إردوغان يتوعّد الخصوم والمعارضة تتخوف من حرب أهلية
أوساط المعارضة التركية تتحدث عن معسكرات سرية للتدريب وسط الأناضول تابعة لشركة SADAT.
حسني محلي*
يشهد الشارع التركي، سياسياً وإعلامياً وشعبياً، منذ أسبوعين ونيف، نقاشاً مثيراً، إن لم نقل مخيفاً ومروِّعاً نسبياً، فلقد خصّص زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، معظم أحاديثه الأخيرة للميليشيات المسلحة التي قال عنها “إن إردوغان استخدمها ويستخدمها في مهمات خطيرة، داخلياُ وخارجياً”. الميليشيات، التي تحدّث عنها كليجدار أوغلو، يقصد بها تلك التي تتبنّاها شركة سادات للخدمات الاستشارية في مجال الدفاع (SADAT)، والتي أسسها ويمتلكها الجنرال المتقاعد عدنان تانري وردي (راجع مقالي بعنوان: بلاك ووتر.. بنكهة تركية وإسلامية، الـ١٨ من كانون الثاني/يناير 2021)، والذي شغل في الفترة آب/أغسطس 2016 – كانون الثاني/يناير 2020 منصبَ كبيرِ مستشاري الرئيس إردوغان للشؤون الأمنية والعسكرية.
كليجدار أوغلو، الذي عقد منذ أيام مؤتمراً صحافياً أمام مقر الشركة المذكورة ولم يُسمح له بدخولها، عبّر عن قلقه من نشاط هذه الشركة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بما في ذلك احتمالات أن يستفيد إردوغان من ميليشيات هذه الشركة في مهمات خطيرة داخل تركيا في حال هزيمته في الانتخابات المقبلة. هذا القلق أشارت إليه زعيمة الحزب الجديد مارال أكشانار، التي تحدثت عن معسكرات سرية للتدريب في مدن متعددة وسط الأناضول تابعة للشركة المذكورة. ولم يتردد كليجدار أوغلو في الحديث عن تفاصيل دقيقة وأنشطة خطيرة للشركة المذكورة، التي قال صاحبها تانري وردي إن “هدفها هو التخلص من الجمهورية التركية العلمانية، وإقامة كونفدرالية إسلامية تضم، إلى جانب تركيا الحالية، دولاً إسلامية أخرى في المنطقة، من دون تحديد أسمائها. والمهم أن تؤمن هذه الدول بمسار الرئيس إردوغان وعقيدته”.
ومع استمرار الحديث، سياسياً وإعلامياً وشعبياً، والنقاش الحادّ بشأن أهداف هذه الشركة ومخططاتها ومشاريعها، داخل تركيا وخارجها، وصف الأميرال المتقاعد، توركار أرتورك، نشاطها بـ”الخطير جداً”، متوقعاً لها أن تقوم بأدوار خطيرة عشية الانتخابات المقبلة أو خلالها أو بعدها، في حال هزيمة إردوغان. أرتورك، الذي تحدث عن “أنشطة الشركة الخطيرة في سوريا وليبيا والصومال”، قال إنها “تقوم بعمليات تدريب للمسلحين على كل أنواع العمل المسلّح، بما في ذلك التفجيرات والكمائن والاغتيالات وحرب العصابات وعمليات التفجير وكل الأعمال الإرهابية، بما فيها الحرب الأهلية”.
ولم يُخفِ أرتورك قلقه من احتمالات أن يكون لهذه الشركة “علاقة مباشرة بنقل مئات الآلاف من المواطنين الأفغان من الحدود الإيرانية إلى تركيا، وهم جميعاً من الشبّان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً”. وقال: “قد تفكّر الشركة في الاستفادة من هؤلاء الشبّان في مهمات خطيرة داخل تركيا وخارجها، بعد تدريبهم على كل أنواع القتال والأعمال الإرهابية”.
أمّا الأكاديمي المتخصّص بالشؤون الاستراتيجية، آرول مترجملار، فعبّر هو الآخر عن قلقه من احتمالات أن يستفيد إردوغان من هذه الميليشيات “التي تقوم شركة سادات بتدريبها وتسليحها”، وقال إن “الأهم من كل ذلك هو أن لهذه الشركة علاقات وطيدة بجميع الفصائل المسلَّحة في سوريا وليبيا ودول المنطقة الأخرى، وهي التي قامت بنقل الأسلحة والمعدات القتالية إليها، بعد أن اشترتها من الدول الأجنبية، ومنها صربيا والمجر وأوكرانيا ودول أخرى، بعيداً عن أيّ رقابة من السلطات التركية، علما بأن الدستور التركي يمنع أيّ جهة كانت من القيام بأيّ عمل تخريبي ضد أي دولة مجاورة”.
وحمّل الصحافي جنكيز إردينج الرئيس إردوغان “مسؤولية الأزمة السورية منذ بدايتها”، وقال “إن شركة سادات أدّت دوراً مهماً في مجمل التحركات العسكرية داخل سوريا، بما في ذلك تدريب مسلَّحي الفصائل المسلحة السورية، بدءاً بالجيش الحر، إلى فرقة السلطان مراد، ومعظم أفرادها من التركمان، ولواء السلطان عبد الحميد، وغيرها”.
وعدّ الجنرال المتقاعد، خلدون صولماز تورك، أنشطة الشركة المذكورة “خطراً على تركيا والمنطقة، بصورة عامة”. وقال “إن هذه الميليشيات، عبر علاقاتها الخفية والخطيرة، في سوريا والعراق وليبيا، لن تتردد في تفجير الوضع الأمني داخل تركيا، وذلك مع استمرار الوضع المعقَّد في سوريا، وخصوصاً في إدلب، حيث جبهة “النصرة”، في فصائلها الإرهابية المتعددة، وهي جميعاً تحت حماية الجيش التركي، ولمنع الجيش السوري من تحرير هذه المدينة”. ويدفع كل ذلك البعض إلى الحديث عن احتمالات “الاستفادة من هؤلاء الإرهابيّين في الداخل التركي ضد معارضي إردوغان”.
وهو الحديث الذي يُردِّده عدد من الأوساط السياسية والإعلامية، التي تقول إن “إردوغان لن يسمح بإجراء الانتخابات في حزيران/يونيو من العام المقبل، إلّا بعد ضمان نتائجها، وإلّا فسوف يؤجّلها لأسباب أمنية داخلية أو خارجية، وسوف يستفيد من شركة سادات في هذا المجال”. كما لا يُخفي بعض هذه الأوساط قلقه من احتمالات “أن يلجأ إردوغان إلى الميليشيات المسلَّحة من أجل ترهيب الشعب التركي، ومنعه من الخروج إلى الشوارع، في حال تزوير نتائج الانتخابات، وإعلانه فائزاً فيها، بقرار من المفوضية العليا للانتخابات، وهي أعلى سلطة في هذا المجال، ولا اعتراض على قراراتها”.
كما سبق لأوساط أخرى أن تحدثت عن احتمالات الاستفادة من مسلّحي هذه الفصائل في حال حدوث أي مواجهات شاملة مع مسلحي حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، أو في الشمال السوري، حيث تسيطر القوات التركية على شريط حدودي سوري مع تركيا، طوله مئة كيلومتر، ويمتد من رأس العين إلى تل أبيض، بدعم من مسلحي ما يسمى “الجيش الوطني السوري” المعارض، وتم تشكيله في أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
بعد حملة المعارضة هذه أراد إردوغان أن يدافع عن نفسه، فزاد في الطين بلة، بحيث قال “إنه ليس له أيّ علاقة بشركة سادات”، ناسياً أن مالك هذه المؤسسة كان مستشاراً شخصياً له في القصر لمدة ثلاثة أعوام وأربعة أشهر. ونشرت المعارضة عدداً من الصور التي يظهر فيها مالك الشركة إلى جانب إردوغان في اجتماعات أمنية وعسكرية في القصر الرئاسي. خلاصة الكلام أن المعارضة تتّهم الشركة بـ”القيام بأعمال خطيرة تخدم مشاريع الرئيس إردوغان ومخططاته في سوريا وليبيا والصومال والعراق وسائر دول المنطقة، منذ ما يسمى الربيع العربي، الذي جعل تركيا عنصراً مهماً في مجمل المعادلات الإقليمية والدولية”. وبات واضحاً أن للشركة المذكورة الفضلَ في بعض هذه النجاحات، إن لم نقل كلها، وذلك بالتنسيق مع أجهزة الدولة التركية الأخرى، و”بتعليمات مباشرة من الرئيس إردوغان”، على حدّ قول نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أنكين أوزكوج.
* المصدر :الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع