دراسة تربط بين تناول حصتين من الأسماك أسبوعيا وسرطان الجلد
السياسية – وكالات :
معلوم أن السمك، الذي يشاد به غالباً باعتباره أحد الأغذية الفائقة، غني بفوائد غذائية واضحة، إذ يزود الجسم بمجموعة من الأحماض الدهنية والفيتامينات البالغة الأهمية.
ولكن مع ذلك، ربما لا يكون تناول كثير من الأسماك خياراً جيداً، فقد وجدت دراسة جديدة علاقة تربط بين تناول حصتين في الأسبوع من الأسماك، كما يرد في توصيات “هيئة الخدمات الصحية الوطنية” (“أن أتش أس” NHS) البريطانية، وزيادة خطر الإصابة بأحد سرطانات الجلد، الأكثر فتكاً من نوعه.
في البحث الجديد، وجد خبراء من “جامعة براون” الأميركية أن الأشخاص الذين كانت حصتهم اليومية المعتادة من الأسماك 42.8 غرام (ما يعادل نحو 300 غرام في الأسبوع) تعرضوا لخطر الإصابة بورم ميلانيني (سرطان الخلايا الصبغية) من النوع الخبيث بنسبة 22 في المئة أكثر مقارنة مع من تناولوا 3.2 غرام فقط من الأسماك يومياً.
أما خطر تطوير خلايا غير طبيعية في الطبقة الخارجية من الجلد فقط، والمعروفة باسم “الورم الميلانيني في المرحلة صفر” أو “الورم الميلانيني في الموقع” (يسمى أحياناً حالة ما قبل السرطان)، فارتفع أيضاً بنسبة 28 في المئة لدى الأشخاص الذين يأكلون كمية أكبر من الأسماك.
استندت النتائج إلى دراسة ضمت 491 ألفاً و367 مشاركاً من البالغين الأميركيين، ونشرت في مجلة “كانسر كوزز أند كونترول” Cancer Causes & Control.
في تعقيب على النتائج، قال الباحث يونيونغ تشو، إن البحث “توصل إلى وجود علاقة [بين تناول السمك وسرطان الجلد] لكنها تتطلب مزيداً من التحقيق”.
“نعتقد أن النتائج التي توصلنا إليها ربما تعزى إلى مركبات كيماوية وعناصر ملوثة موجودة في الأسماك، من بينها “ثنائي الفينيل متعدد الكلور”polychlorinated biphenyls و”الديوكسينات” dioxins و”الزرنيخ” arsenic و”الزئبق” mercury”.
ولكن في المقابل، قال خبراء آخرون، إن الأسماك غذاء صحي مهم ولا حاجة تدعو إلى التوقف عن تناوله.
من بين هؤلاء دوان ميلور، كبير المحاضرين في كلية الطب في “جامعة أستون” البريطانية، إذ قال إن “الباحثين يشيرون إلى صلة محتملة بين الملوثات الموجودة في الأسماك من جهة، ومفاقمة خطر الإصابة بالسرطان من جهة أخرى، ولكن هذه العلاقة في الواقع ربما تزيد خطر الإصابة بأكثر من سرطانات الجلد فحسب.
وفق ميلور، “لا تتضمن هذه الدراسة آلية واضحة بشأن الكيفية التي يفاقم فيها تناول الأسماك خطر الإصابة بسرطان الجلد، ما يعني أنه لا يتوفر دليل واضح على أن استهلاك الأسماك في مقدوره أن يفاقم خطر الإصابة بسرطان الجلد”.
وأضاف ميلور، “من المهم ألا ننسى أن تناول حصتين من الأسماك أسبوعياً… يشكل وسيلة للحصول على عناصر غذائية مهمة مثل أحماض أوميغا 3 الدهنية ضمن نظام غذائي صحي، ويجب ألا تثني هذه الدراسة الناس عن إدراج الأسماك كأحد العناصر في نظام غذائي صحي”.
بلغ متوسط عمر المشاركين في الدراسة 62 عاماً، وقد ذكروا عدد المرات التي تناولوا فيها الأسماك، المقلية منها وغير المقلية، والتونة خلال العام السابق، إضافة إلى أحجام حصصهم.
وفي مرحلة لاحقة، احتسب الباحثون وتيرة حالات سرطان الجلد الجديدة التي تطورت على مدى 15 عاماً مستخدمين بيانات مستقاة من سجلات السرطان.
أخذ الباحثون في عين الاعتبار عوامل من شأنها أن تؤثر في النتائج، كوزن الأشخاص، وما إذا كانوا يدخنون أو يشربون الكحول، ونظامهم الغذائي، وتاريخهم العائلي في ما يتصل بالسرطان، ومتوسط مستويات الأشعة فوق البنفسجية في منطقتهم المحلية (مع مراعاة التعرض للشمس، علماً أنه أحد عوامل الخطر المعروفة لسرطان الجلد).
وفي الوقت نفسه، سجل الأشخاص الذين بلغت حصتهم اليومية المعتادة من التونة 14.2 غرام مخاطر أعلى بنسبة 20 في المئة للإصابة بورم ميلانيني بورم خبيث مقارنة مع من تناولوا في العادة 0.3 غرام.
بصورة عامة، أصيب خمسة آلاف و34 شخصاً (1 في المئة) بورم ميلانيني خبيث خلال فترة الدراسة، وثلاثة آلاف و284 (0.7 في المئة) طوروا المرحلة صفر من سرطان الجلد. أظهر تفصيل النتائج أن الحصة الإجمالية من الأسماك مرتبط بظهور مخاطر أعلى.
وجد الباحثون أن تناول 17.8 غرام من الأسماك غير المقلية يومياً زاد خطر الإصابة بسرطان الجلد الخبيث بنسبة 18 في المئة، واحتمال الإصابة بسرطان الجلد في مرحلة الصفر بنسبة 25 في المئة، مقارنة مع تناول 0.3 غرام فقط.
ولكن مع ذلك، لم يعثر على صلة كبيرة بين تناول السمك المقلي وسرطان الجلد.
كذلك، احتسب الباحثون متوسط الحصة اليومية من الأسماك في بداية الدراسة، علماً أنه لا يمثل ربما مقدار ما يتناوله الأشخاص من هذا الطعام على امتداد سنوات حياتهم.
تحدث في هذا الشأن الدكتور مايكل جونز، كبير العلماء في علم الوراثة وعلم الأوبئة في “معهد أبحاث السرطان” في لندن، فقال إن “الباحثين وجدوا أن لتناول الأسماك غير المقلية والتونة علاقة بسرطان الجلد. كانت هذه النتائج واضحة من الناحية الإحصائية، ولم تأت مصادفة على الأرجح.
وأضاف الدكتور جونز، “من الوارد أن من يتناولون كمية أكبر من الأسماك غير المقلية أو التونة يواظبون على عادات حياتية أخرى تفاقم خطر الإصابة بسرطان الجلد. نظر الباحثون في هذه النقطة، وأخذوا في الحسبان بعض العوامل التي ربما تؤدي إلى تشويش النتائج”.
لكن الدكتور جونز استدرك قائلاً، “كما يقر الباحثون، نحن إزاء دراسة قائمة على الملاحظة (وليست تجربة عشوائية)، وليس مستبعداً وجود عوامل (معروفة وغير معروفة) لم يأخذها الباحثون في الحسبان، أو أنهم وضعوها في الاعتبار إنما ليس بشكل كاف”.
وأوضح الدكتور جونز أن الباحثين “يعتقدون أن العلاقة بين تناول السمك وسرطان الجلد ربما تعزى إلى ملوثات موجودة في الأسماك، ولكنهم لم يقيسوا مستويات هذه الملوثات لدى المشاركين”.
ويخلص الدكتور جونز إلى أنه “لا بد من أن يشتمل النظام الغذائي الصحي العام والمتوازن على الأسماك، ولا تغير نتائج الدراسة هذه التوصية”.