السياسية:
هل يقر بأنه، على عكسنا نحن، يتمتع بالسلطة والنفوذ في المناقشات الدائرة في اجتماعات الحكومة؟

لا ينفك شريكي بالبودكاست روري ستيوارت يخبئ المفاجآت. ففي حلقة الخميس، وهي الأولى التي تتمحور حول أسئلة المستمعين فقط، دافع ستيوارت، الوزير المحافظ السابق، عن دومينيك راب، قائلاً إن نائب رئيس الوزراء وزير العدل، خلافاً لرئيسه، كان صادقاً على أقل تقدير.

تلخصت الأدلة التي استخدمها لإثبات كلامه في أن راب، من بين المتنافسين جميعاً على مقعد تيريزا ماي، كان الوحيد الذي اعترف بأن الجدول الزمني لـ”بريكست” الذي قدمه بوريس جونسون والآخرون جميعاً باستثناء ستيوارت كان غير واقعي تماماً ولن يطبق. صحيح، لقد كان على حق في هذا الأمر.

وقال ستيوارت أيضاً -على الرغم من أن مصادري الخاصة في وزارة الخارجية ترسم صورة مختلفة عما قاله- إن راب يقر بأنه ما كان ينبغي له أن يبقى في إجازة عندما فاجأنا الأميركيون بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إلا أن الموضوع لم يكن ضمن صلاحيات دوره [منصبه]، وإن كان يعمل كثيراً ويغوص في التفاصيل الدقيقة. مرة أخرى، صحيح.

أحب الأشخاص الذين يدافعون عمن يتعرض إلى الانتقاد. كلنا بحاجة إليهم من وقت إلى آخر، لكن في ما يتعلق بي، تؤكد ملاحظتا ستيوارت أمرين أفكر فيهما منذ فترة طويلة.

فالفكرة الأولى هي أن راب لطالما كان مناصراً شرساً لتطبيق “بريكست” أكثر بكثير من الانتهازي جونسون، وأن كل ما قاله عن “بريكست” هو الدعوة لإنجازه مهما كانت التكلفة أو الفوضى أو العواقب التي ستترتب عنه، والتي نراها ونعيشها اليوم، وهي إلى مزيد من التفاقم. لا تنسوا أنه كان أحد أولئك الذين أيدوا “بريطانيا المحررة” Britannia Unchained [بريطانيا منعتقة من القيود]، وهي رؤية لبريطانيا تكون فيها الضرائب قليلة والقوانين قليلة والحقوق قليلة، وهذه سمات لطالما دار “بريكست” حولها في نظر البعض.

أما الفكرة الثانية فهي أن راب يعاني مشكلة تعاطف إلى حد ما. لذلك، كان مذهلاً سماعه يوم الثلاثاء يتحدث عن انفطار قلبه لقصة طفل أصر على مشاركة فطوره مع أمه لأنه لاحظ أنها توقفت عن تناول الطعام. لن أدقق في هذه الكلمات وسأعتبرها حقيقة. لن أضعها في الخانة عينها التي أصنف فيها القول المبتذل حول “الأفكار والصلوات” الذي غالباً ما يطلق كشعار رنان إلى درجة أنني أستغرب عدم رواجه الدائم على “تويتر” لفرط ما يستعمل. لن أكون كأولئك الذين هبوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ممازحين ومتفاجئين بأن راب له قلب أصلاً. سأتقبل فكرة أن لديه قلباً، مثلنا جميعاً.

كلنا لدينا مشاعر، كلنا لدينا عواطف، وكلنا لدينا قدرة متفاوتة على الشعور مع الآخرين والتعاطف مع معاناتهم. وإلا لكنا مجتمعاً من المعتلين نفسياً، وربما كانت التقارير المنشورة عن زيادة الهجمات على الأطباء العامين دليلاً آخر على تفكك التماسك المجتمعي بعد عقد من التقشف و”بريكست” وعجز حكومة جونسون، نحن بعيدون تماماً من ذلك.

معظم الناس طيبون، لكن عدداً أكبر مما نود أن نتصور من الناس يعانون وضعاً بسوء وضع الطفل الصغير ووالدته، ولا يعزى السبب فقط إلى حرب بوتين على أوكرانيا التي دفعت ثمن النفط صعوداً. علاوة على ذلك، تزيد أزمة تكاليف المعيشة من أعداد هؤلاء الناس بمعدل ينذر بالخطر. يخبرني صديقي أليكس ريد، وهو كاهن يعمل في بورنلي، ويعكف حالياً على تأليف كتاب عن الفقر المدقع الذي يكافحه منذ سنوات، أن بنوك الطعام، لو مثلت قطاعاً اقتصادياً، ستتفوق على القطاعات الأخرى كلها في البلاد.

أنا أقر بأن الحكومة اتخذت بعض التدابير، وإن متأخرة، على غرار فرض ضريبة غير متوقعة على الأرباح الفائضة لدى شركات الطاقة التي تأثرت إيجاباً بالحرب في أوكرانيا فحققت النمو والأرباح السهمية. ولكن، لا يغيب عن بالي أنها أمضت أسابيع طويلة تراوغ وتزعم بأن فرض هذه الضريبة عمل خاطئ على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، واختارت توقيتاً مثيراً للشكوك من أجل حرف النظر عن تداعيات تقرير سو غراي حول خرق قانون الإغلاق في مقر رئاسة الوزراء [بإقامة احتفالات على الرغم من القيود المفروضة بسبب كوفيد-19].

وعلى نحو مماثل، جرت الحكومة رغماً عنها إلى تقديم مزيد من الوجبات المدرسية المجانية أثناء انتشار الجائحة عندما اكتشفت -على حسابها- أن ماركوس راشفورد أكثر من مجرد لاعب كرة قدم، تماماً كما علمت أن مناصر مكافحة فقر الأطفال جاك مونرو ليس مجرد كاتب متخصص بعالم الطبخ. واليوم، تطالب اتحادات المدارس باتخاذ مزيد من هذه الإجراءات.

لكن راب رفض وعاد إلى شعار إن أفضل خطوة لمساعدة الناس على الحصول على الطعام والعيش في شكل جيد تتمثل في إقامة اقتصاد قوي. وهذا هو على وجه التحديد ما تعودت الحكومة على أن تقوله، قبل أن تغير رأيها، وأن تستمر في الحديث عن اقتصاد مزدهر في حين تفشل في تحقيق هذه الغاية.

إذا كان قلبه ينفطر حقاً، ألن يفعل أكثر من مجرد إطلاق كلمات تعاطف؟ هل يقر بأنه، على عكسنا نحن، يتمتع بالسلطة والنفوذ في المناقشات الدائرة في اجتماعات الحكومة في حين يحاول جونسون وريشي سوناك على التوالي حماية نفسيهما وحماية الازدهار الاقتصادي في ظل معدل التضخم المرتفع ومعدل النمو المتباطئ؟

لا أعرف رأيكم، لكن إذا كان قلبي ينفطر، أود أن يتوقف عن الانفطار. أود أن أعالج المسألة التي تجعله ينفطر. ينبغي أن يفطر فقر الأطفال قلوبنا كلها. كنت محظوظاً بالقدر الكافي للعمل مع ساسة مثل توني بلير وغوردن براون لم يفكروا في مشاعرهم الخاصة في ما يتصل بهذه المسألة فحسب، بل استخدموا أيضاً السلطة التي توفرت لديهم في التصدي لفقر الأطفال، بخطط بعيدة الأجل حققت تقدماً حقيقياً بات الآن عرضة إلى الخطر.

الكلام سهل يا راب. إن لم تعد من تلك المقابلة لتراسل فوراً جونسون وسوناك موضحاً ما يجب القيام به الآن، وما لا يجب تأخيره وتأجيله والتردد بشأنه حتى ينفذا اضطراراً، إذاً فلينضم قلبك المنفطر إلى القمامة حيث الكلمات والعبارات والشعارات الرنانة الأخرى التي يتلوها المحافظون.

بالله عليكم، هل تفعلون حقاً “كل ما بوسعنا؟” هل تركزون حقاً على “أولويات الناس؟” (اشرح لنا كيف يساعد الهراء حول [إعادة العمل بـ] المقاييس الإمبراطورية في إطعام ذلك الطفل؟) هل تأخذون حقاً “القرارات الصحيحة” حين تلقون نظرة طويلة وجدية على البيانات الاقتصادية العالمية؟ إذا كان لي أن أختم الموضوع الذي كنت تتحدث عنه، هل تظن بأن جونسون، بوصفك وزير العدل، لم يخالف القانون الوزاري لأنه خرق القانون من دون قصد؟

لو كنت مكان والدة ذلك الولد لأغراني القيام بسرقة المحال التجارية واستعمال منطق جونسون نفسه في الدفاع عن الذات: “لقد دفعت من دون قصد إلى ما دون خط الفقر. يعاني طفلي سوء التغذية من دون قصد. وقلبي ينفطر حقاً لأنني لا أستطيع القيام بواجبي الأول كوالدة، ألا وهو إطعام أطفالي”.

بدلاً من إطلاق الشعارات، ماذا عن خطة للحكومة للوفاء بواجبها – ضمان حصول شعبها على القدر الكافي من الطعام حتى يتمكن من الحياة – وهكذا لا ينبغي أن ينفطر قلب أي إنسان بسبب الألم والعار إزاء الفقر الخانق؟ ويمكنني أن أشير إلى أن ذلك أولوية من أولويات الناس.
البودكاست “أما الباقي فسياسة” مع ألاستير كامبل وروري ستيوارت متاح الآن

بقلم: أليستر كامبل ـ مستشار حكومي سابق
المصدر: ـ اندبندنت عربية ـ المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب