بعد 35 عاماً على نهاية الحرب الباردة.. سباق جديد للتسلح بين الدول الكبرى
السياسية – وكالات :
التوترات في شرقي أوروبا والمحيط الهادئ، ومحاولة الولايات المتحدة وحلفاؤها ممارسة الضغوط على الصين وروسيا، وعقد التحالفات العسكرية، كلها أسبابٌ تساهم في زيادة العسكرة عالمياً وارتفاع الإنفاق على التسليح.
كشف آخر تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، “سيبري”، أنّ عدد الأسلحة النووية في العالم سيرتفع في العقد المقبل، بعد 35 عاماً من التراجع، وسط تفاقم التوترات العالمية والحرب في أوكرانيا. وفي ظل سباق تسلح جديد ومتسارع، نظراً إلى الأحداث الجارية، بات تطوير الصواريخ الخارقة، وصناعة الأجيال الجديدة من المنظومات الدفاعية، في صدارة أجندات الدول الكبرى وحساباتها.
وفقاً لتقديرات معهد “سيبري”، كانت “لدى القوى النووية التسع، أي بريطانيا والصين وفرنسا والهند و”إسرائيل” وكوريا الشمالية وباكستان والولايات المتحدة وروسيا، 12705 رؤوس حربية نووية في أوائل عام 2022، أي 375 رأساً أقل مما كانت عليه في أوائل عام 2021″.
وتؤكد المواقف السياسة للدول المذكورة أعلاه، على نحو واضح، السعي الدائم لزيادة الإنفاق العسكري والسباق إلى التسلح، وذلك من خلال التحالفات المتعددة التي تقوم مؤخراً، بما في ذلك، مثلاً، تحالف كواد (أستراليا والهند والولايات المتحدة واليابان)، وأوكوس (أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة)، بحجة مواجهة نفوذ الصين، اقتصادياً وعسكرياً.
كذلك، تبدو شبه الجزيرة الكورية ذريعة لتكثيف التسلّح وتمتين الأحلاف، إذ اتفق مؤخراً وزراء دفاع كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، على هامش حوار ” شانغريلا السنوي في سنغافورة”، على تكثيف التعاون لمواجهة “تهديدات” كوريا الشمالية الصاروخية عبر التدريبات الأمنية المنتظمة المشتركة.
هذه الاتفاقيات أثارت حفيظة عدة دول، على رأسها الصين وروسيا وكوريا الشمالية، إذ حذّرت الصين من أنّ التحالف يخاطر بـ”إلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي، وتكثيف سباق التسلح”. أمّا روسيا فشددت على أنّ تنفيذ خطط شراكة “أوكوس”، في المجال الصاروخي، سيعقّد الوضع في مجال الأمن، دولياً وإقليمياً.
وقالت موسكو، في شهر نيسان/أبريل، إنّ ظهور الصواريخ الأميركية، القصيرة والمتوسطة المدى، في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، سيؤدي إلى تصعيد الوضع وتشجيع سباق التسلح.
القارة الأوروبية تحقق أكبر نمو في تجارة الأسلحة
لم تكن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا السبب الأساسي في زيادة التسلح في القارة الأوروبية مؤخراً، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، والذي قدم مقارنة بين بيع السلاح وشرائه، في الفترة بين عامي 2017 و2021، وصفقات تجارة السلاح قبل ذلك بخمسة أعوام.
هذه المقارنة أثبتت زيادة التوتر في أنحاء القارة الأوروبية كافة، حتى قبل العملية العسكرية. وأشار تقرير المعهد إلى أنّه، في الوقت الذي انخفضت تجارة الأسلحة على مستوى العالم بنسبة 4,6%، زادت مشتريات الأسلحة في أوروبا بنسبة 19%.
من جهته، أوضح مدير برنامج الأمن الأوروبي في المعهد، إيان أنتوني، أنّ هذه الأرقام الخاصة بتزايد صفقات الأسلحة في أوروبا تعكس ردة فعل القارة على استعادة روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 والعملية العسكرية في أوكرانيا.
وعلى خلفية التطورات العسكرية على الأرض، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في أيار/مايو، أنّ التكتل يعتزم زيادة إنفاقه العسكري 200 مليار دولار في الأعوام المقبلة.
وقالت فون دير لاين إنّ “اندلاع نزاع عسكري جديد في أوروبا أظهر بوضوح نقص الإنفاق على مدى أعوام في المجال الدفاعي في الاتحاد الأوروبي”، مضيفة أنّ “التكتل فقد 10 أعوام من الاستثمار الدفاعي بسبب هذه التقليصات”.
وأشارت أيضاً إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يعتزم لاحقاً وضع قواعد جديدة لضمان إعفاء هذه المشتريات العسكرية المشتركة من ضريبة القيمة المضافة.
ومطلع هذا الشهر، اتهمت روسيا الحكومة الألمانية بزعزعة الأمن الأوروبي، عبر “إعادة التسلُّح”، في الوقت الذي تتحرك برلين معززةً إنفاقها العسكري رداً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وأعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، أنّ “ألمانيا ستمتلك قريباً أكبر جيش تقليدي في أوروبا” ضمن حلف شمال الأطلسي، وأنّ “سلاح الجو الألماني يتّجه ليكون المستفيد الأكبر من تمويلٍ خاصٍّ للجيش الألماني، يبلغ 100 مليار يورو (110.35 مليار دولار)”.
وخلال “منتدى آسيا والمحيط الهادئ للدفاع والأمن – حوار شانغريلا”، كشف وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، أنّ فرنسا تعتزم تعزيز قدراتها العسكرية المنتشرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتحديثها، على الرغم من الأزمة في أوكرانيا، بحيث ستنشر سفينتين في المنطقة نهاية عام 2025، نظراً إلى إبدال سفن الدوريات الأربع الموجودة حالياً بطراز جديد، وسيتم إبدال خمس طائرات “فالكون” للاستطلاع في المحيط الهادئ بخمس طائرات جديدة أكثر حداثة.
ودعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أيضاً، إلى تعزيز الصناعة الدفاعية الأوروبية، التي يجب أن تكون “أقوى كثيراً”، وذلك في أثناء افتتاح المعرض الدولي لصناعات الدفاع والأمن البريَّين، “يوروساتوري”، قرب باريس.
الولايات المتحدة الأميركية في صدارة الإنفاق العسكري
تحتل الولايات المتحدة الأميركية صدارة الإنفاق العسكري، وفق “سيبري”، إذ تمتلك 5428 رأساً حربياً، أي أقل بـ120 من العام الماضي، لكن لديها رؤوس منتشرة أكثر من روسيا، ويبلغ عددها 1750.
وكان البيت الأبيض طلب من الكونغرس المصادقة على ميزانية للدفاع، تصل إلى 813 مليار دولار لعام 2023، تتضمن زيادة 30 مليار دولار عن ميزانية العام الحالي.
وكشفت صحيفة “بوليتكو” أنّ الزيادة ستأتي بنسبة 4% من الميزانية المقدَّمة عام 2022، لكن لن يتم اعتبارها كافية من جانب الجمهوريين في الكونغرس، الذين طالبوا بزيادة لا تقل عن 5%.
وأوضحت الصحيفة أنّ “البيت الأبيض طلب 34.4 مليار دولار للتحديث النووي، و24.7 مليار دولار لبرامج الدفاع الصاروخي، و27.6 مليار دولار أخرى للتحذير من الصواريخ الفضائية، وتتبُّع الصواريخ وجهود إطلاق الفضاء. وستكون ميزانية البحث والتطوير هي الأكبر على الإطلاق، إذ سترتفع بنسبة 9.5% عن عام 2022، لتصل إلى 130.1 مليار دولار”.
في الوقت نفسه، قررت كندا زيادة إنفاقها العسكريّ بمقدار ثمانية مليارات دولار كنديّ (6,4 مليارات دولار أميركي) على مدى 5 سنوات، على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفق ما جاء في الميزانية الفيدرالية.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع الميادين نت