السياسية:
سرعة التصويت على زعامة رئيس الحكومة البريطانية تصب في مصلحته لكن مستقبله مهدد بصرف النظر عن النتيجة.

جاء الإعلان على عجل عن تصويت حزب المحافظين الحاكم على سحب الثقة من زعيمه ورئيس حكومته بوريس جونسون فرصة جيدة لرئيس الوزراء تحول دون “تربيطات” قد تطيحه من منصبه، لكن ذلك لا يعني أن وضعه غير متضرر بصرف النظر عن نتيجة التصويت، وأن حرباً داخلية في الحزب لن تضر بفرصه في الانتخابات العامة المقبلة في مطلع 2025.

بمجرد عودة نواب البرلمان من عطلة احتفالات اليوبيل البلاتيني لتولي الملكة إليزابيث الثانية العرش، أعلن السير غراهام برادي رئيس “لجنة 1922″، التي تضم نواب حزب المحافظين غير العاملين في الحكومة، أو من يسمون “نواب الصفوف الخلفية”، عن إجراء تصويت داخل الحزب على سحب الثقة من رئيس الوزراء بوريس جونسون في مساء اليوم نفسه، بعد أن تجاوزت نسبة الذين تقدموا بخطابات سحب الثقة لرئيس اللجنة 15 في المئة من نواب الحزب الحاكم في البرلمان، أي أكثر من 54 نائباً.

وتتيح لوائح الحزب الداخلية لرئيس اللجنة أن يدعو إلى تصويت سري على سحب الثقة من زعيم الحزب ورئيس الحكومة في “الوقت المناسب” بمجرد تلقيه هذا العدد من خطابات النواب. ويرى كثير من المراقبين أن قرار السير غراهام إجراء التصويت، مساء الاثنين، يصب في مصلحة رئيس الوزراء بوريس جونسون لأنه يحرم النواب، الذين عادوا لتوهم من دوائرهم الانتخابية بعد العطلة، من التنسيق وتكوين تكتل يؤدي إلى إسقاط زعيم الحزب ورئيس الحكومة.

تصويت مبكر

بعض النواب المخضرمين في الحزب الحاكم، الذين لم يعلنوا موقفهم مع أو ضد بوريس جونسون، كانوا يفضلون تأخير التصويت إلى ما بعد الانتخابات الطارئة في دائرتين خلتا وكان يشغلهما نائبان محافظان، يوم 23 من الشهر الحالي. على أنه لو خسر الحزب الدائرتين لصالح حزب العمال المعارض، أو حزب الليبراليين الديمقراطيين، فسيكون هناك عدد أكبر من النواب يرى أن بوريس جونسون أصبح “عبئاً انتخابياً” يجب إزاحته من قيادة الحزب والحكومة. ويخشى هؤلاء من أن فوز جونسون في تصويت سحب الثقة هذا سيعني أنه باق للانتخابات القادمة، إذ تقضي قواعد الحزب بأنه لو فاز لا يمكن طرح الثقة فيه مرة أخرى لمدة عام.

لكن عدداً كبيراً من النواب بدأوا بالفعل في إرسال خطابات سحب الثقة للسير غراهام منذ نتائج تحقيقات الشرطة في فضائح حفلات مقر الحكومة أثناء الإغلاق القانوني وقت وباء كورونا، ثم جاء تقرير “سو غراي” في شأن فضائح الحفلات ليلقي باللوم على قيادة الحكومة في تفشي ثقافة انتهاك القانون بين العاملين في رئاسة الوزراء وإدارات الحكومة الأخرى. ودفع ذلك مزيداً من نواب الحزب الحاكم لإرسال خطابات سحب الثقة.

المشكلة في هذا التصويت أنه لا يأتي نتيجة حملة منظمة بين مجموعة من النواب تعارض بوريس جونسون وتسعى لإقالته من رئاسة الحكومة، كما حدث مع سلفه تيريزا ماي، التي تعرضت لتصويت بسحب الثقة رتّب له أنصار “بريكست”. وعلى الرغم من أنها فازت في التصويت عام 2019، فإنها أعلنت الاستقالة بعد أن صوّت 117 نائباً من حزبها ضدها. وأدى ذلك إلى منافسة على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة فاز فيها بوريس جونسون.

هؤلاء الذين رتبوا الانقلاب على تيريزا ماي هم كتلة مؤيدي بوريس جونسون الآن، وفي مقدمتهم جاكوب ريس- موغ ومايكل غوف ودومينيك راب. في ذلك الوقت كانت هناك قضية سياسية التف النواب حولها هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أما الآن فكل النواب الذين تقدموا بخطابات سحب الثقة يعترضون على الفساد وانتهاك القانون، وبشكل عام ممارسات الحكومة التي لا تحترم القواعد. وزاد من حال الغضب داخل الحزب احتمال أن يكون بوريس جونسون ضلل البرلمان بالكذب على النواب حين أكد غير مرة أنه لم تنتهك أية قواعد في حفلات كورونا.

هي إذن مسألة سلوكيات، وليست قضية سياسة حكومية يختلف عليها النواب بما يجعلهم يتخذون مواقف حاسمة. لكن عشرات النواب المحافظين في الدوائر التي اقتنصها الحزب من المعارضة في الانتخابات الأخيرة شعروا أن الناخبين ما عادوا يثقون في بوريس جونسون، وبالتالي قد يؤدي استمراره في السلطة إلى خسارتهم مقاعدهم.

اتجاهات التصويت

صحيح أنه ليست هناك قضية سياسية تسمح بتكتل مجموعة كبيرة من النواب ضد جونسون، لكن الغضب من سياساته بخاصة في ما يتعلق بفضائح الفساد وانتهاك القانون لا يأتي فقط من النواب الجدد في دوائر ما يسمى “الحزام الأحمر”، أي الدوائر التي يفوز فيها تقليدياً حزب العمال المعارض وكسبها المحافظون في الانتخابات الأخيرة، بل إن نواباً مخضرمين، يمثلون دوائرهم منذ 10 أو 15 عاماً، انتقدوا كذلك تصرفات بوريس جونسون، وأعربوا عن غضبهم من الانتهاك المستمر لمدونة السلوك الوزاري.

هي إذن موجة غضب متشعبة، لكنها لا تمثل كتلة من نواب المحافظين متفقين على قضية خلافية محددة مع رئيس الوزراء. ولأن التصويت سري، فلا يمكن التكهن بمن سيصوت مع أو ضد جونسون، لكن رئيس الحكومة وفريقه الذي ساعده على خلافة تيريزا ماي يرون أنه سيفوز ولو بفارق صوت واحد، بالتالي سيستمر في الحكم حتى الانتخابات المقبلة بعد أكثر من عامين.

يراهن جونسون وفريقه على أصوات ما يسمى “نواب الصفوف الأولى”، أي نواب حزب المحافظين الذين يتلقون رواتب من الحكومة. ويعني ذلك الوزراء ومساعدوهم والمستشارون ورؤساء الهيئات واللجان الحكومية من نواب الحزب في البرلمان. وتشير التقديرات إلى أن عدد هؤلاء النواب المحافظين على كشف الرواتب الحكومية ما بين 14 و160 نائباً.

ويحتاج المعارضون لجونسون إلى تصويت 180 نائباً من نواب الحزب الحاكم ضده حتى يمكن سحب الثقة منه وإطاحته من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. وفي حال صوّت النواب العاملين في الحكومة لبقاء جونسون، ومعهم عدد آخر من نواب الحزب الذين يخشون تغييراً في القيادة في مثل الظروف التي تواجهها البلاد، لن يتمكن المعارضون من تحقيق سحب الثقة. بخاصة أن عدداً معقولاً من النواب المخضرمين في الحزب يخشى تغيير قيادة الحزب والحكومة بينما تواجه البلاد أزمة غير مسبوقة من ارتفاع تكلفة المعيشة، كما تواجه أوروبا معركة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، هي حرب أوكرانيا.

من المهم الإشارة إلى أن وسائل الإعلام البريطانية نقلت في الفترة الماضية عن بعض هؤلاء النواب العاملين في الحكومة، ومنهم وزراء في بعض الوزارات، أنهم ما عادوا يثقون في بوريس جونسون، لكن من غير الواضح إن كان ذلك يعني أنهم يمكن أن يصوتوا لصالح سحب الثقة منه مساء الاثنين، بخاصة أن التصويت سري.

شلل متوقع

ولأن بوريس جونسون ومؤيديه في حزب المحافظين ليسوا مثل مثل تيريزا ماي وفريقها، فمن المستبعد أن يعلن جونسون استقالته من منصبه حتى لو فاز في تصويت سحب الثقة بصوت واحد، أي صوّت نصف أعضاء حزبه ضده، لذا لا يمكن تطبيق القاعدة التاريخية التي تثبت من التجارب السابقة أن أي تصويت بسحب الثقة يعني نهاية المسار السياسي لرئيس الحزب الحكومة. إنما هناك مشكلة حقيقية في حال صوت أكثر من 100 نائب من الحزب لصالح سحب الثقة من بوريس جونسون. ففي هذه الحال يمكن أن تصاب الحكومة بالشلل، إذ لا يمكن لرئيس الوزراء وحكومته تنفيذ سياساتهم من دون تشريعات من البرلمان باستمرار. وفي وجود تلك المعارضة الكبيرة له من نواب حزبه تفقد الحكومة الأغلبية البرلمانية التي تحتاج إليها لتمرير القوانين.

صحيح أن بوريس جونسون وفريق مؤيديه في الحزب لا يقيمون وزناً كبيراً للقواعد والتقاليد ولا حتى القوانين، بل يسعون لتغييرها إذا تعارضت مع ما يريدون إنفاذه، لكن ذلك لن يكون ممكناً في حال تصويت عدد كبير من نواب المحافظين مع المعارضة على مشروعات القوانين في البرلمان.

في النهاية، وبصرف النظر عن نتيجة التصويت في اقتراع سحب الثقة من بوريس جونسون، فإن حزب المحافظين الحاكم دخل في ما أصبح الإعلام يصفه بأنه “حرب أهلية” لا شك ستؤثر على فرص الحزب في الانتخابات العامة المقبلة. وإذا كان المطالبون بسحب الثقة من جونسون يرون أنهم حتى لو لم يفلحوا فسيثبتوا للناخبين أن الحزب غير راض عن انتهاكاته وحكومته، فإن تلك الحرب الأهلية وانقسام الحزب الذي لن ينتهي سريعاً قد يؤدي إلى عزوف الناخبين عنه. وهكذا سواء فاز بوريس جونسون أو خسر في التصويت، فإن الحزب الحاكم في حال خسارة بالفعل قد لا يفلح بديل جونسون بتعويضها.

بقلم: أحمد مصطفى ـ صحافي متخصص في الشؤون الدولية
المصدر: اندبندنت عربية ـ المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب