مادورو في طهران… الجبهة المعادية للولايات المتحدة تجدد العهد والميثاق
السياسية – رصد:
استضافت طهران، السبت، زيارةً دبلوماسيةً لرئيس دولة توصف، إلى جانب إيران، بأنهما مدربتان علی الالتفاف على العقوبات الأمريكية الظالمة أحادية الجانب.
سافر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى إيران يوم الجمعة الماضي على رأس وفد رفيع المستوى من المسؤولين الحكوميين، واستقبله المسؤولون السياسيون الإيرانيون رسميًا في مجمع سعد آباد الثقافي التاريخي يوم السبت.
وتمت هذه الزيارة، وهي ثاني زيارة لمادورو إلى طهران بعد زيارته في نوفمبر 2016، بدعوة رسمية من الرئيس الايراني السيد إبراهيم رئيسي.
كما يرافق مادورو في زيارته لإيران، وزراء الخارجية والزراعة والاتصالات والعلوم والتكنولوجيا والنقل والسياحة الفنزويليين. وتأتي الزيارة أيضًا في الوقت الذي سافر فيه وزير النفط الإيراني جواد أوجي إلى كراكاس في 4 مايو/أيار، للقاء مادورو ومناقشة الاتفاقيات التجارية مع نظيره الفنزويلي طارق العيسمي.
وبعد اجتماع مشترك، أعلن نيكولاس مادورو والسيد إبراهيم رئيسي عن توقيع وثيقة تعاون شاملة مدتها 20 عامًا في المجالات السياسية والثقافية والسياحية والاقتصادية والنفطية والبتروكيماوية، ما يشير إلى العمق الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين.
يُظهر توقيع هذه الوثيقة الاستراتيجية استعداد طهران وكراكاس لتوسيع التعاون الثنائي باعتبارهما الفاعلين الرئيسيين في الحركة المناهضة لأمريكا في النظام العالمي، والتي من المحتمل أن نرى المزيد من الأبعاد لها في المستقبل.
تجديد سياسات طهران وكراكاس المعادية لأمريكا
تعرف إيران وفنزويلا في النظام العالمي القائم بأنهما اللاعبان الرئيسيان في معارضة النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ومعظم العقوبات الأحادية التي فرضتها واشنطن کان ضدهما.
کما يشار إلى البلدين الآن على أنهما رمزان لمقاومة الضغوط والعقوبات الأمريكية، وبالطبع هذا المبدأ كان وسيظل المحور الأهم للتوجه الخاص للجانبين لتوسيع التعاون.
خلال زيارة مادورو الأخيرة إلى طهران، نرى أيضًا أنه أكد في مؤتمر صحفي بعد لقائه بالسيد رئيسي: “اليوم أعدكم بأن نظامًا جيوسياسيًا جديدًا يتبلور في العالم، والنتيجة هي التحرر من الحكم الاستعماري الأمريكي الذي يسير على طريق الانحطاط ويشمل أوروبا أيضًا. تسألون أين إيران وفنزويلا في هذه المعادلة وأنا أجيب، نحن رواد هذا العصر الجديد. عصر ظهور الإنسانية الجديدة وكذلك النظام الجيوسياسي الجديد في العالم، أو العالم الجديد نفسه. عالم خالٍ من القوى المهيمنة، وخالٍ من الاستعمار، وخالٍ من عقوبات الدول المهيمنة على العالم. نحن رواد هذه الحركة، مثل أي تطوير من هذا القبيل. کان القائد شافيز يقول دائمًا: يا نيكولاس، يجب أن نكون في الصدارة، في الخط الأمامي. يجب أن نتوقع منهم أن يقتلونا بأسلحتهم دائمًا، يجب أن نكون في الطليعة.”
إلى جانب مادور، قال السيد إبراهيم رئيسي في مؤتمره الصحفي: “لقد سعت جمهورية إيران الإسلامية دائمًا إلى إقامة علاقات مع الدول المستقلة في مجال السياسة الخارجية، وقد قاومت فنزويلا عقوبات الأعداء والإمبريالية ولديها مقاومة نموذجية”.
إن المواقف التي اتخذها قادة البلدين تظهر بوضوح أنهم يؤمنون إيماناً عميقاً بانحدار نظام الهيمنة الغربية، ويرون في المواجهة مع القوى العظمى المسيطرة مهمةً لمواصلة التعاون والحفاظ على موقعهم في النظام العالمي.
وفي هذا الصدد، نرى مادورو في جزء آخر من تصريحاته في المؤتمر الصحفي، وبعد تأکيده علی أن “إيران وفنزويلا وعدد من الدول الأخرى في طليعة هذا المجال”، قال: “نحن نضيء الأنوار، نبلغ الجميع بالأحداث ونظهر تصميمنا ومقاومتنا لخلق عالم خال من القوى المهيمنة والاستعمارية، عالم تلعب فيه المساواة والتعاون دورًا رئيسيًا. لقد انتهى عصر الهيمنة الأوروبية والعدوان العسكري والسياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، وانضم في التاريخ. لقد دخلنا حقبةً جديدةً ويجب على إيران وفنزويلا مواصلة تعاونهما.”
في الواقع، واجهت إيران وفنزويلا أكبر قدر من الضغوط والعقوبات من الولايات المتحدة في السياسة العالمية على مدى العقدين الماضيين، ما دفع البلدين إلى التقارب والعمل معًا لمواجهة سياسات واشنطن المتعجرفة.
وعلى مر السنين، اتخذ شعبا إيران وفنزويلا مبادرات بناءة لمواجهة واشنطن من خلال تعميق علاقاتهما، لمواجهة عقوبات واشنطن القاسية واللاإنسانية.
على سبيل المثال، كان التسليم الناجح لخمس ناقلات إيرانية إلی فنزويلا ودعم كراكاس لبرنامج إيران النووي على الصعيد العالمي، مثالًا رئيسيًا على هذه المبادرات. وفي هذا الصدد، نرى حتى أن وزير الخارجية الفنزويلي السابق “خورخي أريسا” ذكر إيران كمدرس للالتفاف على العقوبات.
خلال زيارة مادورو الأخيرة، اعتبر السيد إبراهيم رئيسي، في المؤتمر الصحفي بعد لقائه مع نظيره الفنزويلي، العلاقات بين طهران وكراكاس كاستراتيجية، وأشار إلى استراتيجية مقاومة البلدين ضد القوى المتعجرفة، وقال: “وفقًا للمتحدث باسم البيت الأبيض، فإن الضغط الأقصى على إيران قد فشل فشلاً ذريعاً، وأن أمتنا مصممة على تحويل العقوبات إلى فرصة للبلاد للتقدم.”
من جانبه، قال نيكولاس مادورو إننا نكافح من أجل عالم أفضل، وأضاف: “كلا البلدين يواجهان تداعيات العقوبات التي فرضت بشكل أساسي من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى”.
وفي إشارة إلى العقوبات باعتبارها إرهابًا اقتصاديًا، تابع مادورو: “بعد عقوبات صيف 2020، قررت الحكومة الإيرانية إرسال بعض النفط إلى فنزويلا ردًا على عقوبات الرئيس ترامب، رغم أنه هدد في عام 2020 بمهاجمة أي شخص يحاول دخول فنزويلا. إنه لحدث استثنائي أن نشهد وصول ناقلات النفط الإيرانية رغم هذه التهديدات، وقد احتفل الفنزويليون جميعًا. في ذلك الوقت كنا في الحجر الصحي البحت. کانت شروطاً صعبةً للغاية فرضت علينا من آذار حتى أيار.”
تشير تصريحات مادورو إلى الموقف الذي حدث في أكتوبر 2020، والذي وُصف بأنه إحدی أكبر المناورات لتحدي العقوبات الأمريكية.
کما يشير مادور إلى حقيقة أنه خلال السنوات القليلة الماضية، واجهت فنزويلا، على الرغم من سيطرتها على مواردها النفطية الهائلة(أكبر احتياطيات نفطية في العالم – أكثر من 300 مليار برميل)، العديد من المشاكل في الحصول على الوقود الذي تحتاجه، وکانت إيران هي التي لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد، من خلال إرسال الوقود إليه. على سبيل المثال، في أكتوبر 2020، أرسلت إيران نحو 800 ألف برميل من الوقود إلى هذا البلد.
تعزيز وتوسيع التعاون الاقتصادي بين طهران وكراكاس
كانت العلاقات بين إيران وفنزويلا في السنوات الأخيرة على طريق تحالف استراتيجي، وإضافة إلى القضايا السياسية والدبلوماسية، كانت القضايا الاقتصادية والتقنية متغيرًا مهمًا.
خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، بدأت إقامة علاقات استراتيجية بين طهران وكراكاس.
خلال هذه الفترة، تم توقيع أكثر من 300 اتفاقية تعاون بين إيران وحكومة هوغو شافيز، واستثمرت إيران نحو 15 مليار دولار في هذا البلد. ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه في حكومة حسن روحاني، على الرغم من العديد من التقلبات، أخذ منحى تنازليًا.
وعلى الرغم من وجود تعاون كبير بين البلدين في مواجهة العقوبات وتقديم المساعدة من إيران لفنزويلا، إلا أن مستوى التعاون لم يكن عالياً كما كان في الماضي.
في العهد الجديد، أي بعد وصول حكومة السيد إبراهيم رئيسي إلى السلطة، اعتبارًا من 3 أغسطس 2021، نشهد بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين.
وفي أول مظهر من مظاهر ذلك، ترأس وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينسيا وفداً سياسياً إلى طهران في 18 أكتوبر 2021، وهو أول توجه للجانبين لتعميق التعاون في المجالات الاقتصادية والفنية والسياحية.
وفي الوضع الجديد أيضًا، نرى أنه خلال اجتماع رئيسي إيران وفنزويلا، تم التوقيع على وثيقة تعاون استراتيجي شامل مدته 20 عامًا بين البلدين، وهو رمز واضح للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
وفي هذا الصدد، اعتبر الرئيس الإيراني، السيد إبراهيم رئيسي، أن توقيع وثيقة شاملة لمدة 20 عامًا من التعاون القيادي بين إيران وفنزويلا، هو تعبير عن إرادة كبار المسؤولين في البلدين لتطوير العلاقات في مختلف المجالات، وأكد: هناك تعاون جيد بين طهران وكراكاس في مجال الطاقة ومحطات التوليد الحرارية وإصلاح المصافي وتصدير الخدمات الفنية والهندسية والعلاقات الاقتصادية والدفاعية والعسكرية، ما يدل على القدرة العالية للعلاقات بين البلدين، وتسعى الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة للارتقاء بهذه العلاقات إلى أعلى مستوى.
كما أشار رئيسي إلى مجال العلوم والتكنولوجيا باعتباره مجالًا آخر يمكن أن تتعاون فيه طهران وكاراكاس بشكل جيد، وقال إنه “تم اتخاذ خطوات جيدة للتعاون العلمي والتكنولوجي مع فنزويلا في إيران، والشركات القائمة على المعرفة ومجمعات العلوم والتكنولوجيا والزراعة جاهزة لنقل خبراتها في هذا المجال”.
والمجال المهم الآخر في خضم جهود طهران وكراكاس لتعميق العلاقات الثنائية، يتعلق بتطوير وتعزيز قدرات السياحة البيئية.
في الواقع، تشتهر إيران وفنزويلا على مستوى العالم بمناطق الجذب السياحي الطبيعية، ويتمتع كلا البلدين بثقافة غنية كتراث تاريخي لشعبيهما. حتى أنه في أواخر عام 2020، سافر وزير السياحة الفنزويلي “آلي بادرون” إلى إيران، ما يدل على جدية الجانبين في تطوير العلاقات في هذا المجال، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يحظى باهتمام أكبر من قبل وزارتي خارجية البلدين في منظور التطورات المستقبلية.
کما يعدّ إطلاق الجولات السياحية بين البلدين وتعزيز ثقافة المقاومة والسلام في خضم الأهداف السياحية، محورًا مهمًا يمكن تعزيزه في العلاقات المستقبلية بين البلدين.
وفي هذا الصدد، قال مادورو أيضًا عن التعاون بين إيران وفنزويلا في مجال السياحة: “أخاطب جميع سكان أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي، وكذلك جميع الإيرانيين الذين يسمعون صوتنا. ستكون هناك رحلة طيران مباشرة بين طهران وكراكاس قريبًا. ستكون الرحلات الجوية مرةً واحدةً في الأسبوع ونعتزم زيادة عددها. وفقاً للتقارير، نحن على استعداد تام من الناحية الفنية. بدأت هذه الرحلات بالفعل منذ 10 سنوات، لكن هدفنا هو التوسع في مجال السياحة. يجب على الإيرانيين الذين يسمعون صوتنا أن يعرفوا أن فنزويلا بلد جميل، مع تنوع بيولوجي مختلف وطبيعة فريدة للسياحة البيئية الجبلية. والشعب الفنزويلي طيب ومضياف للغاية، ويتطلع إلى الترحيب بالعائلات الإيرانية.”
وقال أيضًا: “نحن مستعدون لاستقبال سياحكم بشكل كامل. ونخطط أيضًا لرحلات جوية غير مباشرة، ويمكننا ترتيب جولات خاصة للسائحين الفنزويليين وأمريكا اللاتينية المهتمين بزيارة إيران.”
إلى جانب مادورو، أوضح السيد إبراهيم رئيسي، في إشارة إلى الإطلاق الوشيك لخط طيران مباشر بين طهران وكاراكس: “هذا الإجراء أرضية جيدة لتسهيل حركة مواطني البلدين، ما سيؤدي إلى طفرة في العلاقات الاقتصادية والتجارية، وسيقرّب العلاقات بين البلدين.”
وعلى مستوى آخر، وفي ظل الظروف الجديدة، يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تنشط في تصدير الأغذية والسلع الصحية إلى فنزويلا أيضًا.
في الوقت الحالي، وبينما رفوف المتاجر ومحلات السوبر ماركت الفنزويلية فارغة، فإن السوبر ماركت الإيراني في كاراكاس مليء بالبضائع، وهذا ما يرضي إلى حد كبير مواطني هذا البلد.
إضافة إلى ذلك، على مدى السنوات القليلة الماضية، قدمت طهران مساعدةً كبيرةً لفنزويلا في إعادة بناء وإصلاح مصافي التكرير المتداعية.
يشير مجموع هذا الوضع بوضوح إلى أن حكومة السيد إبراهيم رئيسي وحكومة نيكولاس مادورو، لديهما الخلفية والخبرة المناسبة لزيادة مستوى العلاقات.
*المصدر: الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع