السياسية- متابعات:

وليد القططي

 

“تصدّت الدفاعات الجوية السورية لعدوان إسرائيلي بالصواريخ”، هذه عبارة افتتاحية لمئات البيانات العسكرية السورية في السنوات الأخيرة، التي تنتهي أحياناً بعبارة “َتحتفظ سوريا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، ولكن، لا الدفاعات الجوية السورية منعت العدوان، ولا الردّ أتى إلى الآن، ووصلت الاعتداءات الإسرائيلية إلى مطار دمشق الدولي وأخرجته من الخدمة، والطريقة الوحيدة لمنع العدوان والدفاع عن سوريا هي الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بمثلها، وفق إستراتيجية الردع في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، فالردع خير وسيلة للدفاع عن سوريا العروبة والمقاومة.

مفهوم الردع كإستراتيجية عسكرية هو أنَّ الطرف الذي يتّبعها يهدّد بأنه في حال استخدام العدو القوة العسكرية ضده، فإنه قد ينجح في تحقيق أهدافه، ويلحق أضراراً في الطرف المُعتدي عليه، ولكنه سيتعرّض لخسارة كبيرة لا يحتملها أو هي تفوق المكاسب التي يجنيها من عدوانه. وهو نوع من الردع بالعقاب الشديد الذي سيناله العدو من جراء قيامه بأعمال تهدد الطرف الرادع، وهذا يحتاج إلى تجاوز التهديد بالقول إلى الفعل، ليمتلك الصدقية المطلوبة للردع (تنفيذ التهديد)، وكذلك يحتاج إلى امتلاك القوة العسكرية الملائمة، والقدرة على قرار الردع بوجود الإرادة السياسية لتطبيق إستراتيجية الردع.

وإستراتيجية الردع هذه هي العمود الفقري لنظرية الأمن الإسرائيلية، التي قامت على تخويف العرب من مجرد التفكير في مهاجمة الكيان الصهيوني، حيث رُسّخت هذه الإستراتيجية بعد الحروب الثلاث الأولى بين “الجيش” الإسرائيلي والجيوش العربية النظامية، وبعد عشرات العمليات العسكرية العدوانية الإسرائيلية على الدول العربية والشعب الفلسطيني، فاستفاد الكيان من ترويج أسطورة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر”، ومن التسريب المتعمّد لامتلاكه السلاح النووي، ومن حرصه على التفوّق العسكري النوعي خصوصاً سلاح الجو، فمارس عملية (كي الوعي) ليزرع في نفوس العرب وقلوبهم الهزيمة النفسية، فيصيبهم الخوف والرعب لتبقى حال الردع لمصلحة الكيان الصهيوني، حتى بدأ الردع الإسرائيلي يتأكّل بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، وبعد تولّي المقاومة العربية في فلسطين ولبنان دفة الصراع مع الكيان الصهيوني بعد “حرب لبنان الأولى” عام 1982.

نجحت المقاومة في تحطيم كثير من مرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلية، وتدمير الأصنام الوهمية التي شيّدها في قلوب النخبة الحاكمة المهزومة، لا سيما إستراتيجية الردع الإسرائيلية؛ بل تجاوزت ذلك نحو تغيير قواعد الاشتباك وبناء معادلة ردع جديدة فيها قدر من توازن الردع النسبي بين المقاومة والكيان الصهيوني، سواء في لبنان أو في فلسطين وغزة تحديداً، على الرغم من الفرق الهائل في القوة العسكرية الكمية والنوعية لمصلحة الكيان، فتوازن الردع النسبي لا يحتاج إلى تكافؤ عسكري بين الطرفين، ولكنه يحتاج إلى أن يكون توازن إرادة الصمود والقتال والاستعداد للتضحية لمصلحة الشعب ومقاومته، وهذا موجود لدى المقاومة، ويحتاج إلى امتلاك قوة عسكرية يمكنها إيذاء العدو ومعاقبته، مثل العمليات الفدائية، والصواريخ الضاربة لجبهة العدو الداخلية، وبهذه المعادلة تتفوّق إرادة الصمود والمقاومة على إرادة الاحتلال، وتتقدّم إرادة الحياة الحرة الكريمة عند الشعب على أي تضحية بالروح والمال.

هذا المفهوم للردع الذي فرضته المقاومة يمكن أن يُطبّق في كل جبهات المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني، دولاً ومقاومة، بما فيها سوريا العروبة والمقاومة، فلا يكفي التصدي للعدوان بأنظمة الدفاع الجوي مهما كانت متقدمة، ولكن المطلوب هو منع العدوان من الأساس، والطريقة الوحيدة لذلك هي اتّباع إستراتيجية الردع التي تتحقّق مع الوقت من خلال الرد على العدوان، لأنَّ البديل هو الاستمرار في تلقّي الضربات الإسرائيلية المتزايدة كماً ونوعاً من عدو لا يفهم سوى لغة القوة، وهذا ما أكده العميد المتقاعد في الجيش العربي السوري، هيثم حسون، بعد غارة صاروخية على مطار دمشق الدولي، قبل ثلاثة أعوام، بقوله: “اعتقد أنَّ العدو الإسرائيلي سيرتدع في حال قامت الدولة السورية باستهداف الداخل الإسرائيلي، لأنَّ التجربة مع إسرائيل تؤكّد استحالة أن يكون هناك رادع أخلاقي أو سياسي. والرادع الوحيد الذي يفهمه القادة الإسرائيليون هو الرادع العسكري الذي يسبب الخسارة للكيان الصهيوني”.

وضرورة الرد على العدوان الإسرائيلي المتكرّر على سوريا العروبة والمقاومة، هي ما يأمله كل محبي سوريا في محور المقاومة وأحرار العرب، لردع الكيان الصهيوني عن استباحة سوريا بهذه الطريقة المُهينة للكرامة العربية. وهذا الأمل قائم على الرغم من إدراك عمق الآثار المُدّمرة على سوريا الدولة والجيش للحرب الكونية على سوريا في العقد الأخير، وعلى الرغم من إدراك أن العدوان الإسرائيلي المتكرّر على سوريا يأتي استكمالاً للحرب عليها من دول كبيرة كأميركا وفرنسا، وأخرى إقليمية كالسعودية وتركيا، في إطار الحرب على محور المقاومة الرافض للهيمنة الصهيوأمريكية على المنطقة… ومع تقديرنا لرؤية الدولة السورية ومحور المقاومة لطبيعة الرد، وتوقيته، وقدرتهم على تقدير الموقف العسكري، فلا خيار لسوريا إلا الرد العسكري المباشر على العدوان في إطار إستراتيجية الردع للدفاع عن سوريا بهويتها العربية، وبوصلتها الفلسطينية وروحها المقاومة.

ولأن سوريا هكذا عند مُجيبها، كتبتُ مقالاً قبل سبع سنوات عنوانه “ماذا لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؟” أجبت عنه في خاتمة المقال بما يلي: “لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؛ لما وصلت الأمور إلى هذه الاعتداءات باغتيال سمير القنطار، وبالتأكيد، لما تجرّأ العدو على مواصلة هجماته المتكررة على سوريا… فهذا العدو لا يفهم إلاّ لغة القوة، ولا يردعه شيء عن جرائمه إلاّ قوة ردع مضادة، وتوازن رعب متساوٍ… ورحم الله القائل: لو رأى الظالم في يد المظلوم سيفاً لما ظلمه”. وبعد تلك السنوات السبع استمرّت الغارات الإسرائيلية وبقي السؤال نفسه حاضراً “ماذا لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؟”.

  • المصدر: الميادين نت
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع