السياسية :

من يتابع الجهود التي قام بها وليد البخاري، السفير السعودي في لبنان خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت الانتخابات النيابية، يمكنه أن يلاحظ بما لا يدع مجالاً للشك المخطط السعودي في لبنان، وهو تشكيل تكتل مسيحي ضخم برئاسة جعجع في مقابل تحجيم تكتل التيار الوطني الحر بقيادة الوزير جبران باسيل، وأيضاً تقليب بيئة المقاومة في الجنوب والبقاع من خلال دعم شخصيات شيعية طرحت نفسها كبديل عن الثنائي الشيعي.

المال السعودي للكتلة الجديدة كان غير محمدود، ثمة معلومات تشير إلى أن الرياض منحت جعجع مبلغ 2000 دولار أميركي لكل مقترع، فضلاً عن دعم إعلامي هائل من قبل وسائل إعلام محليّة وخليجية وعالمية، فتحت الهواء طيلة الوقت للتحريض ضد المقاومة ورموزها وحلفائها، إذ كان الهدف واضح، هو الإطاحة بالأكترية النيابية التي حصلت عليها المقاومة وحلفائها خلال انتخابات لبنان الماضية عام 2018.

لكن ما حصل، إنه رغم الدّعم والتمويل الذي قدّمته “السعودية” وتوجيهها لمرشّحيها فشلت في إيصال معظمهم إلى المجلس النيابي. والسّبب يعود إلى جملة من العوامل أبرزها مقاطعة جمهور المستقبل للانتخابات النيابيّة، وثبات البيئة الشيعية على خيار المقاومة في رد على تحجيم حزب الله وحلفائه، فضلاً عن خسارة فؤاد السّنيورة، وسقوط جوزيف اسحاق، مرشّح القوّات في بشرّي. بالإضافة إلى خسارة جورج شهوان المقعد الماروني في بيروت الأولى. فيما كاد المرشّح القوّاتي روزي الحاج يخسر مقعده في المتن، والمرشّح جورج عدوان يخسر مقعده في الشوف.

كذلك خسر مرشّح القوات أسعد فارس بولس عن المقعد الأورثودوكسي في الكورة، إلى جانب سقوط المرشح القواتي في دائرة الشمال الثالثة. وفي عكار خسرت القوات مقعد نائبها وهبي قاديشا، إذ تصدّى لها الشّارع السّني بسبب غدرها برئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

في تعليق له على نتائج الانتخابات البرلمانية، بيّن الباحث السياسي علي مراد أنه من خلال الأرقام التي سُجّلت في بيروت وفي صيدا، ثبت أن المقاطعة التي دعا لها الحريري نجحت بنسبة كبيرة، لأن اللائحة التي رشّحها السنيورة بدعم سعودي فشلت في إيصال أي نائب سني للبرلمان، باستثناء مرشّح درزي يدور في فلك وليد جنبلاط، وهي فضيحة، للسنيورة الذي كان يحاول تقديم نفسه للزعامة السنية كبديل عن الحريري.

في المقابل فاز خصوم هذا التيار تاريخياً، في صيدا ليخسر تيار المستقبل مقاعده فيها. أما عن الدّعم السّعودي لجعجع، أكّد الباحث أن ما كان قد وعد به سمير جعجع من قبل وليد البخاري، هو أن يأتوا له بحوال خمس نواب من أصوات السنة، لكن ما حصل هو أنه اليوم هناك هزيمة مدويّة “للسعودية” في بيروت، وفي صيدا إذ إن المدينتان من أصل ثلاث مدن سنية كبيرة في لبنان.

نشر البخاري آية قرآنيّة للاحتفاء بانتصار سمير جعجع والذي دام لأربع وعشرين ساعة فقط، يعكس حساباتهم الخاطئة، بحسب مراد، فالواضح أن جعجع كان يرسل للرياض خلال الأشهر الماضية أنه سيشكل أكبر كتلة مسيحية وأنه سيهزم جبران باسيل، أي بجعل كتلته تتقلّص من 24 نائباً إلى 12.

هذا الاستعجال في إعلان الانتصار يدحض كل الادعاءات التي صدرت عن أبواق النظام السعودي التي قالت إن عودة البخاري إلى لبنان قبل الانتخابات بشهر لا علاقة لها بالانتخابات. وبالتالي، كل المشكل الذي افتعلته الرياض في العام الماضي مع وزير الإعلام السابق جورج قرداحي لم يكن سببه سوى عودة السفير السعودي لكي يعمل على تكبير سمير جعجع والقوى المنضوية في تكتله، ثم القول بأنه بات للرياض الأكثرية في المجلس النيابي اللبناني بعد إطاحتها بحزب الله والتيار الوطني وهو ما يجعلها تستخدم هذه الورقة بالتفاوض الإقليمي.

لكن مع سقوط هذا الرهان، سقطت ورقة كبيرة من يد الرياض كانت ترغب في استخدام في التفاوض مع إيران. الجدير بالذكر أن الماكينة الانتخابيّة للقوات اللبنانية نشرت عقب انتهاء الانتخابات نتائج ضلّلت الرأي العام بتضخيم حجم الكتلة التي نالتها في المقابل تحجيم تكتل التيار الوطني الحر، للقول إن جعجع أصبح الرئيس الأول مسيحيّاً، وهو ما أطاحت به النتائج الرسمية التي صدرت بعد ساعات عن وزارة الداخلية، والتي بيّنت الحجم الطبيعي للقوات والذي لا يزال على ما كان عليها في انتخابات 2018، وكذلك الأمر بالنسبة لتيار جبران باسيل.

عقب إعلان جعجع للنتائج المضللة نشر السفير السعودي في لبنان تغريدة للآية القرآنية التالية: “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا: ❞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم ❝”.

في تغريدة أخرى أثبت تدخّله السافر في الانتخابات اللبنانية خلافاً لما كانت تنفيه الرياض قبل الانتخابات، وكتب: “إنَّ نتائجَ الإنتخاباتِ النيابيّةِ اللُّبنانية تؤكّدُ حتميّةَ تَغليبِ مَنْطِقِ الدولة على عبثيَّةِ فوائضِ الدُّوَيلة المُعَطِّلَةِ للحياةِ السياسيّةِ والاستقرارِ في لبنان”.

وكانت الانتخابات النيابية قد حصلت في 15 مايو الفائت، إذ بلغت نسبة الاقتراع في كل لبنان 41.04%، في وقتٍ تنافست في هذه الانتخابات التشريعية، التي تجرى كل 4 سنوات، 103 قوائم انتخابية، تضم 718 مرشحاً، موزعين على 15 دائرة انتخابية، لاختيار 128 نائباً في البرلمان.

* المصدر : موقع مرآة الجزيرة

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع