راسم عبيدات*

أكثر من مرة تأجلت زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للمنطقة،والتي كان مقرراً فيها لقائه مع قادة دولة الكيان وقادة المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص،مع لقاء علاقات عامة مع رئيس وقيادة السلطة الفلسطينية لبيعها المزيد من الأوهام،والشد من عضددها،وتقديم مساعدات اقتصادية لها،تمنع من إنهيارها.

وفي مقدمة من سيلتقيهم بايدن في زيارته ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،وعلى رأس جدول اعمال تلك الزيارة،الملف النووي الإيراني،والنفط والطاقة ،فمن الواضج بان العودة للإتفاق مع طهران حول الملف النووي الإيراني،باتت بعيدة المنال،حيث طهران تصر على رفع امريكا للعقوبات التي فرضتها على طهران بشكل كامل،قبل العودة للإتفاق النووي الذي انسحبت منه امريكا بشكل أحادي في عام 2018،وامريكا تقول بأنها لن ترفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة عقوباتها،واعتباره منظمة ” إرهابية” ،ودولة الكيان ترفع من “دوزانها” وتهديداتها وتجري مناورات “مركبات النار” و” وما وراء الأفق” على الأراضي القبرصية واليونانية، تحاكي فيها شن حرب على أكثر من جبهة،بما فيها شن هجوم واسع بالطائرات على المنشأت النووية الإيرانية،وتضغط على واشنطن المثقلة بالمشكلة الأوكرانية،لكي تكون جزء من الحرب او الهجوم على منشأت ايران النووية.

وامريكا تقول بأنها تنسق مع دولة الكيان حول الملف النووي الإيراني والبدائل المتاحة،ولكنها لن تستطيع تحمل تبعات حرب على ايران حالياً،في ظل صراعها مع روسيا والصين،وخاصة بأن المعطيات والوقائع تقول بأنها خسرت حربها العسكرية والإقتصادية ضد روسيا،فالروس حتى اللحظة سيطروا على ما مساحنه 120 ألف كيلو متر مربع من الأراضي الأوكرانية،والعقوبات الإقتصادية التي فرضتها أمريكا وأوروبا الغربية على روسيا،ارتدت سلباً عليهم،حتى في الداخل الأمريكي،فالروبل الروسي يواصل ارتفاعه أمام الدولار الأمريكي،وتأثير تلك العقوبات،عكس نفسه سلباً على اوروبا الغربية، أكثر من روسيا،حيث اسعار النفط والغاز بإرتفاع مستمر،وكذلك المواد الغذائية،وخاصة الحبوب،والنقص في الحبوب قد ينظر بأزمة اقتصادية عالمية، ولذلك وجدت العديد من دول اوروبا نفسها غير قادرة على الإلتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا،وغير قادرة على الإستغناء عن الغاز الروسي،والدفع بالروبل كما تريد ذلك روسيا،مثل المانيا وهنغاريا وبلغاريا وغيرها من الدول الأوروبية.

في حين زيارته للسعودية التي علاقات بايدن مع ولي عهدها محمد بن سلمان،ليست على ما يرام،وأكثر من مرة قال بايدن،بأن السعودية لن تكون اكثر من دولة منبوذة،وهو لن يقايض ملف حقوق الإنسان ومقتل الخاشقجي بالنفط،ولكن الصحيح،انه مستعد كما هو حليفه أردوغان،الذي باع قضية خاشقجي لبن سلمان،مقابل المساهمة في حل أزمة بلاده الإقتصادية التي تعاني من تضخم غير مسبوق وانهيار في اسعار عملتها،وبما يهدد من بقاء اردوغان على العرش التركي،وعدم فوزه في الإنتخابات الرئاسية التركية القادمة.

بايدن مستعد لمقايضة ملف حقوق الإنسان ومقتل الخاشقجي والتمهيد لتولي محمد بن سلمان للعرش السعودي،مقابل موافقة بن سلمان على زيادة ضخ النفط بمعدل مليون برميل يومياً، لتغطية النقص الناتج عن عدم استيراد النفط الروسي…ولكن يبدو بأن روسيا بالإضافة الى الضربات العسكرية والإقتصادية التي وجهتها الى واشنطن،كان هناك ضربة دبلوماسية استباقية،قام بها وزير خارجيتها المخضرم لافروف الى السعودية،حيث التقى قادة مجلس التعاون الخليحي هناك،ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي،وتم التأكيد على الإلتزام بإتفاقية”أوبك بلس” بعدم زيادة كمية النفط المنتجة “،وبدل المليون برميل التي تطالب امريكا بزيادتها،فالزيادة لم تزد عن 200 ألف برميل،بما لا يغطي النقص الناتج عن عدم ضخ النفط والغاز الروسي،والبديل بالسحب من الإحتياطي النفطي الأمريكي الإستراتيجي،مكلف وغير مجدي.

ولذلك وجدنا بان بايدن اجل أكثر من مرة زيارته للمنطقة …وهو يشعر بأن ازمته وخساراته تتعمق داخلياً وخارجياً مع اقتراب الإنتخابات النصفية الأمريكية …حيث الإرتفاع في الأسعار وافلاس المزيد من الشركات ،وتنامي مظاهر الجريمة والعنف والعنصرية والتطرف في المجتمع الأمريكي ….وخارجياً الفشل في منع تبلور تحالف روسي- صيني- ايراني، عسكري واقتصادي كبيرين،تنضم له دول اخرى مثل الهند وباكستان والبرازيل وغيرها من الدول..وتراجع دور ومكانة امريكا عالمياً،وبما يلغي من دور عملتها ” الدولار” كمعادل عام في المعاملات التجارية،وتشكل نظام مالي عالمي جديد .

أمريكا وبايدن ومما يعرف بالدولة العميقة لا يسلمان بالسهولة بالهزيمة والمتغيرات التي تحصل،ولذلك امريكا الجريحة قد تصبح كالثور الهائج تضرب في كل مكان،وتستخدم قواعدها العسكرية المقامة في دول الخليج، والموجودة هناك،ليس من أجل خدمة مصالح الدول المقاومة على أراضيها،بل لكي تبقي على قيادتها منضبطة للسياسات والأهداف الأمريكية،ولكن ما نشهده من حالة تمرد غير مسبوقة من تلك الحكومات على السياسة الأمريكية وعلى التحالفات العميقة بين أمريكا وحكومات تلك المشيخات،وهي التي تمتد لأكثر من 80 عاماً مع الرياض، فها هي حكومات خليجية وحلفاء لواشنطن تقفز من عربة القطار الأمريكي راكضة نحو موسكو، الإمارات والسعودية ومصر،ولذلك في حالة هيجان الثور الأمريكي،قد تكون السعودية مستهدفة من قبل أمريكا،وبايدن يشعر بأن زيارته للمنطقة وبالذات للسعودية لن تحقق النتائج المرجوة،وخاصة في ظل الضربة الدبلوماسية الإستباقية التي وجهتها روسيا لأمريكا،في زيارة وزير خارجيتها لافروف للسعودية،والإتفاق على الإلتزام بإتفاقية ” أوبك بلس”،بعدم زيادة الإنتاج النفطي، وسد النقص الناتج عن عدم ضخ النفط الروس،والتطورات القادمة ستجيب عن هذا السؤال.

* المصدر :موقع إضاءات الإخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع