السياسية:

أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي أنها تسعى لتبسيط عملية تجميد الأصول الروسية ومصادرتها، وأن الإجراءات والقوانين الأوروبية سوف تعدّل، بحيث تستطيع دول أوروبا مصادرة الأصول الروسية واستخدامها، وليس فقط تجميدها.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين دعت الاتحاد الأوروبي إلى تعديل قوانينه، ليس لمصادرة أصول الأوليغارشية الروسية وأموالها فحسب، ولكن مصادرة أصول البنك المركزي الروسي وأصول الدولة الروسية أيضاً، للمساعدة في إعادة بناء أوكرانيا ما بعد الحرب.

بالفعل، قام الاتحاد الأوروبي بتجميد أصول بقيمة 23 مليار يورو للبنك المركزي الروسي، ويتم البحث الآن في كيفية مصادرتها ومصادرة الأصول الخاصة ببيع الغاز الروسي لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا.

قانونياً، حتى لو بدّل الاتحاد الأوروبي قوانينه الداخلية للسطو على الأصول الروسية المجمدة، إلا أن القانون الدولي يحظر هذا الإجراء، وهناك سوابق قانونية دولية وحكم قضائي بهذا الأمر صادر عن محكمة العدل الدولية.

عام 2008، قدمت ألمانيا شكوى ضد إيطاليا أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، تدّعي فيها على إيطاليا التي سمحت لمواطنين إيطاليين ويونانيين بالتقدم بشكاوى أمام محاكمها للحصول على تعويض بسبب الارتكابات النازية بحقهم خلال حكم هتلر.

بالفعل، كانت المحاكم الإيطالية قد أقرّت مصادرة بعض الأصول الألمانية، لتعويض مدني إيطالي أُرسل إلى معسكر عمل ألماني في عام 1944. وادعت ألمانيا أن المحاكم الإيطالية فشلت في احترام الحصانة القضائية التي تحق لها بموجب القانون الدولي، وأنها كدولة ذات سيادة تتمتع بالحصانة في المحاكم الإيطالية.

بعد 4 سنوات من المداولات، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها عام 2012، معتبرة أن إيطاليا انتهكت بالفعل التزامها باحترام حصانة ألمانيا بموجب القانون الدولي، من خلال السماح برفع دعاوى مدنية تسعى إلى تعويضات عن جرائم الحرب النازية في المحاكم الإيطالية.

وجاء في الحكم الصادر عن المحكمة:

– “لقد انتهكت الجمهورية الإيطالية التزامها احترام الحصانة التي تتمتع بها جمهورية ألمانيا الاتحادية بموجب القانون الدولي، من خلال السماح برفع دعاوى مدنية ضدها على أساس انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبها الرايخ الألماني بين عامي 1943 و1945”.

– انتهكت إيطاليا أيضاً حصانة ألمانيا من خلال اتخاذ تدابير جبرية ضد فيلا فيغوني، ومصادرة ممتلكات الدولة الألمانية الواقعة في الأراضي الإيطالية.

– انتهكت إيطاليا حصانة ألمانيا من خلال إعلان قرارات المحاكم المدنية اليونانية الواجبة التنفيذ في إيطاليا على أساس انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها ألمانيا النازية في اليونان.

– على الجمهورية الإيطالية، من خلال سنّ التشريعات المناسبة أو عن طريق اللجوء إلى طرق أخرى تختارها، أن تضمن عدم سريان مفعول قرارات محاكمها وقرارات السلطات القضائية الأخرى التي تنتهك الحصانة التي تتمتع بها جمهورية ألمانيا الاتحادية بموجب القانون الدولي، وعلى إيطاليا ضمان أن “تتوقف عن العمل” كل قرارات محاكمها وقرارات السلطات القضائية الأخرى التي تنتهك حصانة ألمانيا (يمكن الاطلاع على حكم محكمة العدل الدولية).

إذاً، على الرغم من الشعبوية السائدة في أوروبا، وعلى الرغم من أن المسؤولين الأوروبيين اليوم يحاولون تخطي كل معايير القانون الأوروبي السائدة، فإنَّ مبدأ المصادرة وعدم احترام حصانة روسيا وأصولها السيادية كردٍ على قيام روسيا بانتهاك القانون الدولي لا يمكن أن يمر في القانون الدولي. ولروسيا أن ترفع دعاوى على الدول الأوروبية المساهمة في هذه التصرفات، فتستعيد أصولها المصادرة أو المجمدة، حتى لو بعد حين.

هذا في القانون. أما في السياسة، فإن قيام الروس بالردّ بالمثل ومصادرة أصول الشركات الأوروبية والغربية العاملة سابقاً في روسيا سيكبّدان تلك الشركات خسائر كبرى قد توازي خسائر “الأوليغارشيا” الروسية.

في النتيجة، بدا أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وفي ثاني أزمة حقيقية تواجهه بعد أزمة كورونا، اندفعوا إلى ضرب كل شعارات حكم القانون والشفافية والحفاظ على البيئة والمناخ بعرض الحائط، فاندفعوا إلى القرصنة، والعودة إلى استخدام الفحم بعد عقود طويلة من سياسات البيئة وإجراءاتها وتطبيق الاتفاقيات والتعهد بالتخفيف من التلوث والانبعاثات، وذلك للذهاب إلى حظر الغاز الروسي!

وقد يكون من المفيد لمن يحكمون الاتحاد الاوروبي اليوم العودة إلى التاريخ، وخصوصاً التاريخ الأوروبي، للاستفادة منه، وأهمها الخلاصة التي توصل إليها السياسي الألماني الشهير أوتو فون بسمارك، الذي نصح الدول الأوروبية بكيفية التعامل مع الروس بالقول: “لا تتوقع أنك بمجرد استفادتك من ضعف روسيا المرحلي، ستحصل على أرباح إلى الأبد. لقد أتى الروس دائماً من أجل أموالهم. وعندما يأتون، لا تعتمد على اتفاقية موقعة من قبلك، وتبرر نفسك عبرها. هذه الاتفاقيات لا تستحق الورق الذي كُتبت عليه. لذلك، مع الروس، إما أن تلعب لعباً نزيهاً وإما أن لا تلعب”.

قد تعكس هذه العبارات التاريخية لبسمارك رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغاضبة على مصادرة أموال الروس بقوله: “لن تنتهي سرقة أموال الآخرين بشكل جيد”.
بقلم : ليلى نقولا
المصدر: الميادين نت ـ المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر الكاتب