السياسية: بقلم : عبد الباري عطوان

وربّما التّمهيد لحربٍ أهليّة؟ ما هي السّيناريوهات السياسيّة والعسكريّة في المرحلة المُقبلة؟ وما هي خِيارات تحالف “حزب الله”؟ ولماذا تُذكّرنا بانتِخابات الجِنرال بريمر العِراقيّة؟

كانَ من المُفتَرض أن تُؤدّي الانتخابات البرلمانيّة اللبنانيّة التي جرت يوم أمس الأحد إلى إصلاحِ النظام السياسي الحاكِم ولو جُزئيًّا، وإنقاذ البِلاد من أزماتها الاقتصاديّة الخانقة، ولكن النتائج الأوّليّة جاءت صادمةً، خاصَّةً لكُتلة المُقاومة، التي تُشير بعض التّحليلات إلى احتِمال فُقدانها أغلبيّتها النيابيّة الحاضنة، وربّما زعامة البرلمان أيضًا، الأمر قد يُؤدّي إلى تفاقم الأزمة السياسيّة وانعكاساتها الاقتصاديّة المُدمّرة، وحُدوث انهيارٍ اجتماعيّ.
صحيح أن تحالف حزب الله وأمل نجح في اكتِساح جميع المقاعد المُخصّصة للطّائفة الشيعيّة (27 مِقعدًا)، ولكنّ المُشكلة تتلخّص في خسارة بعض حُلفائه في الطّوائف الأخرى العديد من المقاعد، وتقلّص الأغلبيّة البرلمانيّة إلى 65 مِقعدًا بعد أن كانت 71 مقعدًا في انتخابات عام 2018، مع تسليمنا بأن هذه الأرقام يُمكن أن تتغيّر بعد إعلان النتائج رسميًّا.
***
نحن أمام برلمان “مُعلّق” Hung Parliament، على الأرجح تتقارب فيه مقاعد الكُتل الرئيسيّة، بحيث لا تملك أيّ منها الأغلبيّة التي تُؤهّلها لحسم استِحقاقين قادمين، وهُما زعامة البرلمان، وانتِخاب رئيسٍ للجمهوريّة.
التيّار الوطني الحُر الشّريك المسيحي الأبرز لحزب الله فقد بعض مقاعده في هذه الانتِخابات لمصلحة خصمه اللّدود حزب القوّات بزعامة سمير جعجع ويُؤكّد المُتحدّثين باسمه أنه انتزع الزّعامة المسيحيّة، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن الزّعامة الدرزيّة التي تكرّست بين يديّ السيّد وليد جنبلاط، بعد خسارة السيّدين طلال أرسلان ووئام وهاب.
انخِفاض نسبة المُشاركة في الانتخابات إلى حواليّ 40 بالمِئة يُؤكّد حالة يأس الناخب اللبناني من الطبقة السياسيّة وفُقدان الثقة فيها وقُدرتها على إجراء الإصلاحات اللّازمة، وإخراج البِلاد من أزماتها، ولعلّ السيّد سعد الحريري الذي كانَ أوّل من علّق الجرس، وأعلن انسِحابه من الحياة السياسيّة وقِيادته لهذا التوجّه المُقاطِع سيخرج الفائز الأكبر في نهاية المطاف، وبِما يُؤكّد أن رؤيته كانت صحيحة.
ربّما لم تكن هُناك عمليّات تزوير لعمليّة الاقتِراع، وغِياب أيّ أعمال عُنف لإخراجها عن مسارها، مثلما يُؤكّد وزير الداخليّة، ولكنّ الأهم أن المال السياسي لعب دورًا كبيرًا في خُروج نتائجها بالشّكل الذي تُريده الدول التي تقف خلفه، وخاصَّةً الولايات المتحدة ودول خليجيّة على رأسها المملكة العربيّة السعوديّة، وبِما يُذكّرنا بانتخابات العِراق الأولى التي جرت تحت إشراف الحاكم الأمريكي بريمر ووفق نظام حُكمه، وعمليّة سياسيّة، ومُحاصصات طائفيّة كان الاحتلال مُهندسها.
نتائج هذه الانتِخابات، وبالصّورة التي جاءت عليها ربّما يتم توظيفها للإقدام على تنفيذ الحلقة الأهم من السّيناريو الأمريكي الصهيوني في لبنان، أيّ إشعال فتيل الحرب الأهليّة، لتمهيد الأجواء لتدخّلٍ غربيٍّ لنَزع سِلاح المُقاومة الذي بات يُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا لدولة الاحتِلال الإسرائيلي.

خطط التّجويع والإذلال التي مارستها الولايات المتحدة وحُلفاؤها في لبنان يبدو أنها أعطت ثِمارها ودفعت بعض اللبنانيين إلى الابتعاد عن محور المُقاومة، والتّصويت للطّرف الآخَر تحت عُنوان ما يُسمّى بالتّغيير اعتقادًا بأن هذا الخِيار هو المخرج الوحيد والأسرع من الأزمات الحاليّة حيث يعيشها 80 بالمِئة من اللبنانيين تحت خط الفقر والجُوع، وتصل مُعدّلات البِطالة إلى أكثر من 30 بالمئة والدّين العام فاق المِئة مِليار دولار، وتبخّرت مُعظم المُدخّرات وانخِفاض قيمة الليرة بأكثر من 95 بالمِئة من قيمتها.
لبنان، والمِنطقة بأسرها على حافّة حرب إقليميّة كُبرى، ومُناورات العدو الإسرائيليّة الأكبر من نوعها التي بدأت قبل أسبوع هي أحد أهم عمليّات الاستِعداد لها، فالهدف هو رأس المُقاومة ونزع سِلاحها، ومُحاولة استِخدام نتائج الانتخابات كغطاء لهذا المُخطّط، فالشّرارة قد تكون حول آبار الغاز اللبنانيّة في المتوسّط، أو باقتِحامات القدس.
لا بُدّ من استِفادة كُتلة المُقاومة من دُروس هذه الانتِخابات ونتائجها أيًّا كانت سَلبًا أو إيجابًا، والاعتِراف ببعض الأخطاء في اختِيار الحُلفاء، والسّكوت على بعض مُمارساتهم، وإجراء مُراجعات شاملة وجريئة لتعزيز صُفوفها وتحصينها من مُؤامرات المرحلة المُقبلة الأكثر خُطورةً في رأينا.
لن ينجح التحالف الأمريكي الصهيوني الخليجي في نزع سِلاح المُقاومة، وستكون إسرائيل هي الخاسِر الأكبر لهذه الحرب التي إذا بدأت قد تنتهي بزوالها لأنها لن تُواجه “حزب الله” فقط، وإنما محور المُقاومة المُتعدّد الجِهات والجبَهات.. والأيّام بيننا.

المصدر: صحيفة رأي اليوم ـ المادة الصجفية نقلت حرفيا ولا تعبر عن راي الموقع