الهدنة ومناورات العدوان خلال شهرين
السياسية : أنس القاضي
كانت الهدنة موقفاً اضطرارياً في مسار العدوان التي تحطمت قوائمه طوال سبعة اعوام، وتحولت اليمن من موقف الدفاع إلى الهجوم وعمليات الردع، فهي شكل من أشكال الهزيمة غير المُعترف بها، ومساعي سياسية لتجنب تحمل تداعيات إعلان الهزيمة العسكرية، وأثبتت التجربة أن تحالف العدوان غير جاد في تحويل الهدنة إلى سلام عادل.
يعتقد الباحث الباحث آنيل شلين من مجلة معهد الحكم الرشيد الأمريكي أنه إذا كان السعوديون يبحثون عن طريقة لحفظ ماء الوجه لإنهاء حربهم “ضد الحوثيين” فقد تكون الهدنة هي الحل، عقب الهجوم الناجح على أرامكو أعلن الحوثيون وقف إطلاق النار من جانب واحد ولاحقاً رد السعوديون بإعلان وقف إطلاق النار، ويرى آنيل أن السعوديين والاماراتيين خلصوا إلى أن حتى مع وجود أنظمة باتريوت فإن الخطر على اقتصادهم كبير للغاية.
ارتبطت الهدنة بخطوات تمهيديه أبرزها إزاحة السعودية لعلي محسن الأحمروهادي من السُلطة، ومحاولة توحيد القوى العميلة الفاعلة على الأرض فيما سُمي بمجلس القيادة الرئاسي.
من حيث طبيعتها فالهدنة تفتقر الإلزامية والضمانة فهي توافقات مبدئية لا اتفاقيات ثنائية، وبهذه الطريقة تتعامل السعودية مع الهدنة وتبرر خروقاتها، إذ لا تريد أن توقع اتفاق هدنة ملزم بدون ضمان استمرار مشاريعها وضمان ما تعتقد أنه مصالحها، فالسعودية تؤجل الحديث عن القضايا الجادة التي تهمها إلى وقت لاحق وكل خطوة ستقدم عليها تجاه السلام تريد مقابلها وخاصة من قبل صنعاء، فموافقتها على الهدنة لا يعني وصولها لقناعة أن السلام يجب أن يحل في اليمن فبقدر ما شعرت بضرورة الهدنة لتجنب العمليات الرادعة فهي تريد توحيد مرتزقتها وكسب مزيد من الوقت للتفاوض مستقبلاً حول القضايا الخاصة، كما أنها تريد ربط ذلك بالملف الإيراني كجزء من تسوية إقليمية تضمن فيها أمنها، و”حقها” في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
مسار الهدنة خلال شهرين لم يمضي كما يُفترض، فقد تم إعاقة أهم بنوده وهي فتح مطار صنعاء ، فحتى اليوم انطلقت 4 رحلات إلى الأردن من 16 رحلة مفترضة، فيما لم تنطلق الرحلات إلى القاهرة كما كان مفترضاً، وفي سياق دخول شحنات النفط إلى ميناء الحديدة فقد تعمد تحالف العدوان أن يفرض حالة الحصار، فهو إذ يسمح بدخول سفينة مشتقات نفطية يحتجر أخرى،أي ان حركة السفن لا تصل إلى ميناء الحديدة مباشرة، بل إلى ميناء جيزان حيث الاحتجاز ثم الحديدة، وهو ما يعني أن الحصار لازال مستمراً.
وفي ملف فتح المعابر، يُصر وفد الحكومة العميلة على فتح معبر الحوبان فقط، فيما يرفض أن يكون هناك حلاً شاملاً لكافة المنافذ في اليمن، بما فيها طرق تعز عدن ، تعز صنعاء ، تعز الحديدة ، الضالع صنعاء إب وغيرها.
وفيما يتعلق بملف الأسرى الذي هو ملف إنساني بالدرجةالأولى فقد رفض تحالف العدوان حتى اليوم المضي في هذا المسار الإنساني، ولم يرفع بكشوفاته عن أسراه على قاعدة تبادل الكل مقابل الكل، وكما يبدو فإن تحالف العدوان يحتفظ بهذا الملف الإنساني للضغط السياسي كما يستثمر بالمعاناة في تعز، حيث حولها إلى ورقة ضغط سياسية.
محطات في طريق الهدنة:
في 29 مارس الماضي التقى الوفد الوطني بالمبعوث الأممي في مسقط، لاستكمال النقاشات حول مقترح الهدنة الإنسانية والعسكرية برعاية الأمم المتحدة، كما صرح رئيس الوفد الوطني.
وفي نفس اليوم انعقدت الجولة الثانية من مشاورات المرتزقة في الرياض، وكان من الملاحظ غياب هادي ومحسن وحضور قوى لمنافسيهم كالانتقالي وطارق عفاش.
في ليلة 30 مارس 2022م أعلن تحالف العدوان وقف العمليات العسكرية في الداخل اليمني “تهيئة لجهود السلام”، دون رفع الحصار، ومساء هذا اليوم انتهت مبادرة الرئيس المشاط التي أطلقها في ذكرى اليوم الوطني للصمود 26 مارس 2022م وقد أكد المجلس السياسي الأعلى أنه لا سلام بدون رفع الحصار.
يومها رحبت الأمم المتحدة، بـ”الإعلانات التي صدرت من قبل التحالف بقيادة السعودية وأنصار الله بوقف العمليات العسكرية مؤقتًا في اليمن”، فيما قال المبعوث الأممي إنه على مدار أكثر من شهرين، كان على تواصل مع الأطراف للوصول إلى هدنة مع بداية شهر رمضان، وهناك تقدما في هذا الصدد يتضمن مقترح الهدنة تخفيف حدة أزمة الوقود وتيسير حرية الحركة والتنقل.
في 12 إبريل الماضي التقى الرئيس المشاط بالمبعوث الأممي ، وفي اللقاء طالب المشاط المبعوث الأممي أن يعمل على سرعة فتح مطار صنعاء الدولي وموانئ الحديدة ورفع الحصار، وفي لقاء المبعوث مع اللجنة الاقتصادية تم مناقشة إنهاء قضية الانقسام بين بنك صنعاء وعدن وصرف مرتبات الموظفين المنقطعة منذ سبتمبر 2016.
وفي لقاء المبعوث مع لجنة الأسرى جددت اللجنة استعدادها لتنفيذ اتفاق تبادل كلي للأسرى.
في 13 إبريل اختتم المبعوث الأممي زيارته إلى صنعاء ، وكان قد التقى فيها بقيادة الدولة ومكتب الأمم المتحدة، تناولت الجوانب العسكرية والاقتصادية والانسانية بما فيها مطار صنعاء وميناء الحديدة وفتح معابر تعز.
ونقل الاعلام المعادي عن هذه الزيارة تكهنات وبعضها معلومات معلنة اعتبرها من مصادر خاصة، وسعى إعلام العدوان إلى توجييها سياسياً بما يوحي أن السلطة الوطنية في صنعاء تطرح مطالب تعجيزية أو مصالح فئوية خاصة لأنصار الله. وبالتزامن مع وجود المبعوث الأممي في صنعاء، بعثت جهات تابعة للإخوان رسائل إلى المبعوث الأممي للضغط على صنعاء في ملفات “خرائط الألغام”، “المعتقلين”، حد تعبيرهم.
وفي سياق متصل أصدر مجلس الأمن بياناً أشاد فيه بتشكيل ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي في الرياض، وحث السلطة الوطنية في صنعاء على التعاون مع جهود المبعوث الأممي في نجاح الهدنة.
في 14 إبريل قال المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ في إحاطته إلى مجلس الأمن إن الهدنة صامدة إلى حد كبير إلا أن التقارير المتواترة حول عمليات عسكرية خاصة حول مأرب مقلقة ويجب معالجتها بشكل عاجل وفق الآليات التي أسستها الهدنة.
وأضاف: أود أن أذكِّر الأطراف بأنَّ المبدأ الأساسي للهدنة يتمثل في ضرورة استغلال المهلة التي تمنحها لإحراز التقدم نحو إنهاء الحرب، وليس لتصعيدها. وأشار إلى أنه منذ بدء الهدنة، انخفض العنف وعدد الضحايا المدنيين إلى حد كبير ولم تحدث ضربات جوية مؤكدة داخل اليمن ولا عبر حدوده من داخل اليمن إلى دول المنطقة.
ولفت إلى أن الهدنة ما زالت هشة ومؤقتة، مشددًا على ضرورة العمل بشكل جماعي ومكثف للحيلولة دون انهيارها.
وأخبر المجلس أن عددًا من السفن دخل موانئ الحديدة مما كان له أثر إيجابي في حياة المدنيين ، مشيراً إلى أنَّ الوصول إلى اتفاق لفتح طرق في تعز هو أولوية.
كما أخبر المجلس أنه سيعمل مع الأطراف للبناء على عناصر الهدنة سعيًا لإدامتها، وكجزء من العملية متعددة المسارات.
واختتم إحاطته للمجلس بالإشارة إلى أن الأسابيع القادمة ستختبر التزامات الأطراف ، مؤكدًا أنه قد حان الوقت الآن لبناء الثقة، وليس ذلك بالأمر السهل بعد سبع سنوات من النزاع.
في 23 إبريل زار وفد من سلطنة عمان صنعاء للقاء القيادة السياسية ضمن موضوع الهدنة المعلنة والسعي نحو ايجاد حل شامل، الزيارة العمانية تعطي إشارة إيجابية إلا أن أقصى ما يستطيع وفد السلطنة عمله هو نقل الرسائل فيما الإرادة الحقيقية للحل في يد الرياض وصنعاء، وحتى الآن لم يظهر العدو جدية في الهدنة فلازالت القرصنة مستمرة وكذلك إغلاق مطار صنعاء، كما أن الخطاب الإعلامي للعدوان استمر في لهجته العدائية، وليس آخرها الحديث عن ضبط أسلحة في منفذ شحن، بالتزامن مع الزيارة العمانية.
من جانب آخر جدد المجلس العميل -حينها- التزامه بالهدنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، ولكن واقعيا لم يلتزم بها إذ لايزال يصر على رفض جوازات صنعاء الأمر الذي يعرقل انطلاق أول رحلة من مطار صنعاء الدولي.
ومن المجريات يتبين أن تحالف العدوان لا زال-حتى اليوم- متمسك باستراتيجية التفاوض وصنعاء تحت الضغط، وعدم فصل الملف الإنساني عن الملف العسكري.
في 24 إبريل أعاق المرتزقة تنفيذ بند الهدنة المتعلق بفتح مطار صنعاء في رحلة أولية إلى الأردن، تحججوا برفض الجوازات الصادرة عن المؤسسات الحكومية في صنعاء، ثم تنازلوا لاحقاً عن ذلك بضغط أمريكي حين كادت الهدنة تسقط.
في 28 إبريل أكد المبعوث الأممي أن الأطراف لا تزال متمسكة بالهدنة، ومواصلته الدفع نحو فتح معابر تعز ومحافظات أخرى دون الإشارة إلى مطار صنعاء الدولي.
من جانبه أشاد وزير الخارجية الأمريكية بالتعاون العُماني في سبيل حل أزمات المنطقة، فيما تحدثت مصادر أخرى أن الوسطاء الإقليميين والأمم المتحدة حصلوا على موافقة أولية من طرفي الحرب بتمديد الهدنة التي يفترض أن تنتهي بداية الشهر المقبل ، مشيرا إلى ما اسماه بمواصلة الأطراف النقاش حول جوازات السفر الصادرة من صنعاء.
في سياق متصل اختتم رئيس البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة، مايكل بيري، زيارة إلى السعودية والأردن استمرت أسبوعًا.
ورأت المصادر الأجنبية ان المملكة السعودية تستخدم فترة الهدنة لمحاولة إعادة تشكيل تدخلها العسكري أو على الأقل لإعطاء الانطباع بأنها تفعل ذلك، بعد نفاذ خياراتها في مواجهة الجيش واللجان الشعبية.
وحد قولهم يريد السعوديون الآن التمسك بالنهج الأمني والتركيز على الدفاع عن حدودهم وعدم الاهتمام بالاعتبارات الأيديولوجية لجذب صنعاء إلى طاولة المفاوضات.
في 10 مايو الجاري وصل المبعوث الأممي إلى محافظة عدن، من أجل صيانة الهدنة التي تكاد تنقضي مدتها الزمنية دون تطبيق بنودها، وشدد المبعوث على التنفيذ الكامل للهدنة دون انتقائية، فيما تحدثت مصادر عن وجود توافق بين صنعاء وعدن على تمديد الهدنة، وتشير كثير من المصادر إلى أن الإشكالية هي في مكان إصدار جوازات السفر.
فيما يعتقد المبعوث الأمريكي أنه أمام اليمن فرصة مثالية لأول مرة لتحقيق السلام”، منذ اندلاع النزاع عام 2014م. ورغم ذلك فقد تمسك المبعوث الأمريكي بدعم الحكومة العميلة والحديث عن التدخلات الإيرانية المزعومة.
في 12 مايو اختتم المبعوث الأممي زيارة عدن استمرت يومين، التقى خلالها برئيس مجلس الخيانة ورئيس الحكومة العميلة وطارق عفاش، وفي هذا السياق جرت اتصالات بين رئيس الحكومة العميلة والمبعوث الأممي، وكذلك تعليقات من قبل السفير الأمريكي السابق.
ومن الجو العام يُمكن القول أن المبعوث الأممي لم يكن سوى وسيطاً ونائباً للمبعوث الأمريكي في هذا الشأن، حيث تظهر التصريحات الأمريكية أنهم صاحب الفصل في المسألة.
في 16 مايو انطلقت أول رحلة من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن، رحب بها المبعوث الأممي، والاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة، والمتحدثة باسم مجلس الأمن.
في 21 مايو التقى نائب وزير الدفاع السعودي بالمبعوث الأمريكي في واشنطن، لبحث مستجدات الهدنة في اليمن، وإن كان ظاهر الحديث عن السلام ودعم الهدنة وفتح معابر تعز وغيرها، إلا أن الزيارة لم تخلوا من جانب عسكري عدواني سواء عقب الهدنة، أو تعزيزاً للوجود العسكري البحري المعادي.
وفي مسار الهدنة استمر حديث المرتزقة عما يعتبرونه رفضاً لفتح معابر تعز، والمطالبة بتسديد المرتبات من إيرادات الحديدة، وهما آخر الملفات التي يجد المرتزقة نافذة عبرهما للطعن في توجهات صنعاء الصادقة نحو السلام.
من جهته قال رئيس فريق الخونة المفاوض لفتح طرقات تعز إن قرار رفع الحصار عن المحافظة “مرتبط رأسا بزعيم الجماعة” من أجل قطع الطريق أمام المفاوضات.
في 22 مايو حظي خطاب الرئيس مهدي المشاط، بتداول إعلامي معادي، لتزامن عيد الوحدة مع التحركات السياسية، وحاولت الجهات الإعلامية المعادية إعادة تأويله بما يُفهم منه أنه تعنت وإضافة المزيد من الشروط، إلا أن تصريح الرئيس الصريح حرفياً بأن صنعاء ليست ضد استمرار الهدنة، هذه الجزئية من الخطاب فرضت نفسها في التغطية الإعلامية ولم يستطع الإعلام المعادي تجاوزها.
في 26 مايو بدأت أولى جولات المفاوضات بين وفد صنعاء ووفد عدن العميل، فيما يتعلق بالمنافذ، المغلقة، وحسب تصريح المبعوث الأممي فإن فتح الطرق في تعز وغيرها من المناطق عنصراً جوهرياً من الهدنة.
حديث المبعوث عن المنافذ بصيغة الجمع أمر إيجابي يتوافق مع خطاب الوفد، فيما قال رئيس الوفد العميل أنه لا خيار سوى فتح طرق محافظة تعز على اعتبار أن الحكومة العميلة نفذت كل شروط ومطالب صنعاء، مُبدياً في ذات الوقت تفاؤله في استجابة أنصارالله ورفع ما اسماه الحصار عن تعزوتستمر التظاهرات في مدينة تعز المطالبة فتح المعابر.
فيما حث المبعوث الأمريكي صنعاء وحكومة المرتزقة على الانخراط بشكل بناء في اجتماعات الأمم المتحدة لفتح الطرق نحو تعز، وفي سياق متصل بالهدنة تجري استعداد لانطلاق أولى الرحلات من مطار صنعاء الدولي إلى القاهرة.
خلاصة:
من الملاحظ أن تحالف العدوان ومرتزقة يتعاملون مع الهدنة بطابع مزدوج، فمن جهة يريدون الهدنة ، فهي احتياج موضوعي لعجزهم عن الاستمرار في الحرب العسكرية ووصول السعودية والإمارات إلى قناعة بأنهم في خطر حتى مع وجود الباتريوت الأمريكي، ومن جهة ثانية فلا يريد العدوان والمرتزقة التأكيد على حقائق الواقع والخضوع للسلام العادل ويجدون في الهدنة فرصة للتهرب من الالتزامات وتعليق الوضع في اليمن بين اللاحرب واللاسلم .
من المحتمل أن يتم تجديد الهدنة فالمسار العام الدولي يمضي بهذا الاتجاه، إلا أن الحكومة الوطنية في صنعاء تصر على أنه لا يمكن القبول بتمديد الهدنة على شاكلتها الراهنة، ولابد من التعديل فيها وتطويرها، والانطلاق منها نحو حل سياسي للأزمة اليمنية باعتبارها محطة ليست القيمة في ذاتها بل في البناء عليها لحل الأزمة في اليمن وهو ما يتهرب منه تحالف العدوان.