولو على صعيد محافظة واحدة.
هذا الحضور غير المتناسق بين تركيا التي أتمت الـ 70 عاماً في عضويتها لحلف الناتو في شباط/ فبراير الماضي، وما تمثله من ذراع خشنة له في المنطقة، إلى جانب قطر التي يتمركز فيها أكبر معسكر لقوات المارينز الأميركية في العالم (خارج حدود الولايات المتحدة)، من جهة، مع ما يرافقه من فتور في العلاقات وتضارب في المصالح مقابل الاصطفاف السعودي- الاماراتي من جهة أخرى، مع اختلاف مشاريع وأجندة كل منهم، سينعكس مباشرة على الساحة اليمنية، وهو ما قد ينذر بترسيخ الاصطفافات القائمة والتشرذمات في الفترة المقبلة، ما سيجعل خيار التسوية واطلاق العملية السياسية وتفعليها أمراً صعباً.
- المصدر: “الخنادق” اللبناني
- المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع