السياسية:

تزداد المخاوف في السودان من عودة أعضاء سابقين بحزب المؤتمر الوطني، الذي كان حاكما في ظل الرئيس عمر البشير الذي أطاحت به احتجاجات شعبية في عام 2019، إلى الساحة السياسية.

ويرى مراقبون أن المجلس العسكري الحاكم في السودان يقلّد أعضاء سابقين من حزب المؤتمر الوطني مناصب نافذة في الدولة.

وأجْهز انقلابٌ عسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان على حكومة انتقالية هشّة كانت بالشراكة بين عسكريين وآخرين مدنيين لعبوا دورا محوريا في احتجاجات حاشدة أطاحت بنظام البشير السلطوي.

ويرى كثيرون أن قيادات الجنرالات -الذين كانوا أنفسهم أعضاء في لجنة أمنية عيّنها البشير أواخر أيامه في الحكم- يفضّلون الاستعانة بأعضاء حزب المؤتمر الوطني الذي فرض رؤية متشددة من الشريعة الإسلامية إبان وجوده في السلطة.

ويعتقد حمزة بلول -العضو البارز في حركة قوى الحرية والتغيير التي كانت تتقاسم السلطة مع الجنرالات قبل الانقلاب- أن المجلس العسكري أفسد عملية الانتقال الديمقراطي عبر تقديم الحماية لأعضاء حزب المؤتمر الوطني.

ويرى بلول أن قادة الانقلاب كانوا ولا يزالون “يتعاونون بقوة مع قيادات من النظام السابق من أجل اكتساب قاعدة سياسية”.

ويقول بلول لبي بي سي: “يجب على القوى المناصرة للثورة أن تتوحد من أجل إنزال الهزيمة بالانقلاب”.

ولقي أكثر من مئة شخص مصرعهم منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول خلال مظاهرات منتظمة خرجت تطالب بعودة الحكم المدني.

وكان من بين القرارات الأولى التي اتخذها الجنرال البرهان غداة الانقلاب قرارٌ بتعليق عمل اللجنة المشكّلة لـ “تفكيك” قبضة النظام السابق على السلطة، ولإلغاء كل قراراتها.

وكانت هذه اللجنة -بقيادة الحقوقي وجدي صالح الذي اعتُقل بعد الانقلاب- تلعب دورا محوريا في الكشف عن الفساد الذي كان مستشريا في ظل حكم البشير.

وكانت اللجنة قد اتهمت بالفساد مسؤولين ورجال أعمال، كما عزلت مسؤولين من مناصب حكومية، وأعلنت مصادرة أصول، وأصدرت مذكّرات اعتقال، فضلا عن تجميد أرصدة بنكية.

وبينما كان يجري التدبير للانقلاب كانت هذه اللجنة تحقق في صفقات بين قيادة المؤتمر الوطني وجنرالات الجيش.

ولم تعدم هذه اللجنة وجود منتقدين لأنشطتها؛ فراح البعض يتهمها بالافتقار إلى الشرعية القانونية، فيما راح آخرون يصفونها بأنها أداة للظلم.

غداة الانقلاب، التفت المجلس العسكري الحاكم في السودان إلى حزب المؤتمر الوطني والمتعاطفين معه مستهدفا من هؤلاء مساعدته في تعزيز قبضته على السلطة.

وعاد مئات من الموظفين المعزولين إلى العمل في وظائف رفيعة بالبنك المركزي، والقضاء، والنيابة، والإعلام، والوزارات الحكومية.

وجرى تعيين موالين لحزب المؤتمر الوطني في مناصب رفيعة، ومن هؤلاء أحمد مفضل، والي جنوب كردفان السابق والقيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني، وقد أصبح الآن رئيسا لجهاز المخابرات العامة (جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني سابقا والذي كان رمزا للتخويف خلال فترة حكم البشير).

ومن بين مؤشرات عودة حزب المؤتمر الوطني إلى الحياة العامة، رفع التجميد عن حسابات بنكية خاصة بأعضاء في الحزب، فضلًا عن إطلاق سراح عدد من قياداته المعتقلين، ومن هؤلاء إبراهيم غندور (رئيس المؤتمر الوطني ووزير الخارجية السابق)، وأنس عمر (والي شرق دارفور السابق، والمتهم بانتهاكات حقوقية)، ورجل الدين علي الجزولي (الذي كان داعما لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية).

ولا يزال البشير نفسه نزيلا في سجون المجلس العسكري. وكان البشير قد أدين بالفساد في 2019، كما أنه يقبع قيد محاكمة منذ يوليو/تموز 2020 على الانقلاب الذي أتى من خلاله إلى السلطة سنة 1989.

وكانت الحركة المؤيدة للديمقراطية هي التي دفعت صوب محاكمة البشير على انقلابه، وقد بدأت المحاكمة بالفعل قبل استيلاء البرهان على السلطة.

ورفض المجلس العسكري الحاكم في السودان تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية ليحاكَم في اتهامات بارتكاب جرائم حرب إبان الصراع الذي شهده إقليم دارفور، وهي اتهامات ينكرها البشير.

ويعتقد مراقبون أن الجنرالات قد يرون في نهاية المطاف إطلاق سراح البشير، على غرار ما جرى في مصر للرئيس السابق حسني مبارك الذي أُطلق سراحه بعد استيلاء الجيش على السلطة عام 2013.

ويعَدّ علي كرتي مواليا لحزب المؤتمر الوطني، كما أنه القائم بأعمال الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية (تحالف للجماعات الإسلامية في الخارج). ويُعتقد أن علي كرتي هو الرجل الذي يقف وراء عودة المؤتمر الوطني إلى الظهور.

ويعيش كرتي حاليا في تركيا، وقد أدلى بتصريحات تليفزيونية هي الأولى له منذ أكثر من ثلاث سنوات. ودافع كرتي عن حزب المؤتمر الوطني وقال إن الإسلاميين لهم الحق في إعادة تنظيم أنفسهم وفي خوض غمار الانتخابات المقبلة.

وقد كان كرتي، وزير الخارجية السابق، هدفا للجنة المشار إليها آنفا والتي استهدفت أعضاء بارزين من نظام البشير.

وقد سُجّلت مئات المؤامرات باسم كرتي في شمال الخرطوم، على نحو دفع البعض على تسمية المنطقة باسم “كرتستان”، ولكن كرتي ينكر الوقوف وراء أي من ذلك.

وذاع صيت كارتي كأحد الصقور المتشددة في نظام البشير، ونُسب إليه تشكيل قوات دفاع شعبي وهي ميليشيا تشكلت بينما كانت حكومة الإسلاميين في أوج حماستها بحقبة التسعينيات. وقد تمّ الاستعانة بتلك القوات في الحرب ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما كانت تطالب باستقلال المنطقة ذات الغالبية المسيحية من السكان والتي هي الآن “جنوب السودان”.

كما أدلى وزير إعلام البشير السابق أمين حسن عمر بتصريحات مؤخرا زعم فيها أن الحركة الإسلامية لديها 500 ألف مقاتل جاهزين للدفاع عن السودان ضد أي خطر يتهدده.

وليس ثمة وسيلة مستقلة للتحقق من مزاعم حسن عمر، لكن إذا كان للإسلاميين جيش قوامه 500 ألف مقاتل تحت إمرتهم، فإنهم بذلك يفوقون في العدد قوات الدعم السريع (الجنجويد سابقا) والمتهمة بارتكاب فظائع في صراع دارفور. وتقدّر أعداد قوات الدعم السريع بنحو 50 ألف إلى 150 ألف مقاتل.

ويرى محللون أن قيادات بارزة في الجيش السوداني، بينهم الجنرال البرهان، يستخدمون الإسلاميين للحدّ من تنامي نفوذ قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، والذي يُعدّ في الوقت الراهن نائبا لقائد الانقلاب.

ووعد المجلس العسكري بإجراء انتخابات العام المقبل، قبل تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

وتتوسط الولايات المتحدة والسعودية لإجراء محادثات غير رسمية بين الجنرالات في السودان وقوى الحرية والتغيير في محاولة للتقريب بين وجهات النظر. لكن لجان مقاومة -قوامها ناشطون في طليعة صفوف المتظاهرين ضد الانقلاب- لا تزال في شك مريب من الجيش، وفي غضون ذلك لا تزال المظاهرات مستمرة.

ويتخوف هؤلاء من أن تستغل قيادات الجنرالات هذه المحادثات لاكتساب مشروعية تخدم هدفهم النهائي والمتمثل في تنظيم انتخابات صورية يمكن أن تأتي بتكتّل إسلامي جديد في السلطة – ويمكن أن يشتمل ذلك على حزب المؤتمر الوطني في ثوب جديد.

وتريد لجان المقاومة من الجيش أن يعود إلى ثكناته، ومن الحكومة الانتقالية الجديدة أن تقود السودان إلى انتخابات ديمقراطية.

المصدر: بي بي سي